من يعمل يخطئ

من يعمل يخطئ

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٨ يونيو ٢٠١٦

نكتب لمن لا يعمل بضرورة الذهاب والبحث عن العمل، لأن العمل هو العبادة الحقة، ومن دون ذلك البقاء في الفراغ المسؤول الوحيد عن تطور فعل الجريمة بكل أشكالها، فالفراغ قاتل، سلاحه الفكر البائس واليائس، ولمن لا يعلم علّه يعلم، بأنّ دم شهدائنا سيبقى في أعناق من تآمروا علينا، حتى تقتص لهم الحياة، ويباركها الرب على أيدينا، وبأسهل السبل، ونعدهم وعد أصحاب الحقّ، بأنّ الذين أجرموا لن يفلتوا من إسار العقاب ولو بعد حين، لذلك كانت مشكلتنا معهم نحن السوريين كامنة متحركة نظراً لتمتعنا بالسيادة ورفضنا الدائم للتبعية، فعلوا كما يفعل سواد رجال الدين لحظة أن تُفَكّر بعيداً عنهم تُكفّر، فإما أن تستجيب لإرادتهم، وإما أن تعلن عليك الحرب، خياران لا ثالث لهما، يتجولان ضمن الأجواء السياسية والعسكرية الإقليمية والعالمية الملبدة بالاضطرابات الفكرية المقلقة إلى درجة يحاولون من خلالها تقويم النظم السياسية السيادية، وإحلال مكانها نظماً سياسية جديدة تابعة بامتياز، حالات من التحريض المستمر يرافقها هجوم محيطي قريب وبعيد وأبعد، ممنهج على الشرعية القائمة والمؤسسة على دعائم متينة، تشويه مستمر ومتسارع للشخصية المدنية المؤمنة بالتنوع والتعدد، الدعم القادم من الأصدقاء رغم توافره إلا أنه خجول إلى حدٍّ ما، على الرغم من استمراره، إلا أنه يخضع بين الحين والآخر لتجاذبات تشاغل عقول الناس، فتسأل لماذا؟ وإلى أين؟ مؤكدٌ أنَّ نظامنا السياسي ليس ملائكياً، فهو كباقي الأنظمة التي تقود دول العالم بأسره، لكن مع فارق النسبية، فالجميع يخطئ ويصيب، الحذر والانتباه تستدعيهما تطورات الأمور ومجرياتها، بحكم أن التزاحم السياسي كبير وعنيف، صراعات قوى، مخالفات لكامل القوانين الأممية، أحقاد تاريخية بلغت ذروة انفعالاتها، فراحت تتقاتل، غيابٌ كاملٌ لدعوات المصالحات والصفح والغفران، على الرغم من المطالبات الكبيرة بتفعيلها. الاستخبارات العالمية الكبرى تفعل فعلها في كل مناطق العالم بدءاً من تجسسها على بعضها، وانتهاءً بتغلغلها في المناطق الساخنة من العالم، ومتابعتها للباردة منها تحت ذرائع ومسميات أهمها الحرب على الإرهاب، والمتطلع لقراءة الأحداث يشهد ارتفاعاً هائلاً في عدد ضحاياه من خلال استمرار النزاعات التي ما إن تهدأ هنا حتى تندلع هناك، خلافات طائفية ومذهبية وعقائدية جاهزة تحت الرماد، تكفيها نسمة خفيفة حتى تتأجَّج، ويسود القتل بالمجان، تتدخل مشاريع الفصل بين المتنازعين، دبلوماسية وعسكرية الكرملين- البيت الأبيض- الإليزيه- باكينغهام- مجموعة الرايخ الأول والثاني والثالث، الجميع يستعد من جديد، تفاؤل.. تشاؤم.. مبعوثون دوليون يضغطون على كل الأطراف، اتفاقات مؤقتة تنجح هنا، تفشل هناك، الكرة مرات ومرات، تهديدات بضرورات القبول أو الرفض، والانسحاب والطرد، عصابات وميليشيات وفصائل وجيوش أفرادها لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، وصولاً إلى تشكيلات تلسع كالناموس، أو النمل، أو النحل، تكهنات ووعود بإحداث انفراجات، أو تشديد للحصر، وضربات قاصمة للظهر، معارضات مثيرة للاشمئزاز، وهدن بين أبناء الأسرة الواحدة، أو المجتمع الواحد، أو ضمن الدولة الواحدة، لم يعد هناك حروب بين الدول، ولا بين الأقطاب، وحتى بين الأرباب والآلهة، توقفت جميعها، إلا أنها مازالت مستمرة بين البشر في العالم السفلي؛ أي عالم الجنوب، تحولات عالمية مذهلة، وحراك يجري بتسارع مرعب للخروج من متاهات الشرعية واللاشرعية والمشروعية، غيابات كاملة، عصيان كامل لمبادئ مكافحة الفساد والإرهاب والاحتكار في القرارات الأممية والمحلية، اتفاقيات عالمية لإخفاء الفساد العالمي، وغدا ما تفعله الدول العظمى علنياً، وبعد أن كان الخطاب العالمي وبشكل خاص من الدول الخمس الدائمة العضوية، يتحدث عن سيادة الدول وحقوقها في الاستقلال ومنحها حقوق اتخاذ قراراتها بذاتها، من دون أن يفرض أو يملي عليها أحد، نكتشف أن كل ما كانوا يتحدثون به ما هو إلا محض هراء وضحك على الشعوب، وأنَّ القرارات التي ينبغي أن تفعلها الدول النامية يجب أن تطَّلع عليه الدول العظمى، فتشطب وتضيف وتقرر عنها، هذا ما يجري في واقع الأمور وبعيداً عن أي خيال. لذلك أجدني أقول: إن أعطيت الفأرة كعكةً فستطالب بكوب من الحليب، فعالم اليوم عالم معرفة وعلم، وهو محصور في مجتمعات العالم الأول، ممنوع على الدول البعيدة عنها امتلاكه، ومن يسعَ إليه تستلب منه حتى سيادته الظاهرة على مجتمعاته، فكيف بسيادته الجوهرية والوطنية؟
الحرية تصحبها المسؤولية، الحاجات تولد الأفكار، الواقعي فيها يتحول إلى خطط تريك الإنجاز القادم قبل التنفيذ، التنفيذ يحتاج إلى متابعة تخصصية كي يتم تجاوز الأخطار أو تخفيفها إلى الدرجات الدنيا، ومعها يتم تقليص الهدر وصولاً للمسموح المقدر علمياً وعملياً، فالذي يعمل يقوَّم نتاجه، والذي لا يخطئ يكافأ، الذي يستكين لا يعمل، كل ذلك من أجل المعاناة التي فرضتها أزمة قل وندر حدوثها مع شعب آبدٍ، مؤمنٍ، صاحب تاريخ عريق، أغراه التاريخ والأوابد، فوقع في مهباته، لذلك ندعو للاشتغال الفكري، وألا نستكين لكيلا يتقلص الفكر إلى مرحلة العجز عن إدارة تكوينه، فكيف به لا يكون خلاقاً، وتوجد حلول لأزمته المستمرة، هل عجز الفكر عن إيجاد الفكرة، لا أعتقد ذلك، وأجزم بأن بيدنا الحلول الواقعية القادمة من أفكارنا، وبعدها نقرر منح الثواب أو إيقاع العقاب.
من يعمل يخطئ ويقع ضمن نظرية الكمال وعدميته واختصاص الآلهة المسكونة في العقل البشري، أي إنها وحدها الكاملة، لذلك كان البشر يخطئ ويصيب ضمن مفاهيم الصح والخطأ، لكن ليس ذاك الخطأ المخطط والمبرمج عن سابق الإصرار والعمد، وهنا تقع ضرورات القصاص، فالذي لا يعمل لا يخطئ، والذي لا يخطئ يكافأ، والذي يعمل يخطئ، والذي يخطئ يحاسب، معادلة تثير الجدل حول نسبة الخطأ المسموح العاقل منه والمنفلت، فإذا كنا نعترف بأننا نمتلك كماً من الأخطاء والكثير من الصح والإيجابي البناء، فكيف بنا نحمل الخطأ كمقاتلين، من دون النظر إلى الإيجابي الذي نهدمه أثناء قتالنا بوعي أو من دون وعي.
د.نبيل طعمة