كتابة الرأي

كتابة الرأي

افتتاحية الأزمنة

الجمعة، ١٠ يوليو ٢٠١٥

تحتاج إلى الشجاعة والجرأة والمعرفة الواقعية، واستقراء ما لا يستطيع الآخر قراءته، بحكم كونه اجتهاداً، وإن القائل أو الكاتب من خلاله تتحرك الحياة، وإلا فكيف به،  حيث من المفترض أن يكون قمة العمل الأدبي أو الصحفي، السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، وحتى الديني، فالواقعية الفكرية أدت به إلى أن يكون لكل تخصصٍ تعبيرٌ عن جودته، ويكون هذا بطرحه ممن ينشره، ويوقع عليه، يتحمل مسؤولية عرضه، وهدفه الإشارة إلى تطوير فكر الآخر، أو إيقافه، وربما تقهقره، فالذي يكتبه، ينبغي عليه أن يكون قد وصل تجربة مهمة من التلاقح الفكري، مع فكر الآخر، التخصصي أو المعرفي أو المجتمعي، وبعد أن يصل مدرسة الثقافة النوعية والاستراتيجية، البسيطة منها والمركبة، السهلة والمعقدة، وطموحه الدائم التعرف على كل ما هو جديد، ومواكبة الأحداث عن كثب، بعيدةً كانت أم قريبة، محيطية أو ضمن المعايشة والتعايش.
طبعاً أكتب هذه الزاوية، وأنا أخوض غمار واقعٍ مؤلمٍ محزنٍ مربكٍ، وصل إلى حدود الصعوبة المنتظرة، أجده يتطلع إلى حافة الهاوية، يتجول نظره على ما يقع عليه، فينتج قيماً فكرية نوعية، فإذا كانت كتابة الرأي قمة من قمم الفكر التي تحتاج إلى التطوير الدائم، وإغناء القارئ والمتطلع إلى معرفة الجديد؛ فكيف بالرأي لا يكون كذلك، كما أنها تحتاج إلى التحصُّن من السقوط المعرض له كاتبه، عقب كل مادة رأي، يقدمها للجمهرة الواعية وغير الواعية، فنتناوله من خلالها، كيف بنا نحرر إنساننا، ونعتقه من قيود التخلف، إن لم يكن هناك رأي مصاغ بحنكة المعرفة، بعيداً عن الضغط الرهابي، والإهانات اللا مرئية والمرئية.
الرأي إنسانيّ، احتاجته المجتمعات البشرية، معتبرةً إياه من الضرورة بمكان، من أجل بناء أي معرفة إنسانية، وتستخدمه في كامل محاورها الناظمة لحركة وجودهم، رغم خضوعه لنظرية الاحتمالات، وكان أهمه الرأي الآمن، الذي يصل للآخر،  ويعلم أنه خالٍ من المكائد، وهو الواجب أن يطّلع عليه السواد الأبيض والملون  من البشر، ليس ذاك الرأي الذي يريك أنه يفكر عنك، ويجيب بما تريد، أو ما لا تريد، وهناك من حذّر ونبه من الرأي، ( اتقوا الرأي في دينكم ) ( وإياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن) أحاديث مسندة، قارئي الغالي، أرجو أن تبحث عنها، هذا يقوِّم المفكر، أو يدعك ترمي به باكتشافك له، على أنه رأي مسطح، وذاك يدعك ترفعه إلى مصاف أصحاب الفكر، من باب شعوره، بأنك خدمت فكره، إنما الرأي الذي يأخذ بك إلى إعمال العقل، والتأمل والتفكر فيما أرادك أن تصل إليه، وجذبك لتدقيق ما تحمل، أو تضيف، أو تحذف، أو ذاك الذي يمنحك فرصة جديدة لإيجاد إجابات واقعية ومنطقية عن أسئلتك التي لا تمتلك لها أجوبة، أو أنها غائبة عن فكرك وبصرك. 
احترم الإله الرأي، وتجلى ذلك في حواره مع طاووس الملائكة، وقرأت البشرية جمعاء هذا الحوار، وكان منه أنَّ للإنسان حريةً في الرأي، شريطة أن يكون عاقلاً ومنطقياً، كما أنَّ له حرية المعتقد، رغم ما يحمله من مغامرة، وربما مقامرة، أثناء إبدائه مكتوباً، أو التصريح به مشافهة، نعود لنعترف أن من يقرؤنا قليل، بل حتى أقل من قليل، بل بإمكاني القول: إنه نادر، وحتى هؤلاء، إن لم نجذبهم، فسنفتقدهم، لأنّ السواد الأعظم من أمتنا لا يقرأ، والسبب معروف وبسيط، أزماته الحياتية تكفيه، فغنيّه مشغول بالجمع، وفقيره لاهث وراء لقمة عيشه، وساسته منشغلة بأدوات جلوسها وبقائها، حتى بعد الممات، والبحث الدائم عن استمرارها وحفاظها على ما وصلت إليه، وإذا قرأ يقرأ ما يخصه من نقد فقط، ويهتم بالمديح الذي يرسله للأعلى منه، علّه يحظى بالمرتبة الأفضل، أو يحل مكانه، والطبقة التي نطلق عليها مثقفة، نراها متأففة، وكثيرهم ما إن تحاوره، حتى يسقط بكل المعايير؛ فأين نحن من الرأي السديد الجاذب الواقعي، المعالج والمطور، بلا أهداف خبيثة، أو مناورات جوفاء، ليس هناك أسوأ من طاعة عمياء مبنية على الخوف الذي يمنع من إنجاب لغة فكرية نوعية، ويعم التخلف، مازال الرأي العربي يسكن العقل الباطن، ما يقدمه غرائبي وعجائبي، يجانب الواقع إلى حدٍّ كبير، ويوالي من يتبع لحدود لا تصدق، خياله واسع، تجده مرتعاً ومرعى لكل ما يخطر على بال المرء، الخوف والقوة، الحب والكره، المؤامرة والمكائد والأشراك، مصالحه الشخصية أولاً وأخيراً، تسيطر بشكل مباشر وغير مباشر على قلمه وكلمته وحركته وسكونه، لم يمتلك الرأي العربي حتى اللحظة هويته، ولم تستقم شخصيته، ولم يحفر في ذاكرة الآخر وجوداً له، ولم ينحت في سجلات العالم الأول، ما ينبئ عن حضوره، لماذا نسأل؟ حاولت أن أصل بالرأي إليكم، أنتظر آراءكم، فتطوير إنسان وطننا يحتاجه الوطن.
د. نبيل طعمة