لا... أبد

لا... أبد

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ١٥ أبريل ٢٠١٥

بحكم أنّ كلَّ شيء ينتهي ما دام أنّه موجود بين نقطتين، وجميع الكائنات الحية منحصرة بينهما، أي إنّ النهايات محققة من دون امتلاك شروطها الواقعة تحت مظلة إلا هو، فمن يكون هو، بعد أن ندرك أنّ ليس هناك من أبد أبداً، يمتلكه كائناً من كان من الأجناس الحية التي تحلم به فقط، وإرادتها أن تصل إليه ولن تصل، إلا أنّ العالم أجمع، يسعى وبشتى الوسائل العلمية والفلسفية لإدراك ماهيته، وبما أنّ حلمه بالمستقبل أخذه منه، وبدأ يتطلع إليه، يتقدم به بعد أن يخطط له، يعمل بصمت وأناة، لا يلتفت إلى الوراء، لا يؤمن بالإشاعة التي يفبركها الحاقدون، ويتناولها الحمقى، ومن ثمَّ ينشرها الضالون، ويبتعد عنها المتأملون الذين ينظرون إلى العاملين والمشغلين للحياة، وقدرة منحنا الحرية غير المعرّفة، وإيمانهم بأنّ هناك قادراً في أي لحظة على استلابها، والذي يفتح الأبواب يعود ليقفلها متى أراد، وكذلك طالب الولاية لا يولّى، وإن ولّي فسيكون عبداً للذي ولّاه، أما إنْ اختير اختياراً، أو مارس عدالته التخصصية، فهو حرٌّ وسيدٌ، كما هي حرية المياه في الجريان، حيث لا أحد يستطيع تحديد مجراها، ولا الهواء من أين يأتي ولا إلى أين يذهب، والشمس كذلك، أين ترخي أشعتها وتنشر ظلالها أو تصل، أوَ أحدٌ يستطيع أن يمنعها الوصول إلى حيث تريد، وكلّ هذا من أجل أنْ ندرك الحدّ الأدنى من الإدراك، وقليل من العلم الكثير المنتشر، والذي لا يمكن لأي كائن كان الإحاطة به، فنعلم أنّنا نحيا ضمن منظومة معرفية علمية، نأخذ منها، لكن لا يمكن إدراكها.
الأبد، ذاك الذي لا ينتهي، حيث يكون جسداً منتهياً، يستمر متسلسلاً ومتناوباً على تراكم وجوده، مظهراً أكذوبة الحياة الإنسانية المرهقة له، ومتلاعباً بمنظومته الفكرية، فتركه يعمل ويجمع ويراكم ويقاتل ويدافع وينشر شرّه قبل خيره تحت شعور بقائه، وخلق له، أي الأبد، شعور نسيان الرحيل الخاطف أو الترهلي أو المرضي، أو بحكم التراكم العمري. مما تقدم نجده اخترعها -أي الإنسان- ولم يقدر أن يعمل لها أرجلاً، لكي تمشي، فنشأت معها ما يسمى الفضيحة الطائرة بأجنحة تتجول بين البشر، مرخية بظلالها على من تختاره، لتبدو حينها بعد أن تكون قد استنفدت كامل قواه معها، كالآبدة التي توحشت، فنفر منها الإنس كما هو حال الأوابد، هل تخصّ الأبدية الأسماء من الأحياء بعد انتهاء صلاحياتهم وإنجازهم، أم الأجساد وعلاقة بقائها وفنائها، فالخشية لا ينبغي أن تكون من الموت، بل الخشية مما سنبقيه للغد، وهل سيكون أيضاً فانياً أم أبدياً؟ الأبد على تضاد مع الخلود الأثري الباقي بحكم فناء المادي منه وتناقل اللامادي المؤثر، فالأبد يمثل غير المنظور والحرية المطلقة فيما يريد، فكانت منه فلسفتها المرتبطة به، ومن دونه لا حرية، فليس هناك من أحد يمتلك الأبد إلا هو، ذاك الحاضر الغائب، الشيء واللاشيء، والذي يعتقد الفكر جازماً أن ليس كمثله شيء، بحكم أنه المالك النهائي، الساكن في فكر المتفكر به، الذي عرفه من دون أن يعرفه، فما هذا أو ذاك الشيء المالك لحقيقة الأبد الذي يحلم الجميع بحياته، إلا أنه ينهيهم قبل إدراكهم له أو حتى التمثل بمفهوم هو، ينظرهم، يناظرهم يتناظر معهم، فنسأل هل يقدر أحد لكونه أن يسأله عن مفهومه، أو أن يشرح وجوده الكلي، أو يعيد تعريفه؟ أقول: ممكن ولكن بقدر، وحينما تتوافر لدينا معرفة بقدر فكيف نستقبلها، وهي الدقيقة دقة الأبد، ففيها تمثيل البيانات الرقمية الدقيقة وعلوم المقايسات التي أوجدت المسافات والحركة والسكون بين كتل الجوامد المرئية واللامرئية، نبصرها ولم نقدر الحصول على إحصاء التبصّر بها، فكيف تحضر لدينا؟ وكيف نقيّمها؟ وماهية الإهاب التاريخي لحضور الآبدة أمام الأبد.
المعضلة الحياتية تكمن ضمن مفهوم لغة الأبد وعلاقتها بالحبّ الذي ينبغي أن نحيا به، فإن لم يحصل حتى اللحظة فلا انفلات منه، لم نتعلم بعد نظم الإمساك بنواصيه، ومن المنطق أن تكون مرتبطة بالروح، والروح لغز الحياة، يبدو أنّه حصرها بيده فكرةً فلسفيةً، قامت على إثبات وجوده بها، ونحن تائهون، فلا ينقص من البحث بها والاستسلام لوجودها، ولكن علينا البحث لإيجاد مخرج ولو بعد حين، ولو حتى كلفنا ذلك ذهاب أو انتهاء الأجيال عقوداً وقروناً، هل هناك من أبد؟ مؤكدٌ أنّ ما خططته يخضع لما تجيبون عنه بعد تأمل وتفكر وإبحار ضمن ظروف الواقع، لكنني أدعوكم للغوص لا للبقاء على السطح ومنه تكون الإجابة.