سورية والأسد

سورية والأسد

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٢ أغسطس ٢٠١٥

 معادلة رُكّبت كي لا يتم تفكيكها، صيغت ضمن منظومة المتواليات الهندسية التي حضرت من منظومة التكوين الكلي، لتكون معادلة فلسفية، لا تقبل التفلسف عليها، من باب أنها جوهر، والذي لا يستطيع الدخول إلى جوهرها، يسقط من كونه يقف على حافة الحياة، لماذا؟ لأنه حقيقة، والحقيقة إن لم تبحث عنها تبقَ تدور في فلكها، ولن تطولها، إنها مثلث دقيق سياسي، اقتصادي، اجتماعي، كما هو مثلث القداسة؛ توراة، إنجيل، قرآن. وكما الشمس والأرض والقمر صاغها الإله، وأخرجها إلى الحياة، على شكل ذرتي هيدروجين، وذرة أوكسجين، فالذين لا يؤمنون بهذه الحقيقة، لا يدركون الواقع وعلومه القادمة من الوراء، والذاهبة إلى الأمام بقوة، وللذين يتطلعون على المشهد السوري، كافرين كانوا أم مؤمنين، أدعوهم لتأمل الواقع المحلي والمحيطي والعالمي، وأن يعوه بقوته، لا بضعفه، وألا يحيوا في الخيال، بل أكثر من ذلك، أطلب منهم، ألا تنتابهم الأوهام.
إنها سورية التي حلب فيها أبرام الشاة، وبنى أسوار دمشق، وساكَنها داوود وسليمان، وعاشر أهلها موسى، وانتقى منها المسيح الصيادين الأربعة، من ضفاف طبريا، ليكونوا مساعديه، قبل وجود حوارييه، ودخلها نبي الإسلام، وضع قدماً فيها، واصطحب منها التوراة والإنجيل، بعد أن كان قد التقى بحيرة الكاهن الرسول في بصرتها وبصيرها، وبذلك كانت من ذلك الموغل في القدم، وإلى ما حضر من الزمن، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، ومن شامها التي تحدّ من فراتها إلى عريشها، خرج بولص الرسول، يحمل إيمانها، وأخلاق سماحتها إلى العالم أجمع، دارت الدوائر عليها، وتناهبها المغول والتتار، وجسم على جسدها الطورانيون العثمانيون، لمئات الأعوام، واستعمرها الأورو فرنسي، حاول صناعة دولة فيها، على شاكلته، إلا أنها صنعت نفسها على شاكلتها، قاوم شعبها وتربتها معاً، كل أشكال التغوّل والتتريك والفرنسة، وخاض تجاذبات الانقلابات المريرة التي عصفت به، وبجغرافيته، إلى أن وصلت إلى الإمساك بلعبة الاستقرار، فماذا حدث؟
خاضت حرب النكسة مع أولئك المنحرفين، وانتصرت مع التصحيح مؤسسة لعودة الفينيق باسم جديد، جال به الأرض والسماء، ليحمل اسماً واحداً، يرعد العالم أجمع، عنوانه عنواننا الذي نسير تحته، حيث بدأ من تشرين عالياً، وعزَّز في تشرين، وانتصر، وانهمر الخير عليها، فنمت وكبرت وأثمرت، وانطلقت إلى الحياة، باسم استراتيجي نوعي وجميل، لم يعجب هذا النمو الشقيق قبل العدو، الذي بدأ يحيك بعداءة خفية وظاهرة المؤامرة تلو المؤامرة، لم يغرِه قوة الاسم الجديد، فخاض هذا الاسم العنوان حروباً خفية وظاهرة، كانت انتصاراته أكبر من إشراكهم ومكائدهم، إلى أن وصل إلى ما نحن عليه، اجتمع المتآمرون جميعاً، كما يجتمع الذباب والزنابير إلى قصعتهم، معتقدين سهولة التهام ما في القصعة، غير مدركين حجم قوة ومجد ما في القصعة، وأقصد جغرافية سورية الأسد، صحيح لا يقبل التقسيم، المكون السوري فسيفساء نادرة، وعقد فريد ضمه بحنان، يمتلك قوة ورؤية الإله خيط جامع، نسج من مسجد وكنيسة ومعبد وكنيس، لا يعرف قوته إلا مثلث بَنّاء حضوره.
حاول تقليد المشهد البنائي، واتحد التركي والقطري الصهيوني، كما اتحد السعودي الصهيوني الأميركي، ضمن لعبة مثلثية الأبعاد، اختلفوا، اتفقوا، تاهوا، أفشلهم مثلث الحقيقة المتجسد في السوري- الإيراني- الروسي واقعياً، نتحدث، إنها لعبة المثلثات التاريخية، والمتآمرون ضمن هذه النظرية المثلثية، ثلاثة متكررة، وأي نجمة يشكلها مثلثا المثلث الرئيس، الذي من دونه لا تشكيل لوجودها، ومن أوجد النجمة تاريخياً، هم السوريون، واليوم ما نراه، يضعها الجميع على رؤوسهم، أو يحملونها على أكتافهم.
أمم متحدة، وفي حقيقة أمرها منفصلة، تقاد بالأرقام المفردة، واحد إله، وثلاثة إله، أي القادم من اتحاد الثنائية السماء والأرض إله، وخمسة القبضة يد الإله، والسبعة تكوين الإله، والثمانية السيطرة للإله، وتسعة الولادة التي تعيد ولادة طائر الفينيق، تخترق نظم مقولة المستحيلات الثلاثة؛ الغول والعنقاء والخل الوفي، تشاغلهم منتفضة بانتفاضة أجنحتها السورية التي لا تطير، إلا بتوجيه رأسها الأسدي، وبأمتها التي تتحدث عن طيران، من دون رأس، وطبعاُ هذا محض خيال، والرأس يقبع دائماً وأبداً في الشمال من الجسد، وسورية رأس الأمة، ورأسها العقل المدبر فيها، هل يدرك السوريون الخارجون على قانونها الطبيعي الوضعي والإلهي معنى وجود سورية في شمال الأمة كلها، وليدقق كلّ منا معنى الرأس والجسد، والكنيسة تقول في الإكليل: كوني له جسداً، يكن لك رأساً، مع إيماني المطلق، بأنَّ مثلث القداسة هو نسيج إلهي، أراده المكون الكلي أن يكون على شاكلته، فعمل الله يجسد ذلك ضمن منظومته الروحية؛ الله- الملائكة- الرسل، واستمرارهم في أشكال متعددة، علماء وأولياء وآيات، هي هكذا سورية الأسد، خلق كوني مجسد على جغرافية من العالم، تشاغله في كثير من الأحيان، ويشاغلها لحين، من أجل هذا النجاح.
المتآمرون يعتمدون نظرية المثلثات، لا نظرية المتواليات الهندسية، والكون هندسي النشأة، صعب اختراقه.
هلّا تفكرنا -نحن السوريين- ممَ نحن تكوَّنا؟ ولا أغالي في التفاخر، وأعتقد جازماً، أن جميعنا يدرك ذلك إلى حدٍّ ما؛ فالحقيقة التي دخلت التاريخ، تعترف بأنَّ سورية الأسد، سجّلت اسماً حُفِر بقوّة في سجّله، وبهذا حاولت أن أستعرض واقعية وجودنا السوري، وما يجري معه وعليه؛ فهل ندرك شيئاً مما خطَطته، لنتأمل ونتفكّر؟!!
د. نبيل طعمة