غموضٌ عالميٌّ

غموضٌ عالميٌّ

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٤ يناير ٢٠١٧

ينشئ سؤالاً كيف يدار العالم، وبشكل أدق من يدير العالم؟ الضرورة تدعو إلى فتح الظروف المغلقة والمختومة بالشمع الأحمر، والمدفونة تحت مباني الأمم المتحدة، وفي أقبية البيت الأبيض والكرملين وباكنغهام بالاس والإليزيه والفاتيكان، والاطلاع على ملابسات إغلاقها، والتي تنبئ بالحساسيات المركبة، والهواجس الراسمة للقلق بين تلافيف العقول المديرة والمشغّلة من قبلها، وظهور الخلافات العميقة بين القوى العظمى والآثار السلبية الهائلة التي خلقتها لدى الدول الصغرى وعلى الصعد كافة؛ سياسية عسكرية اقتصادية اجتماعية دينية، تواطؤ واضح وفاضح يستعمل ضد الإنسانية، يمرره مديرو العالم بصمت، وهم الذين أنجزوا المخططات الإجرامية، مجازر يرتكبونها من دون مشاعر، أعمال قذرة ينفذها عملاء متمرسون في فنون إخفاء الحقائق، سجلات سوداء مشفرة حتى الاختزال، وعلومه لم تستطع الشعوب كافة على فكّها، نسأل أين هم؟ من هم؟ أشباح يروننا ولا نراهم، يقودوننا ولا نقودهم، بيننا ومسقطون علينا، لدينا الأسبوع كثير، ولديهم كل آتٍ قريب، مهما بعدت الشعوب تبحث عن الأمان والسلام، وتعلم جميع درجاتها أن الوصول لهما لا بد من تجرع مرِّ الدواء ولسع الحياة، فالواصل إليها منتصر، والمتردد يبقى بقاء المنكسر، إذاً كيف بنا نجمع بين التشاؤم والتفاؤل، وكلما تأملنا وجدنا بطء الخطا تجاه السلام، وعنف الحركة نحو قتله، كيف العلاقة بين الحرب والحبّ؟ مفاوضات فكرية دائمة الحضور، لم تصل لتكوين علاقة ناجحة بين إدارتين خفيتين؛ إدارة الحرب وإدارة السلام، افتراض أرميه بين جميعنا، علّنا ننتج فكرةً نقدر من خلالها على فتح الظروف المغلقة، والاطلاع على خفايا حكم الأرض وإداراتها، هل يحتاج الواقع إلى المفاوضات الشاقة؟ من ذاك الذي يمتلك القدرة لإنهاء هذا التسلط على الإنسانية  وتسهيل التوصل إلى اتفاق للحفاظ عليها وعلى مكوناتها ومنجزاتها؟ إنني لا أقدم التهويل، ولا أفرط فيه حينما أقول: إن البشرية تعمل على إفناء بعضها بشكل مدروس ومخطط مسبقاً وصولاً لتحقيق نظرية المليار الذهبي التي طرحت إبان الحرب العالمية الثانية.
دعونا نتدارس المشهد، ما مصير الشرق الأوسط وبشكل خاص سورية المحور الرئيس فيه، وما يجري معها وعليها، معارك طاحنة في السياسة بين القوى العظمى والدول الإقليمية المحيطة بها، وعلى أرضها معارك لا تنتهي، أتعبت وأرهقت وأزهقت أرواح مئات الآلاف، وأعاقت جراحها مئات الآلاف، كما أنها هجّرت وشرّدت وأغرقت وخلفت مئات الآلاف، يهيمون على وجوههم في مناحي الأرض، فلا يوجد بلد إلا ووصلت إليه أجسادهم، ما مصير إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؟ عالم قلق على مستقبله، مختلف مع بعضه، صراعات عنصرية وشوفينية وعرقية ودينية وقومية جاهزة فوق وتحت الرماد، ثراء فاحش، وفقر مدقع، مجموعة الثماني الاقتصادية تسيطر على اقتصادات العالم أجمع، مجموعة الخمس تقبض على قراره السياسي والعسكري والسيادي، ثمانية أشخاص يمتلكون من الأموال أكثر مما تمتلكه سبعة مليارات من البشر، ويريدون عالماً خالياً من الإرهاب، كيف به يكون وإعلام هذا العالم يمارس الوحشية التي قلما نشهدها في مساحات الغابات الضئيلة التي قضى عليها البشر، من يديره.. من يشجعه.. من يموله؟ أليس غريباً أن يحيا كوكبنا الحي غموضاً مرعباً وخوفاً قاتلاً؟ كيف بنا نشهد ارتباط مصيره بحضور أشخاص لسدة قيادته؟ ترامب مثلاً أو بوتين، كيف يربط مصير شعوب الأرض بكلمات ينطقون بها، أو بأصابعهم التي يهابها العالم في لحظة جنون منهم تضغط على الأزرار النووية كافية لتدمير منظومة الحياة ومكوناتها، فهل هناك أحد منهم سيفعلها؟ تأمل الشعوب بألا يحصل ذلك.
غموض عالمي قائم على رمي الفتن الاستعمارية الخبيثة، لم تشهد البشرية مثيلاً لها منذ انتهاء عصر الانحطاط الأوروبي، وظهور الثورات الصناعية، وتبدل أنظمة الحكم من ملكية إلى جمهورية، حتى إنَّ الحربين العالميتين كان الجميع على علم مسبق بهما، نظراً لما سبقهما من انهيارات اقتصادية، أوجبت حدوثهما حتى الحروب الصغيرة التي كانت تحدث حرب السويس 1956، وحرب 1967 حزيران، وحرب تشرين 1973، وحروب الفوكلاند، واجتياح بيروت والنزاعات في إفريقيا والعالم الثالث، كان المشتغلون بحقول السياسة والاقتصاد على علم بما سيجري، وصولاً إلى ما جرى على الساحة العربية تحت مسمى "الربيع العربي" الذي تحول إلى دموي تدميري بامتياز، كان مخططاً له، وكان المخططون مع الندرة من اللاعبين على دراية تامة بما سيحصل، وإلى أين سيصل، والغاية الدائمة من ظهور هذا الغموض تعزيز استمرار السيطرة على العقول والثروات البشرية ومراكمتها بيد حفنة من المرابين بأخلاق الإنسانية، وغاية حضورها الغموض يوازي الغيبي، فإن لم تبحث فيه فسنبقى مسيَّرين ومستسلمين لحضوره، أسئلة تفك بعضاً منه، هل ولادة الحركة الشيوعية القائمة من جدلية المادة ونظرية المصادفة، كانت مصادفةً، ويقوم من خلالها الاتحاد السوفييتي وانهياره بعد سبعين عاماً وانتهاء فكرته، هل وصول الرؤساء مصادفة؟ ومثالنا ترامب وغورباتشوف الذي أزاح العديد من الرؤساء في خمس سنوات، حتى وصل أنهى الاتحاد السوفييتي، وأخرج إلى الوجود من جديد روسيا القيصرية بشخص الرئيس بوتين، هل هذه مصادفة؟ وما حالات الغموض التي رافقت الحرب التكتيكية على ومع سورية؟ هل مصادفة أن يلتقي الكبار ويختلفون بين مؤيد ومعارض، ما الغاية من كل الذي حصل؟
كيف بنا نستخلص العبر من كل هذا الغموض مع عالم يتكهن وينتظر انزياح قلقه الكبير على وجوده واستمراره من مخيلته، وما يراه في واقعه الذي وصل إلى حدود التقليدية القديمة في إيجاد الحلول التي لم تعد تجدي نفعاً، بحكم الفرق الزمني والعددي للبشر، كيف بنا نستفيد من المعلوم المتراكم في عقولنا أمام المجهول الذي التفَّ بالغموض، فأصبح رعباً مركباً يتحول بين سياسات التحول ومخاوف تفجير ما وصل إليه التطور، كيف بنا مرة ثانية نحتوي كل ذلك الغموض العالمي الذي امتلأ بالأزمات والأمراض والحروب المتعددة الأشكال، بين كل ذلك نحن مجتمعات الشرق الأوسط، وبشكلٍ خاصٍّ السوريون منهم، هل سيكون لنا حضور في المستقبل؟ دعونا نعملْ بصمتٍ ورويَّة، كي نكون ضمن هذا الغموض أو من دونه.  
 
د. نبيل طعمة