العالم ينتظرنا

العالم ينتظرنا

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٧

هل سنذهب إليه أم إنه سيأتي إلينا؟ وهل نعلم أنه يتابعنا بدقة؟ فالفترة الراهنة جدُّ عصيبة ودقيقة ومفصلية، وأشدُّ ما نحتاجه اليوم الإخلاص فيما ننشده، والمخلصون مدعوون بقوة إيمانهم بالوطن والإنسان، كي يعملوا على أن تتجاوز سورية هذه المرحلة بأقل الخسائر، بعد أن خسرنا الكثير وصولاً إلى تحقيق السلام.

لقد مررنا عبر مراحل تاريخنا الحديث بكثير من الصعاب، وتغلبنا عليها، لكن الحاضر ليس كالأمس، والغد لن يشبه اليوم، وحل مشكلاتنا لا يتم إلا بوحدة كلمتنا والتفاني في العمل الجاد والالتفاف حول الهدف الأسمى المتجلي بالقضاء على كل أشكال الإرهاب، وإيجاد لغة جامعة من المركز إلى جميع النواحي وصولاً إلى الحدود، وأجزم أن هذا ما ينشده جميع السوريين، لأننا مازلنا محاطين بالمخاطر، وبشكل خاص من الكيان الصهيوني الذي عُرف واشتُهر بالمكائد والغدر ورمي الأشراك، حيث لا ينبغي علينا إلا أن نتوقع منه ذلك في كل وقت وحين، ناهيكم عن المتربصين بنا من المحيط القريب والبعيد، وهذا الذي حدث معنا في سورية علينا فهمه بدقة، لأن من ذكرتهم يحملون تفكيراً دائماً ألا وهو الخوف الدائم من عودة سورية إلى بأسها وسؤددها، وهي بهذا تعتبر السدّ المانع والحصن المنيع في مواجهة أطماع الصهيونية وأدوات الاستعمار الحديث، ومنه تكون دعواتنا بالاعتماد على أنفسنا بالدرجة الأولى، وعلى صداقاتنا وحلفائنا بعد ذلك، واعتمادنا على ذاتنا يعني أن علينا أن نواجه المواقف متحدين متصافين، وأن نتناسى أي مطمع فردي أو شخصي أو مصلحي، وأن نتجه للدفاع بكليتنا عن الهدف الغالي المشكلين منه ألا وهو سورية التي تقول لنا: هل تعلمتم من الذي حدث معكم؟ لا تندموا ولا تندبوا، فما حصل حصل، المهم أن تتجهوا إلى الأمام لا إلى الوراء، إلى بناء اللقاء والالتقاء، إلى وحدة سورية واستعادة حضورها بين الأمم.

أكثر من ضرورة تستدعينا الآن لحشد الطاقات كافة، وتجنيد جميع الكفاءات، وتعبئة كامل القوى ومن أجل مواجهة جميع الأزمات، وعلى جميع السلطات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية وعلى المواطنين جميعاً أن يدركوا دقة الظرف الذي نحياه، وأن يتجه الجميع إلى التعاون والتعاضد والتضامن، لتبدو سورية صفاً واحداً، لا يشغلها شاغل سوى خلاصها مما هي فيه، ووحدتها وانتصارها على الإرهاب والفرقة أهم قضايا شعبها وقيادتها التي لا تألو جهداً من أجل حل معضلاتها، وأؤكد أن جميع من اشتغل على فرقتها، ونجح إلى حدّ ما في إنجاز فرقاء، يترقب مسيرنا وحركتنا، ليس هم وحدهم فقط، إنما العالم بأسره ينظر إلينا، وأن إيماننا بوجودنا وقيمتنا كأمة تسكن دولة ومجتمعاً يبنى عليها، يعزز وحدة وطننا ونظرات العالم القريب والبعيد بأننا نستحق هذا الوطن، وصحيح أن الذي قدمه أبناء سورية الوطن فاق المتوقع، من شهداء وجرحى وبنى تحتية وفكر قيادي وإداري نادر، نجح في الإبقاء على هذا الوطن الأمة، وصحيح أيضاً ما قدم لهذا الوطن من دعم مرافق قدمه الأصدقاء، وكان من الأهمية بمكان أيضاً وقوف شرفاء العالم والشعب العربي برمته بعيداً عن سواد قياداته التي تآمرت جهاراً نهاراً على إنسان سورية، وأنَّ الجميع اليوم في كل أمصارهم يراقبون ما ستؤول إليه الأمور بيننا نحن السوريين، لأن المعركة السياسية الحقيقية بدأت بعد انتهاء المعارك العسكرية، أي إن حرب الأفكار انطلقت وهي الأدق والأخطر، وليس بخافٍ على أحد أنها شاقة، وطبيعة المواقف تستوجب التثبت من سلامة كل خطوة، ومع أي عمل تقدم عليه.

وواضح للسوريين الذين تتجه أنظارهم إلى الآتي من الأحداث، وما ستسفر عنه بعد أن أصبحوا وأمسوا على كل منبر وشفة ولسان في العالم أجمع، أن همهم الوحيد يكمن في سلامة سورية واحترام سيادته وسيادتها وحق شعبها وحده في تقرير مصيره ومصيرها، والكل يدعو لها بالسلامة، لأنهم غيارى على سمعتها وسمعتهم محلياً ومحيطياً وعالمياً، وأنهم يؤثرون الروية والتعمق في الأفكار، ولو كلفهم مزيداً من الوقت بعد كل ما أنفقوه منه، وأنَّ الغايات الحاسمة تتقبل عدم الاستعجال والتهدئة في إدارة الحلول واتخاذ التدابير، لأن الجميع غدا ينتظر ويبحث عن حلول الطمأنينة، ولا يريدها غير ثابتة، لذلك نجده يتحدث عن تعلقه بوطنه وبجيشه وبقائده، وأنهم يأملون بأن يكون البحث هادئاً مثمراً استقراراً مديداً، كي يعود الإنتاج والإثمار والازدهار بعد الإفادة مما جرى، وإسقاط جميع المرتزقة والمارقين والمنافقين.

إن سورية خيّرة ومنتجة، وأيادي أبنائها مبدعة، وما تظهره المرحلة من إيجابيات بناءة ترحب بكل من تعارض معها بشكل منطقي ووطني، وإنها تقول في دعوتها لهم: هناك غاية واحدة، ألا وهي الاستزادة في الخير ورغبات في الوصول إلى الأفضل والأحسن، المهم أن تربح سورية وأبناؤها من كل الاجتماعات والحوارات القادمة التي يجب أن تهدف مهما علت الأصوات، أو انخفضت إلى إعادة الحياة والازدهار إلى الحياة العامة وإشاعة أجواء الاستقرار والرخاء بين أفرادها وقيادتها، وصحيح أنه لا يمكن الوصول إلى العناصر النفسية في سياسة أفراد المجتمع والاحتياج إلى آليات سياسية لفهم نفوسهم، بحكم أنهم مسيَّسون بالفطرة، وتائهون بين الحريات العاطفية التي أخذت ببعضهم إلى الهاوية والوجبات المسكونة في الحرية، لتخوض بينهما التجارب السياسية المسقطة عليها، وهنا ومن أجل ذلك تتم الدعوات لضخ إعلامي يأخذ بيد المجتمع نحو فهم الواقع وما يطلبه منه أثناء الانتقال إلى المستقبل.

لقد أن لنا أن ندرك الواقع ومن زواياه كافة، ومعه قواعد الحكم التي تستدعي تدعيمها وترميم حضورها التي تهم الشعب كما تهم الرئاسة والقيادة، ومادامت مستوحاة من المصالح الوطنية العليا والعامة، فإنها ذاهبة إلى نجاح، لأن التضحيات الهائلة التي قدمها الشعب والجيش لا يمكن مقارنتها مع أي تضحية قدمت من الآخر القابع على الضفاف الأخرى من سوريته، فهذه الأيام التي تمرُّ على سورية، وتأتي إليها حاسمة ودقيقة، ويشعر من خلالها كل فرد من أفراد هذا الوطن بأهميتها البالغة، تدعوه للتفكير العميق فيما يعود على هذا الوطن، كما يسيطر على الجميع شعور الحرص المكين بضرورة الخروج من الأزمة، كي يتمَّ تفادي أي منزلق يخطط له، أو مازال قائماً، لذلك أجد أن الواجبات الوطنية تنادي كل المواطنين، بأن ينصهروا في بوتقته وإظهار الصف الوطني سليماً، والرأي العام متحداً، ولم تكن سورية يوماً إلا متضامنة مع قضاياها - في العمل والفكر والدفاع والاتجاه- المحددة من بوصلتها التي أنتجت من ذاك الزمن الموغل في القدم وحتى اللحظة عروبتها وإيمانها الراسخ بقوميتها، ومقاومتها لكل أشكال العدوان التي أسست لبناء مقاومات عربية حقيقية لا وهمية.

نحن أدركنا الواقع، ونستشرف المستقبل، فهل أدرك العرب ما قدمته سورية العروبة له؟ وهل وصل العالم إلى حجم إسهامها في تراثه العالمي؟ هذا العالم الذي ينتظرنا نحن السوريين نقول له: انتظر فنحن ذاهبون لبناء سورية بقوة إيماننا به.

د. نبيل طعمة