ثورة أخلاقية

ثورة أخلاقية

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٤ نوفمبر ٢٠١٥

تتجاوز المجد السابق، وتنهض من العجر اللاحق اللذين شكلا عقدة العقد لشرقٍ ملأ الكون بأحلامه التي لم يحقق منها أي منجز، حتى القريب منه صعب المنال، فراح لاستخدام اللاأخلاقي، وحتى اللحظة، مازال يمارس الأفعال مستنداً إلى الماضوية، التي خلبت لبه، ولم يتخلص من براثنها التي تسيطر على تلافيف عقله وقلبه، فنسي حاضره، وتعلق بآخرته التي وجد فيها خلاصه، تاه بين ما يفعل وفرصة انتظار المخلص، ولم يحصل على الاثنين طبعاً، هي نظرية الأديان الثابتة، لا نظريات العلم المتحركة التي تدعوك دائماً، وبعد أن تصل إلى النتائج، للبحث من جديد أو إنجاز ما توصلت إليه، أي إن الأفكار لحظة أن يتقبلها الواقع تدعوك لتحويلها إلى مادي، إلى بناء يشاهده الآخر، ويجذبه إليه.
تدعونا الحاجة الماسة للقيام بها، بعد أن علا صوت الانفلات اللاأخلاقي، وعلى جميع المحاور الدينية والاقتصادية والسياسية، وانفكت عرا الارتباطات والعقود الاجتماعية من عُقلها، حتى غدت الأخلاق شراذم أصوات، نسمعها بين الحين والآخر، كمن يصرخ في واد، وانقسم المجتمع بعضه على بعض، وكأن به مجموعات بشرية، لا يعرف بعضها بعضاً، فهذا ينادي بالتشدد، وذاك يهتف للاعتدال، وأصبح الكل لديه يمين ويسار، وحمائم وصقور، حتى بتنا نرى المتطرف والمسالم المعتدي والمعتدى عليه سواء، بل أكثر من ذلك، صرنا نسمع أنَّ الكل لديه نازيون وفاشيون وانتحاريون ضمن حدث جلل، أظهر حدوث الانقسامات الأهلية، طبعاً كانت موجودة في الأساس تحت الرماد، إلا أنها طفت على السطح، وبشكل عنيف لم يسبق له مثيل، وبما أن مجتمعاتنا العربية، امتلكت الحداثة السياسية التي لم تؤمن إلا بثقافة القوى من أجل الحفاظ على بقاء الدولة وديمومتها، فإنها أسهبت في الاعتماد على المنظومة الدينية التاريخية، بدلاً من الذهاب لتأسيس منظومات قانونية وحقوقية، تنظم مجتمعاتها الأهلية، وتشكل رافعة لحضور الدولة السياسية التي من أول واجباتها إدارة اقتصاد الكل، لا اقتصاد الفرد، وإدارة مشاعر التدين على أنه وحدة كلية، لا إدارة طوائفه، والذي ظهر لنا من خلال ما يمر بنا، أننا مجتمعات طائفية، تغلفت بلبوس الدين، وأظهرت تدينات وهمية، عملت في السياسة من دون فهمها لمقتضيات العمل، فكان منها أن سكنت لفترة، وانتفضت لفترات، فانكشف الواقع الذي أظهر أعتى وأقوى أزمة مرَّ بها تاريخ جغرافيتنا، على الرغم من حدوث الأزمات بين الحين والآخر، التي لم تفارقها لقرون عديدة مضت، فما الذي يحدث اليوم مع استمرارها الذي يشير إلى أننا بين نهجين خفيين وظاهرين، الأول طائفي بامتياز. والثاني انفصالي خجول. وبينهما أولئك الرماديون المنتظرون، ومعهم المنافقون والمداهنون والمستفيدون من كل ما يجري، الذين يرقبون ذهاب الأمور، فيميلون إليه، وفق كل ذلك تقف الدولة بالسياسة تجاهد من أجل إعادة الجميع إلى ما تحت مظلتها الواقية لجميعهم.
إن لم ندافع بقوة عما نريد، لا ينبغِ لنا أن نصرخ من شدة الألم، ولا أن نتحسر على ما خسرناه.
فقد طفت على السطح انقسامات مقلقة، أظهرت شرَّ الجميع، ووصلت إلى حدِّ الرعب، فالكل مرتعد مما ستؤول إليه النتائج لحظة استراحة العاصفة، وفي اعتقادي الذي يتوافق مع الندرة من المؤمنين بنظرية الوطن والدولة، يقول إن الفرصة جدُّ مواتية للقيام بثورة أخلاقية، تعيد بناء المجتمع الذي دُمِّر الكثير من بناه الفوقية والتحتية على أسس أخلاقية عقلانية، تؤمن الحقوق الإنسانية والمدنية أولاً، وتحفظ للجميع الحقوق بالمعتقد وكرامتهم التي هدرت، وإذا ناقشنا ذلك المشهد التاريخي الذي على أساسه تمَّ اختيار الرسول العربي، واستناده الكليّ على البناء الأخلاقي، وإشارة الكليّ إليه: (إنك لعلى خلق عظيم) وصفاته الصادق الأمين، ولم يقل له إنك لعلى دين عظيم، لوجدنا أن تأسيس الأديان كان بناء على العملية الأخلاقية، ليعود الرسول ويقول بعد ظهوره النهائي: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وكذلك قبله كان للسيد المسيح قول في هذا: «إنما ظهرت عليكم لأصحح لكم بعضاً مما كنتم تقترفونه بحق بعضكم».
لذلك نجد أن العودة لبناء وإرساء قواعد أخلاقية على أسس مكينة، تؤدي إلى إنشاء بناء اجتماعي إنساني، يصعب اختراقه، وفي الوقت ذاته يؤدي إلى التحرك الواقعي من حجب اللامعقول المسيطرة على فكرنا الحامل دائماً لمنظومة فكرية تتمسك بنظرية كنا، ولم تؤمن يوماً بأن علينا أن نصير، هذا الفكر الذي تتحمل الدولة مسؤولية قيادته بعد قيامها بطرح تسويات مدنية واقعية، تتناسب مع حركتها الزمانية من أجل العودة إلى الاستقرار أولاً. وثانياَ تحقيق بدايات ناجحة في إعمار البشر والحجر، لا ضير في أن تتمتع مجتمعاتنا بنشواتها الدينية شريطة إيمانها بالواجبات الوطنية. وبما أنَّ الدولة تقوم بسداد رواتب أئمتها وكهنتها وجميع موظفيها، والأحزاب الدائرة في فلكها، وتوفر لهم الرعاية والحماية والحصانة وحرية الحركة، فلماذا تتركهم على أهوائهم يصولون، ويجولون، من دون قدرتهم على تقديم مشروع أخلاقي واحد، يدعو إلى الأمام، لا إلى الوراء.
أين دور الدولة في قيادة ذلك كله؟ أين سيادة الدولة وثقلها السياسي والإداري والتعليمي والتوجيهي القادر على بعثها من جديد وتحقيق توازناتها الاجتماعية، من خلال طرح ما تريده، وهدفها وحدة الشعب أولاً وأخيراً وحمايته ليعود إليها، فيحميها بأخلاقه أولاً، وبإيمانه الذي يدعوه للإنتاج، وغايته إفادة مجتمعه وأمته والأمم بأسرها على اختلاف معتقداتها.
إن ظهور الصراع اللاأخلاقي في زمانه وعلى مكانه فاق في حركته المتخيل، وأوجد اضطرابات نفسية وتشوهات فكرية قبل التشوهات المادية واللامادية، شهده العالم بأسره نتاج غياب الأمل بالمستقبل، وسيطرة الإحباط الذي يسأل عنه الفكر القيادي بشكل خاص، ومعه التوجهات السياسية الحاضنة له. كيف بنا ننادي بعلمانية الدولة، ونمارس ماضوية الدين لا رؤيته الأخلاقية التي ينبغي على القيمين عليها الأخذ بنواصيها؟ إن أشعة الشمس تخترق النوافذ عنوةً، لتستفيد الظلمة من غيابها، كيف بنا لا نعمل على توفير ظروف أخلاقية نخترق بها العقول، وحتى فرضها بالقوة السياسية والسيادية؟.
د.نبيل طعمة