فلسفة التكامل

فلسفة التكامل

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٨ نوفمبر ٢٠١٤

أو العيش المشترك أو التعايش، مفردات حاولنا استثمارها مع نشوء أزماتنا العربية والمحلية، فنلجأ إلى شرح معانيها كلّما اضطرتنا الظروف الطارئة التي تستدعي إظهار وحدتنا التي تحكم تنوعنا الإثني، والطائفي، والمذهبي، واختلاف عقائدنا وعدم قدرة أي منّا على الحل بمفرده، لنجد الضرورة في استدعاء مفردات عنواننا، التي تمتلك أهمية كبرى، يتحدث بها الصغير والكبير، السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، ورجال الدين، أمام حضور الأفكار الهدّامة للقيم والأخلاق، والترابط والتلاحم المجتمعي، ومن أجل مواجهة العنف والتطرف، وخوفاً من انفراط العقد الاجتماعي، وتفكيك الجغرافيا والروابط الجامعة المكونة للدولة وحضور شخصيتها وهويتها الواحدة، لماذا نطالب هويتنا العربية والإسلامية وجنسيتنا القُطرية بالقضاء على العناصر المفرقة التي يتم استدعاؤها من الماضي، أي سوآته ومنابع خلافاته وتفاسيره السوداوية وفتاويه التي لا تتوافق مع الحاضر، والتي يرفضها القريب والبعيد بحكم تحول العالم إلى وحدة كلية مشاهدة، أو قرية صغيرة بعد انتشار الوسائط الناقلة بسرعة مدهشة لما يجرى في العالم أجمع، والذي لم يعد بالإمكان تجزئته، أو رفض بعضه لكلّه، إنّما العكس ممكن أن يبدو مقنعاً، أي إنّ ثقافة الإقصاء غدت غير قابلة للقبول أو التحقيق، وتحوّل الكلّ أيضاً إلى ثقافة البناء والإعمار في الأرض والإنسان، والغاية إفادة الهوية والشخصية في آنٍ دون استثناء، لأنّ التخصص يحتاج باقي التخصصات، لذلك وجب علينا الإيمان بالتكامل بين تقاسيم الدين الواحد أولاً، كي نُقنع بوجودنا الموجود معنا؛ من مثلث الرسالات وجميع الديانات ثانياً، ومن ثمّ مع مكونات الحياة ومفرداتها ضمن لغة التعايش فليكن حتى وإنْ كان قسرياً ديمقراطياً أو ديكتاتورياً، الذي به نستعيد بعضنا، ونبيد الأفكار الدخيلة والمظاهر الغريبة التي تجمعت في الذهنية العربية فنشأت معها ثقافة الهدم وتكاثفت المساوئ حتى غدت بحد ذاتها مشكلة متفاقمة، وحينما أدعو لفهم واستيعاب فلسفة التكامل، أدلي بأنّ الإنسان غير قادر على الإنتاج بمفرده وكذلك على الاستمرار، ووجود الذكر والأنثى خير دليل على وجود عنواننا الذي ما كان ليكون لو أنّ الإنسان بقي جسداً واحداً بوجهين، ذكر وأنثى، ولولا تدخل الإله وفصلهما لما حدث الالتقاء والتكامل، ولبقي الوجود وهماً والموجود ظلاً، وأيضاً إن لم يكن هناك أبناء منهما لضاعت الحياة، ومنه أجد ضرورة تشكيل دعوة للمهتمين بشأن حضورنا كمجتمع عربي بشكل عام، والإسلامي بشكل خاص، وتبيان وحدتهما التاريخية، واستمرارهما الموضوعي بين الشعوب والأمم، بأن يكون واجب المثقفين والمفكرين والساسة الفاعلين والاقتصاديين الوطنيين أنْ يؤدوا واجبهم الأخلاقي والاجتماعي والإنساني تجاه إعادة بناء أمتهم ودولهم، منبهين إلى أنّ الدين حالة شمولية لا علاقة له ببناء الدول، إنّما تنحصر علاقته ببناء الفرد، ومن ثم قيامهم بتقديم الفلسفة والعلوم، ومنها العلم الديني، وربطه بحقيقة العلوم الدنيوية، وتعزيز الرابطة بين العلوم والدين لا فصلها، وشرح معاني الفكر المعاصر والإيمان بحتمية التطور، وأنّ الأديان جميعها تستند إلى جذر واحد ألا وهو الإيمان بإنسانية الإنسان، وتحصين إنساننا أمام الغزو التكفيري، ومحاولات إقصاء وإلغاء الآخر القادم من غوغائية التطرف الديني والتطرف العلماني، لا يكون ذلك إلا من خلال تواضع النخب على اختلاف توضعها، ونزولها إلى مجتمعاتها، وعدم بقائها في أبراجها العاجية، وتحويل نظم التربية والتعليم من نظم تقليدية إلى تفاعل عقلاني، وأنْ تتجه المنظمات الشعبية للتفاعل مع قواعدها وهي تدافع عن حقوق النساء والعمال والفلاحين وصغار الكسبة والطلاب والحرفيين حقيقية لا نفاقاً، ومعادلة العلاقة بين الإثني والطائفي، ونفي ظاهرة الندرة والكثرة وصهرها في بوتقة الوطن والمواطنة والوطنية، والاتجاه إلى تعزيز الأداء والتخصص فيه الذي يظهر الولاء، فكيف يكون ولاء بلا أداء، ووطنية بلا أداء، ووطن من دونهم.
إنّ ما نصرح به يشكل دعوة حول إيجاد الاتجاه لبناء الثقافة النوعية بعد ما أصاب جميعنا الخلل، واضطرب بناء الأسر حتى إنّ الكثير منها بلغ حد الانهيار، ناهيك عن التشتت والتفرق وظهور العدائيات للانتماء، وأيضاً الوطن الذي بات قريباً جداً من قبول القسمة والاقتسام، فأين نحن من مفاهيم إعادة البناء ووطنية الأوطان، وصيغة الأديان لا يمكن لها الاتحاد إلا من خلال الإيمان بالتسامح جوهر الأديان، والحوار القابل لقبول الآخر، فلماذا العناد العربي الإسلامي وإصراره على أنّ الواقع صعب التغيير، وفي يده كامل أدواته، أين الطموح المسكون في عقل العربي أن ينجز لوطنه ولشخصه وأسرته ما ينجزه الآخر، أين ذاك الإيمان بالحياة لا بالعيش، الحياة الحاملة لمعاني الجمال والخلق الدائم الذي لا نهاية له، لا للعيش من أجل رغيف الخبز، وللعلم فإنّ أحداً لا يموت بسبب رغيف خبز أو جرعة ماء، فلماذا يشهد الصراع العالمي على لعبة الكراسي السلطوية تلك التي لا دين لها فيموتون ويميتون من أجلها وبسببها؟ هل هناك من حاجة لذلك إن آمنا بثقافة الحياة. إنّ صورة سلبية واحدة تسكن العقل كافية لتدمير الحياة بأكملها، فكيف بمجموع أفكار هدّامة تتجول مرتاحة ضمن العقل العربي، وإذا عجز العقل العربي عن التفكير في سبل فهم الحياة فمؤكد أنّه يتجه إلى تكفير كل شيء، والكفر بأي شيء، فيكون بذلك قاتلاً مأجور غايته تدمير التكامل والعيش وحتى التعايش مجاناً،  فمن أجل ذلك أدعوكم أبناء جلدتي لإنجاز فلسفة التكامل والإيمان بها. 
د. نبيل طعمة