خانوا سورية

خانوا سورية

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٠ مايو ٢٠١٥

خانوها أرضاً وشعباً، حكومةً وقيادةً، بعد أن كانت المعاهدات الصداقية توقع كل صباح، كل مساء على الإفطار، والغداء والعشاء، كان كل شيء على أكثر مما يرام، علاقات ودية، راقية، وزاهية، وأنيقة، ودقيقة، حتى أشد المتفائلين، لم يكن ليحلم أن تصل إلى ما وصلت إليه مع قطر وتركيا، وحتى مع السعودية التي شاب علاقاتنا معها الضباب إلى حين أن حدث اللقاء في الكويت، ومن ثم زيارة المغفور له لدمشق، ومنها إلى بيروت لبنان، يداً بيد، كان الشبك، ووصلت الأمور إلى حد لو ترشح الرئيس بشار الأسد في تركيا أو قطر، لكان هناك الرئيس رئيساً أو أميراً، وبلا منازع والعكس كان صحيحاً، حتى الحريري، الابن برأ سورية، قيادةً وقائداً وشعباً من دم أبيه، والذين كانوا معه، بمن فيهم جنبلاط صاحب مفردة التخلي الدائم، والتي تعني اللعب على الحبال، أشادوا وأيدوا وهتفوا لسورية، الهرم الشامخ، العنيد والعتيد إطراءات وتعهدات، وكما أسلفت قادة من شدة مشاهد الود، الذي كان بينهم، لا تصدق، فما الذي حصل.
أعتقد جازماً، أن الذي جرى مع سورية، يشابه تماماً ذاك الذي حصل مع ستالين رئيس الاتحاد السوفييتي، وهتلر ألمانيا النازية، قبل الحرب العالمية الثانية، حيث أنجز الود بين ستالين وهتلر، اتفاقية عدم اعتداء، ووقّع الطرفان عليها وتعهدا بعدم الاعتداء أو المشاركة في اعتداء على أي منهما، أو التحالف مع عدد حقيقي أو افتراضي، وبلغ النص من القوة والعاطفة حداً كاد لا يصدقه أحد، كان هذا في عام 1939، ودامت عامين ونيفاً هذه العلاقة، والاتفاقية تحدث عنها روجر مور هاوس في كتاب حلف الشياطين؟
وفي 22 حزيران 1941، هاجم الألمان طول الأراضي السوفييتية وعرضها من البحر الأسود، وحتى سواحل البالطيكونا ملايين الجنود الهتلريين، آلاف الدبابات، مئات الطائرات النازية اخترقت حدود السلام، وتم إنزال وحدات تخصصية عملت في عمق الأراضي السوفييتية، مهمتها زرع الفتنة وتشكيل خلايا وجيوب على شكل عصابات، تخرب خطوط الاتصال والسكك الحديدية، ومن ثم استدعى وزير خارجية ألمانيا الهتلرية السفير السوفييتي في برلين، ووجّه له خطاباً شديد اللهجة وقراراً بأن قوات هتلر قررت صد عدوان الجيوش السوفييتية، لما وصل الخبر إلى ستالين، لم يصدق ما قاله هتلر، حتى إنه طلب بداية تكذيب كل ما يشاع في الإذاعات، ومن ثم أدرك أن الخيانة من هتلر كانت مرعبة وأليمة، وقرر الرد العنيف، والذي دام أربع سنوات، لينتصر الحق على الباطل، ويرسل ستالين قائد جيوشه جوكوف، ليوقع مع أحد قادة هتلر اتفاقية استسلام ألمانيا، وإذلالها بعد انتحار هتلر في 9 أيار 1945، وبعد شهرين توقّع اليابان ذات الاتفاقية.
لماذا عنونت ما أخطه (خانوا سورية)؟، وأوردت حادثة خيانة هتلر لستالين، وتحدثت عن تلك العلاقات، التي كانت قائمة مع من ذكرتهم حداً فاق تلك الاتفاقية بكثير جداً، ليتبين لاحقاً أنهم كانوا على مكر وخديعة يخططون، ويستعينون حقيقة بالشيطان بحكم أنهم شياطين، لأن سورية في نظرهم الحامل الرئيس، لفكر العروبة، ومشروع النهضة العربية، وأيضاً يتحدثون دائماً أنها، لم تدفع الضريبة التاريخية، التي ينبغي عليها دفعها، وهذا هو العامل الرئيس، الذي دعاهم لضرب ليس سورية فقط، وإن كانت جوهر أهدافهم، بل كل الدول التي تناهض مشروعهم الإخواني الوهابي خيانات عربية عربية، وعربية إسلامية، كلما سنحت الفرصة للخيانة تجدهم يفعلونها رغم استظلالهم، فيكيدون المكائد، ويندفعون كالثيران الهائجة، يحلفون بأغلظ الأيمان، ويقسمون، يتعاهد الضعف على القوة، ويستعين بقوى الاعتداء، التي تطول الجميع في النهاية من دون استثناء عن وعي أو من دونه.
الإشكال التاريخي المصنع منذ قرن تقريباً مازال يحمله العدو الأول والأخير لشعوب العالم الثالث هو العالم الأول، وبشكل خاص لشعوب الأمتين العربية الإسلامية، والإسلامية، ذاك العدو الذي استخدم البعض من الأعراب كأدوات من أجل استنفاد ثرواته عبر إلهائه بإشراكه بالمكائد والأشراك في حروب جانبية وهامشية، ودفعه لصياغة المؤامرات والأحقاد، ورميها بين شعبه وشعوب أشقائه وأصدقائه في العروبة والإسلام.
من منا لا يذكر رواية لافونتين المتحدثة عن المتسبب في إحداث عكر صفاء النبع وبحرته الجميلة، هي هكذا كما سورية الهادئة الوادعة الأمينة والآمنة، وكيفية غزو الذئاب لمساحاتها، وتعكير صفو عيشها وحياتها والجدلية التاريخية، فتحدث عن أن بلداً بلا ذئاب إنما هو بلد بلا أساطير ولا قصص، فالإنسان والذئب عاشا معاً، فالقوى متصارعة بدءاً من داخل الإنسان إلى أن يوحدها، فيغدو المصير واحداً والقوة واحدة، وعندما ترى في المنام ذئباً فاعلم أن أحداً ما، بدءاً من أقاربك وإلى ذاك البعيد، أن الكيد يكاد، ومنه نصل إلى وضع أسس ومعايير للأسئلة الكبيرة، التي تشاغل فكر كل إنسان سوري شريف وعربي محب لسورية، والذي عنوناه، لماذا خانوا سورية.
د.نبيل طعمة