قنبلة الزبالة

قنبلة الزبالة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢ سبتمبر ٢٠١٥

لا يضاهيها في حجمها أي قنبلة، فقد تصل إلى آلاف، بل مئات آلاف الأطنان، أما قوتها فأيضاً لا تعادلها قوة الذري ولا النووي، لذلك نجد أن العقل يحار أمام أبسط الأشياء المعرفة، وكثيراً لا ينتبه إلى نتائجها الكارثية والمرعبة في حال تجاوزها للحدود. والإنسان الذي وصل من إبداعه إلى القمر والمريخ، وإلى تطورٍ وإنتاج وتحضر وتألق وتأنق وتهذيب ونظافة، بدءاً من الجسد وهندامه، مروراً بالمنزل والمكتب والمعمل والشوارع التي تخترق المدن والبلدان، عَبدَها وأوجد على أطرافها صناديق وحاويات تجمع زبالته الناتجة عن قيامه بالأنشطة المنزلية والعملية، الزراعية والصناعية، وأهمها مخلفاته الشخصية المنتجة عن طعامه وإطعامه وشرابه، والتي عليه يومياً أن يقوم برميها، لا من النوافذ، بل أن يعتلها إلى الحاويات وإلا؟ هذا أولاً. وثانياً مخلفاته الشخصية التي تذهب إلى المجاري، ونطلق عليها الصرف الصحي في مجموعها نطلق عليها نفايات مخلفات صلبة أو سائلة قمامة، وما هي إلا زبالة بشرية ينتجها الإنسان بعد استثمارها إلى أقصى مدى، ومن ثم خروجها منه وعنه، ومن باب العلم، إن عمليات النظافة وعمالها موجودون ضمن فلسفة البناء الكوني من الجنان، وتخصص نوع الملائكة، بهذا الشأن إلى الفضاء، ووجود حالات تقوم بتنظيفه، تتحول بالتقادم إلى كواكب، بعد أن تجذب كامل مخلفات الفضاء إلى البحار، ووجود بعض الأسماك التي لا تنمو إلا على الزبالة، وتسمى سمكة الزبال، ومن يمتلك حوضاً منزلياً للأسماك فلا بد له أن يضم إلى أسماكه هذه السمكة، والإنسان تخصص البعض منهم، ليقوم بهذا العمل النبيل الذين نطلق عليهم زَبَّالة، أو عمال النظافة، ولولا كل أولئك الذين ذكرتهم لتدحرجت كرة الزبالة، وتحولت إلى قنبلة تنهي كل شيء بسبب فساد كل شيء، بدءاً من الإنسان، وانتهاءً بالوجود.
هلّا تأملنا هذا العنوان، وتوقفنا عنده قليلاً، وتفكرنا به بتؤدة، ألا نجد أن إهماله يحمل كل الخطورة والتهاون فيه، أو معه يؤدي إلى نتائج رهيبة ومرعبة، يقول المثل الشعبي: (إذا جارك حلق ذقنه بل ذقنك)، طبعاً الذي دعاني لكتابة هذا الموضوع ما يحصل عند جوارنا، وقنبلة النفايات أي الزبالة وروائحها، وكيف تكاد تعصف ببلد جميل من خلال روائحها وآليات تحولها والتصاقها بالمسؤولين عنها ساسة واقتصاديين، وشعاراتها المحمولة والمكتوبة والمرئية، وأهمها طلعت رائحتكم، فماذا يعني هذا الذي يجري وهو ليس بالبعيد عنا، وحينما نسمح لأفكارنا بقراءة ما يجري في تلك الساحة، فكيف نحللها، وأعتقد أن علينا أن نبدأ بتحليل دقيق لمكونات هذه القنبلة المرعبة والمذهلة، حيث نجدها تبدأ من نظافة اليد المرتبطة بالضمير الحي، الذي لا يسمح أبداً بدخول الجراثيم إلى العقل، ولا أن تتطور حتى تغدو زبالة، تسكن جوهره، ومن ثم إلى نظافة منزله، وامتلاكه لمعايير وأسس النظافة، فهل يستطيع كائن من كان، أن يترك زبالته ليومين، وكلنا يعلم ما الذي يجري من ظهور للروائح والفطريات والبرغش، وأيضاً هل هناك من منزل حتى وإن بلغت دقة صناعته وجماله وفرشه وهندسته، إلا وبه حمام ومرحاض ومصرف شطف، مهما كان كبيراً أو صغيراً، كوخاً أو قصراً منيفاً، في النتيجة تجتمع قمامة الفقير مع قمامة السياسي، مع قمامة حاجبه وخدمه وحشمه في مكب واحد، وعندما تظهر روائحها يعلم المحيط، أن هناك حالة مقززة أيضاً، ينفر منها الجميع، وربما تصل إلى حد القرف، فكيف يكون التصرف والمصارف مغلقة، أي مصارف الصرف الصحي، وليس هناك من أماكن لدفن الزبالة أو حرقها، أو استثمارها بالشكل الأمثل، بحكم وجود تقنيات للمعالجة عالية الدقة، وتنعكس بالفائدة، ليس على الفرد إنما على المجتمع والدولة والأمة والأمم، حيث تستنبط منها الطاقة الكهربائية التي تحتاجها بلادنا والطاقة الحرارية، ناهيك عن تحويلها إلى أسمدة وأدوية زراعية وبشرية. وكما هي الحاجة الدائمة لمراقبة مخلفات الإنسان يدعونا الأمر لمراقبة أنفسنا، وتفعيل رقابة الأجهزة المعنية على أدائنا، ومحاسبة ضمائرنا، والعمل الحثيث على جعلها نقية صافية، حتى يعود إليها كل شيء جميل من الإله، إلى الأفعال، وكثيراً ما سمعنا أن فلاناً طلعت رائحته، ومن ثم فاحت، وبعدها انتشرت، فأدت به إما إلى العلا، وإما أخذت به إلى مجاهل السجون وغياهبها، حسب علاقاته ودعمه المتبادل في المصالح أو انعدامها.
تخيلوا معي مدينة أو دولة أو حياّ، ما الذي يجري، لو تركت زبالتنا، مخلفاتنا، نفاياتنا، لأيام، ومعه لم تعد تعمل مجاري الصرف الصحي، ألا تغرق المنازل، وتنتشر الروائح، وكما تحدثت، يظهر كل شيء سلبياً، تهرب الناس، وترحل إلى المجهول مع حملها لكل أنواع الأمراض، أليست قنبلة الزبالة مع انسداد المجاري أقوى من قنابل النووي والذري والنابالم والعنقودي والانشطاري؟ أليس كل هذا من صناعة الإنسان، من أجل حياته التي لا تستمر إلا بالطعام والشراب، ومعه نظافته ونظافة مكانه ومحيطه؟ هلّا انتبهنا لما جرى عند جيراننا لأيام؟ لقد أخذ العالم أجمع درساً لا ينساه، وأعاد تفكيره إلى النقطة الأولى بخصوص هذه المسألة، التي نبهت إلى العديد من المسائل المهمة، ومنها مسألة التكاثر وضياع الوعي أمام الأشياء الصغيرة، التي لا نعيرها بالاً في أغلب الأحيان، وتكون سبباً في إحداث الانفجارات الهائلة.
أيها الناس المنتمون لجغرافيا تحترق بالنار، التي أضرمتموها بأفعالكم، والتي اكتويتم، ومازلتم تكتوون بنيرانها، وأخطر ما في الموضوع، أن يتحول الكثرة من الناس إلى زبالة، ونستمع من حوارنا مع بعضنا عن البعض الذين يوصفون بالزبالة، فنقول أو يقولون: اتركهم ناس زبالة، أُفٍّ لهم، طلعت رائحتهم، لنبتعد عنهم، أو نكنسهم، والغاية الأولى والأخيرة هي النظافة، نظافة جوهر الإنسان قبل مظهره، نظافة المسؤول قبل تعطره، نظافة الإيمان بالإنسان قبل تدينه، نظافة الوطن الذي يدعونا إليه الواجب، ليبقى نظيفاً، لا تشوبه شائبة، فالمهلة التي منحها جيراننا لدولتهم ومسؤوليها، ليست بالطويلة، وأعتقد أن علينا الإصلاح فوراً، ومن دون مهل.
د.نبيل طعمة