من أين تأتي الأفكار؟

من أين تأتي الأفكار؟

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٨ مارس ٢٠١٥

مؤكّدٌ من خلال التفكير الجمعي، وانتشار تعدّد الآراء في المحيط المادي واللامادي، حيث تؤدي إلى نضوج الحلول للمعضلات التي تحتاج إلى جهودٍ حثيثة ومثابرة من أجل الوصل لها، وأثبتت مجريات الحياة، أنَّ الإنسان غير قادر على القيام بمفرده بكثير من الأمور العملية، على الرغم من أنَّ العقول قادرة من خلال التفكير والتخيّل على إنجاز الكثير فكرياً؛ إلا أنّها تقف عاجزةً لحظة التحول إلى الإنجاز. وأشارت نتائج التجارب الممارسَة على الفكر الإنساني إلى أنه قادر على تجاوز ليس الخيال فقط، بل تخطي حدوده إلى ما ورائيات الأمام؛ فإذا سُئِلنا عمّا نريد من عنواننا، والكيفيّة التي ينبغي على العقل فتح بواباته، كي يستقبل أفكاراً جديدةً، تشعل الذهنية، وتلهب الحركة من السكون، ندرك أنَّ عمليّة التخيّل تجري في اللاشعور المتحرّك ضمن زهرة الحياة اللامرئية، حيث جوهر الإنسان، فهي الحاملة لتاريخ الوجود الشخصي، وهي المسؤولة عن عملية إبداع الأفكار لحظة إرادة العقل على الاشتغال. تبدأ من البسيطة، تتطور إلى المساعدة، تتربع على مرتبة الخلق الإبداعي، لنجد مهمة المفكر أو الأديب أو المثقف؛ تتجه بشكل دائم إلى إثارة الأسئلة التي تبدو أولاً أهم بكثير من الأجوبة، لكون الأجوبة تأتي وتظهر من التخصّص الذي يقودنا بشكل دائم إلى اليقين، وإذا استكانت الأفكار إلى اليقين توقّفت الحياة، وتجمّد الإبداع، وتعطّلت المخيلة، وهذا هو بعينه، اللامعقول للحياة البشرية؛ لأن الأحلام مولّدة الأفكار تشكّل رافعة مهمّة لحركة التعاقب البشري، والتي تحتاج للشعور بالثقة في إحداث الانتقال نحو الأفضل، الذي لا يكون إلا بعد وجود الفكرة واتحاد العمل بالأمل.
توليد الأفكار بشكل مستمرّ يعني أنّ حركة أي مجتمع، تشير إلى نجاح أفراده، وتبرهن على أن المشكلات الناشئة، مهما كانت كبيرة أو صغيرة، تجد حلولها من باب الابتكار وخلق الأفكار اللذين يتدافعان ضمن العقل الجمعي القادم من الاستماع إلى جمهرة محيطية، تتناول طرح الآراء والأفكار، عفوية كانت ومقدمة من خلال المنطق الفكري السائد، أم من بين الحالات النخبوية، تتلاقح ليتمّ الأخذ بها، ومن ثمّ القيام بعملية تحويل، لتظهر نتائج مبهرة لم تكن في الحسبان.
إلى أين نريد أن نصل بما ننحو إليه؟ إننا نريد التأمل في الواقع واستنهاض إنتاج الأفكار التي فقدتها مجتمعاتنا، والتي تحوّلت إلى متسائلة، تحتاج إلى الحلول من أجل الخلاص، طبعاً نريد أفكاراً تنهي ما نحن عليه من تخلف وتقوقع وانهزام إلى الوراء، نريد الخلاص من فلسفة الانحصار في الماضي، فمن أين نأتي بها، إن لم نتصالح أولاً ونتصارح؟
أؤكد أنَّ أيّ إنسان لديه في اللاشعور أفكار تسكنه، بسيطةً كانت أم قويةً، وتوليدها لا يتوقف عند المفكرين أو الأدباء أو المثقفين؛ إنما يمتلكها الكثرة من المستضعفين المتكتلين حول بعضهم، حيث نجدهم يفكرون بصوتٍ عالٍ وبشكلٍ جماعي، فإذا دقّقنا نجد انسياب كميات هائلة من الأفكار والمقترحات، لو أُخذ بها لحصلنا على كثير من الحلول، فحاجة الواقع تدعونا لفهمه وفهم معنى الحاضر وضرورات الانتقال إلى المستقبل، هذا يدعونا لإيقاف عمليتي الانتقاد الدائم والاعتراض اللاواعي على كل شيء، وهما السببان الرئيسان لإحداث أي تمرّد، مهما كان شكله أو نوعه، ففسح المجال بقوة لالتقاط الأفكار المنتشرة وقبولها، اعتيادية كانت أم غير ذلك، وكما أسلفت التوقف على قبول الكمّ المتدفق منها، والأخذ بها، ومن ثمَّ دعوة المهتمين للقيام بتطويرها، أجزم حينها أننا نستطيع رسم مسارات التقدم إلى الأمام، فالإعجاز الإنساني عبر تاريخ حضوره، تجلى في امتلاكه العقل القادر دائماً وأبداً على استيلاد الأفكار، وإنجاز الحلول لأعظم المشكلات، وبشكل خاص لحظة تقوقعه أو دخوله الأنفاق المظلمة، ورغم عجزه عن القيام بالكثير من الموجود عند الحيوان، كالطيران مثل الطيور؛ أو السباحة في الأعماق مثل الأسماك؛ أو الجري والقفز كالنمور والغزلان؛ أو الصيد بنظام رجع الصدى عند الخفاش(بالموجات الصوتية)؛ إلا أننا نجده قادراً بأفكاره الخلّاقة السيطرة على تحركاتها، والتحكم بمصائرها إلى حدٍّ كبير. لذلك كان وجود الإنسان ضمن مجموعات اجتماعية ضرورة حتمية من باب عدم قدرته على الحياة بمفرده، وهذا يؤكد ما نطرحه حول نظرية توليد الأفكار، من خلال التفكير الجماعي، والعودة لمكافأة بعضه عليها، وأيضا قدرته على إنزال العقاب ببعضه، فالثمار الفكرية الهائلة، أثبتت وعبر كامل الحقب الزمنية قدرته اللامتناهية على تقديم الحلول لمجتمعاته الحاملة بخدمته وإفادته في تحرير حضوره، وتعزيز مصيره، وتسهيل حركته وسكونه، كل ذلك كان من أجل الحفاظ عليه.
أيها الناس، أمتنا العربية من محيطها إلى خليجها، وبشكل خاص أمتنا السورية، تحتاج اليوم منّا الخروج من النفق الذي اجتمع جميعنا فيه، وظهر علينا التعب والملل والقرف مما نحن فيه وعليه؛ هل السبب يكمن في تربيتنا؟ أليس من الواجب والضرورة بمكان أن نبادر لتوليد الأفكار من موائد أزماتنا وانهياراتها وتقهقرنا؟ وأن ننتج أفكاراً نحن قادرون عليها، لتحمل الحلّ لأزماتنا التي غدت ضمن النقد والاعتراض، ضمن صيغ الاستعصاء أو الاستحالة اللامنطقية. كيف بنا لا نتقاسم الهمّ؟ فكفانا تقوقعاً في الماضي وانحصاراً في الفكر الديني؟ والاعتراف يأخذ بنا للنهوض؛ بأننا بمجتمعات، لم تقدم للحياة المادية فكراً خلاقاً أو إبداعياً سجّل حضورنا.
تعالوا نتعلّم من شعوب مجاهل إفريقيا والأمازون التي تقدمت علينا في زمننا الحاضر، فكيف بالآخرين الذين سبقونا من العوالم الأخرى، فلنسأل أنفسنا بمصارحة وواقعية: ماذا قدّمنا من أجل أن نعود لإعمال العقل وتشغيله كي تنساب الأفكار؟!.
د. نبيل طعمة