الحياة مثيرة

الحياة مثيرة

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٤ مارس ٢٠١٥

للاهتمام والسعادة، مستمرة من دون توقف، متدفقة بالمفاجآت، فيها التألق والتأنق، الإيمان والكفر والفكر، الغنى والفقر، العهر والإبداع، الزهد والعمل، الحبّ والكراهية، الثقة والخيانة، فيها المقدّس والمدنّس، الدعارة والزنى، فيها السياسة والحروب، الخوف والرهبة، فيها الهروب للوراء والأمام واليمين واليسار، فيها كل ما نرغب وما لا نرغب، في غفلة منّا تنسينا أين نحن، من نكون لحظة أن يأخذنا جمال تكوينها، ماذا تعني لنا أهمية حمل جذورنا بين جنبات حياتنا، لا إبقائها في الأرض المسكونة، أو فردها بين الناس، الأزمات الفردية والاجتماعية، النزاعات مسؤولة عن توليد الحاجة للخروج من آلامها، والقيام بإنجازات مذهلة؛ تفتح بوابات النجاة، تحدث تجدداً نوعياً، تسجل أحداثاً رائعةً، تمنحنا القوة والإحساس بوجودنا، لكن الإفراط في تملّك القوة وزيادة تحصينها، يؤدي لنمو أفكار التطرف والتشدُّد والشروع في عمليات البطش والسيطرة على الآخر، فنفقد رويداً ومن دون أن ندري مفهوم الحياة الغنية، وننتقص من قيمتها بدلاً من الحفاظ عليها، حيث نتجه للبقاء عيشاً، فلا ندري بعدها كيف تكون؛ هل هي للندرة من المحظوظين أم للجميع من المقهورين؟ وصحيح أنّ النظرية تقول:  ليس هناك من إنسان إلا ولديه فقْدٌ من كمال، ومعاناة ولّدت لديه أحزاناً، سكنت أعماقه، إلا أنّ تشاركنا الحياة يوزع فيما بيننا همومنا، وبشكل خاص المشتركة منها.  
الحياة حلوة ومرة، صعبة ويسرى، لا تحياها إن كانت لا تشبهك، فاختر دوراً، ابدأ به من مسرحها الذي لا حدود له،  الأدوار فيه موزعة تتسع الجميع، الطموح حقٌّ لكل مجتهد، العقول الأفكار، تأخذ بنا لاختيار مساراتنا، القلوب تحدّد أقدارنا، الذكريات تجبرنا ونحن نسير للانتباه وتصحيح ممارساتنا، تخلق حالة مقارنة من التذكير، يفرضه المشهد أو الآخر. محاكمة الآخرين تغدو سهلة وبشعة، حينما نمتلك القوة الناعمة أو المفرطة القاسية أو الخلابة، تنتهي المعاناة من ظروف قهرنا وفقرنا، عندما نشبع لنجد أن ردَّ فعلنا إن تضخمت الأنا، يستدعي قوانا الكامنة من أعماقنا الشريرة، فنتناسى تشابهنا، ونغلق خوفنا ورعبنا من العودة إلى الوراء، نتقدم في الاختلاف ونصنع الخلاف، نعمقه فننفصل بدلاً من أن نتحدَّ، تتدخل صخرة الحياة العاتية، تطلق صيحاتها النارية التي تحتكم إلى مواقف الإنصاف رافضةً العدميّة معيدةً من خرج إلى جادة الصواب، بعد أن تسلبه رياحها ما أنجز، تصطليه بخيبة فكره الذي خان الحياة، تملؤه حينها باليقظة اللاذعة، وكأنه في أمر طارئ، يجد نفسه فيه يبحث عن مخرج من جديد.
الحياة مثيرة.. سياساتها ترسم ديدنها الذي لا دين فيه، حيث نجدها تدير الجنس، المال، الأديان، الحروب والنزاعات من أجل الحصول على القليل أو الكثير، ندقق في جغرافيتها، فنراها طبيعة متصحرَّة وغابات غناء خضرة وماء، سماء وبحار، مدن عامرة وأحياء صفيح تكاثر مرعب غريب، قناعات واكتفاء، أمراض مرعبة بلا دواء ضمن حرب بيولوجية باقية، لم يكتشف لها دواء، إنما مسكّنات ومساعدات ورعايات للكبار والصغار ومزيد من الامتلاء من دون توقف، تجدها في كل محاورها ومناحيها، تدعونا بين الفينة والأخرى، لنؤنّب أفكارنا ونشذّبها، نوبّخ حضورنا في الظلّ، نَعْبر وجودنا حينما نخوض معاركنا الضارية الشرسة والهادئة فيها من أجل إثبات وجودنا، ومراقبة ثوابتها؛ الحب الجمال.. البشاعة الفظاعة.. الإبداع الإخفاق.. الدنس الإنجاز.. النساء الذكور.. الحرب السلام.. الحركة السكون.. الليل والنهار.. الأنثى الذكر.. العشق والهيام.. الربح والخسارة. الأديان بطوائفها ومذاهبها وما حملت السياسات، ومارست الاقتصادات، وما حصدت ما معنى المصطلحات الجديدة فيها؛ المجتمع الدولة، الاقتصاد العلوم واختراعاتها تكوينها بشموليتها، هل كنّا لنكون لولا النجاح والفشل، الولادة والموت كأداتين رئيستين لاستمرارنا؛  هل كنا لنكون لولا وجود كل ذلك؟ لكنَّ السؤال الذي يفرض وجوده: هل نعلم أنها وجدت كذلك، ومن أجل أن نكون جميعاً على شاكلتها متشابهين، فيها ننام مكرهين أو مجبرين أو متعبين، بحكم حاجتنا للنوم، إلا أنّ على جميعنا الاستيقاظ، مهما كان شأننا كباراً صغارا،ً من أطراف الأرض إلى مراكزها، نتحرك.. نشاغلها بقوانا وضعفنا برؤانا وعمائنا. 
الحياة عامة وتخصصية مقيدة انفلاتية، تتربع على مفردتي الدنيا والعيش بقوة، تدير المستسلمين لهما مفاهيم المشاركة فيها، متعددة ومتنوعة المعاني التي تدعونا للاستمرار فردية اجتماعية أممية، ظروفها والكيفية التي ننظر إليها، ونحن نمارسها الفراغ الامتلاء القاعدة التي ننطلق منها إلى القمة التي لا ندوم عليها، الأهداف قيمتها حينما نصلها تمنحنا فرصة البدء من جديد، بكون خلف كل نهاية بداية مكونة، تحديات جديدة في العلاقة فيما بينك وبينها، تظهر لك على أن لا عدالة فيها من أجل  وجودها، فإن لم تستطع أخذتك على غفلة أو بعلم منك، أليست الحياة حقاً مثيرة، تنهينا ولا تنتهي، مهما بلغنا من شأن أو من دونه.
د. نبيل طعمة