مصارحات جنسية

مصارحات جنسية

افتتاحية الأزمنة

الخميس، ٨ مارس ٢٠١٨

الضرورة تدعو إلى فردها على طاولات البحث الأسروية والاجتماعية وفتح بوابات النقاش الديني وتطوير التشريع الفقهي الذي مازال بعيداً عنها إلى حدٍّ كبير، والسبب أننا مجتمعات يملؤها الكبت الجنسي نتاج حجابها العقلي، قبل حجابها على الرأس، وتناولها يظهر خجولاً من الباحثين والمفكرين، لأن الاتهام جاهز لهم أمام الانفتاح العالمي ووسائطه التي لا سيطرة عليها، وأيضاً البحث التربوي وبطء التفاعل العلمي والبنائي حولها، بحكم أنها غدت قضية حاجةٍ جسديةٍ وحقاً حياتياً، وهي لا شك شائكة، تبحث عن حلول جريئة.

إن قدرنا وقبلنا الاعتراف بأننا نرتكب أخطاء جسيمة بحق الحياة الجنسية التي أسهمت في تخلفنا، وانعكست سلباً على حركة تقدم المجتمع والدولة، نكن قد وضعنا قدماً على طريق التطور الاجتماعي والفكري.

دعونا نناقش قضايا الخيانة الفكرية وأسبابها التي تؤدي إلى الخيانة الزوجية، ومنها ندخل إلى بناء الأسرة المدماك الرئيس في بناء المجتمعات والمصارحات الواجب نقاشها أثناء بناء الأبناء البلوغ، والدورة الشهرية، والعادة السرية، والعزوف عن الزواج، وعلاقة الدين بالجنس وتحديد النسل، ونظم التربية والتعليم والاعتماد على الذات منذ سن الثامنة عشرة.

في هذا الخصوص كيف بنا نحل هذه العقد والمجتمع مسكون فيه تدين منقسم ومنفصل عن جوهره، متنوع المذاهب والطوائف، يحجب رأسه، ويظهر مفاتنه، يسكن عقله الجنس، فلا يستطيع التفكير من دونه، تسأل جزأيه الذكر والأنثى، لماذا وكيف يحدث هذا؟ يجيبانك إنهما يريدان إرضاء الرب وإغراء عبيده وإغواءهم.

إذاً ما معنى أن تحدث خيانة فكرية بين الزوجين؟ كيف بها لا تصارحه بأنها لم تصل إلى النشوة، وكيف به يصل على عجل؟ كيف بها تحلم بمشاهد فكرية تروي نزوتها؟ وكيف به يغمض عينيه، وهي تفعل كذلك من دون حوار جنسي، ينجز فعلاً حقيقياً، يظهر الحبّ وينعش الذاكرة.

ماذا يعني تركيب الرقم العربي (69) المبني من نظرية الزوايا والاستلقاء على الظهر، بكون الإنسان المخلوق الوحيد الذي يفعل ذلك، ويمارس جميع فنونه وأوضاعه، وهو قادر على العناق والضم، والرقم الهندي (69) الذي يجسد الجنس عند الحيوان مثلما الطيور، وعملية (البك) والقفز على الظهر وضعية واحدة لا تحتاج إلى أكثر من دقيقة قائمة على التكاثر، والعارفون في المنجز الديني يعلمون أن العدد ستة يعني الجنس، والجنس يعني الحبَّ الذي خلق منه الإنسان، وأن الولادة تعني العدد تسعة، فالأساس العربي يعني تبادل الحب والمتعة بين الذكر والأنثى، والأساس الهندي يعني الاعتلاء؛ أي اعتلاء الأنثى من أجل الإنجاب فقط، هنا يأتي دور المصارحة والحاجات، لأن الفعل الجنسي جزء مهم من فلسفة الحياة، ومن دونه لا حياة، وما أخطه الآن هو استكمال لمادتي «الحياة جنس» على صفحات هذه الصحيفة الغراء التي وردني الكثير من الإيجاب الصامت حولها، والنقد المباشر حولها وأقصد أنَّ هذا انفتاح، ولكن لا نستطيع أن نعبر عنه، فنحن وأشير إلى القراء أننا مع هذه الطروحات من دون المقدرة على إعلان ذلك لماذا؟

لماذا نلبس الأقنعة؟ تعالوا نخلعها، من منا لا يحب ممارسة الممنوع في الجنس، ذكراً كان أم أنثى؟ سألت وغايتي إجراء سبر أنقله إليكم؛ هل تمارس ما ترغب أو ترغبين فيه مع زوجك.. زوجتك؟ كانت الأجوبة نمارس المسموح شرعياً، والتخيل الممنوع، لماذا لا نتصارح حول الرغبات؟ فالكل شاهد بشكل أو بآخر أفلاماً إباحية، أو وردته على هواتفه المحمولة من خلال الوسائط المتعددة، وبمصارحة كبرى كانت الأجوبة نعم، نتخيل إذاً، تحصل الخيانة الفكرية ومن لديهم صديقات أو أصدقاء يمارسون ما يعتقدونه محرماً مع الزوج أو الزوجة.

استبينت رجال الدين، فأفاد بعضهم بحقِّ التخيُّل، وآخرون حرموه، كما سألتهم عن التعاكس الزوجي، هل هو محرم؟ فأجابني بعضهم: إنَّ الرجل لَهاة المرأة، وللرجل أن يتمتع برضائها كيفما يشأ وتشأ، وهي تحب ذلك، وعلى الرجل والمرأة من أجل الحب الأبدي أن يفعلا ما يشاءان ضمن فلسفة الحب الذي لا يعرف الحدود ولا الصدود، حتى إنَّ الآيات التي خصت الجماع أثناء الحيض والخطأ في الرحيل، فكانت منها الحرث في المرأة؛ أي إنها نتاج ممارسات. وما جرى مع قوم النبي لوط ابن عم أبرام وثقافة شعبه التي كانت سائدة من الصين إلى فلسطين، وفلسفتها أن المخلص لا يحضر إلا من ذكر، ها هي تعود اليوم من أميركا مروراً بأوروبا وصولاً إلى الشرق عبر الزواج المثلي والسماح والاستعاضة عن عقد النكاح بالمساكنة قبل الزواج، إلى أن تكتمل التجارب، ويمكن خلالها إنجاب الأولاد.

في مجتمعاتنا الإسلامية العربية حتى اللحظة، يسأل الطفل كيف ولدت؟ يتهرب الآباء من الإجابة، أو يتم اختراع أفكار، أو نلجأ إلى الإرادة الإلهية في تبريراتنا.

لا حظوا معي أننا نتقاتل باسم الله، ونرتكب الخطايا باسمه، والأنثى تحبل وتلد منه وبفضله، ألا يستحق منا كل ذلك التوقف عنده؟ حتى اللحظة لا نعرف كيفية الإجابة عن الأسئلة التي تتضمن أسماء الأعضاء الأنثوية والذكرية، واستخدام الموانع بغاية التمتع لا التكاثر العشوائي وما يجري من تطورات أثناء البلوغ، من نمو للشعر، وظهور الصدر، وتحول الأصوات من الطفولة إلى الأنوثة والرجولة، وأسباب الخطايا الاجتماعية بحق ذلك، والأجيال القادمة للحياة تعرف أكثر مما نعرف، كيف نتجه إلى تطوير اللغة الجنسية؟

في كتابي «تسع دقائق تحكم العالم»، قلت إنها كافية لإنجاب طفل، ولإفراغ شهوة في المكتب أو الحمام أو السيارة أو خلف شجرة، لكنها لا تكفي أبداً، إن أردنا الوصول إلى الحب، ومن ثمَّ الذهاب إلى الإبداع، لأن الجنس محرم، ويسكن العقل العربي، فإن لم ينزل إلى مكانه الطبيعي، ويعمل الفكر إبداعاً فيه، فلن يبدع في أيِّ محور من محاور الحياة، إن بقي حبيس التخيُّل تتطور لغة الشذوذ الذي يؤدي إلى فعل الجريمة، لذلك أجدني أعنون ما أخطه بمصارحات، الضرورات تدعو إلى وجودها بين الأزواج ومع الأبناء، وحتى مع الصداقات وأثناء الخطبة، بأشكال علمية ونفسية وروحية أخلاقية، لأنها تؤدي إلى تطوير الذهنية العربية بكونها إحدى أهم مشكلاته التي أدت إلى تخلف مجتمعاتنا وبقائها بعيدة عن مواكبة الركب العالمي.

مع كل صباح يظهر العالم علينا بجديد، ليظهر جميعنا وكأننا ضمن قرية صغيرة، لا نستطيع منع ذلك، كيف بنا نواجه ذلك؟ لنسارع في إنجاز رؤى علمية، وليجتمع المعنيون بالشأن الديني مع مسؤولي التربية والتعليم والمفكرين والمثقفين، لإيجاد مناهج بخصوص الموضوع الجنسي، لأننا لسنا وحدنا على هذا الكوكب، وإذا كان عدد المسلمين بحدود المليار ونصف المليار، فإن هناك ما يقارب ستة مليارات يحيطون بنا، وقسم منا يحيا بينهم، ومهما تقوقعنا وأغلقنا وحصرنا، تهبط علينا التكنولوجيا، أو تخترقنا من أعماقنا.

مازال سوادنا الأعظم لا يفهم من لغة وسائط الاتصالات إلا لغة الجنس، وللأسف السلبي منه، لذلك أجدني أدعو إلى فرده على طاولات البحث الديني، فإن لم نقدر على ذلك، فليكن ضمن بحوث التربية والتعليم الأساسي والمتوسط والعالي، فمعنى ذلك أننا راضون عن تخلفنا.

لا أنشد من هذه المادة الإثارة؛ بل الاتجاه لمواكبة شروط الحياة المتسارعة التي ينشدها الجميع، بأن تكون مدروسةً علمياً وعملياً لا عاطفياً ولا غيبياً، ولا حتى سفسطائياً، إلا إذا كان رجال السياسة والاقتصاد والفكر الديني يريدون الإبقاء على ذلك.

د.نبيل طعمة