أيها الناس لا جحيم!!

أيها الناس لا جحيم!!

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٧ أكتوبر ٢٠١٥

لكم في النهاية، كما هو مسكون في العقل البشري، أو تم إسكانه من قبل فلسفة الأديان ومفسريها. تلك التي أنشأت الخوف العنيف منه، فراح الإنسان يبحث عن الهروب من أهواله بشكل دائم إلى الأمام، ومحاولة التلاعب عليه، متناسياً أنَّ كل إنسان يصنع جحيمه بنفسه أثناء مسيرة حياته المعيشة، نتاج ما يرتكبه من أخطاء يعزوها دائماً إما إلى الآخر، أو يرميها للإله، ومن ثمَّ يلجأ كي ينقذه منها، ومنه نجده يراكم أبعاد الجحيم، من خلال تعزيز الرعب في داخله وبناء درجات من الجحيم مذهلة، يتخيل فيها أقصى أنواع العذاب، متناسياً أو ناسياً أن الضمير الحي والقوانين الطبيعية والوضعية تجرّمنا حين اكتشاف مرتكباتنا أو فسادنا في أمر ما، حينها نعترف لها بالإكراه أو نتذاكر عقوباتها في عقلنا الباطن.
بعد وقوع المواجهة، ولو تأملنا المقدس بدقة، وبحثنا في معنى قوله الكريم: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) والتي تظهر لنا معنى العذابات الدنيوية وقوة الانتقام فيها نتاج ما نرتكبه، وأن لا مجال إلا من نيل القصاص، ومهما طال التخفي لتدلنا على أن اقترافنا للأخطاء المادية أو اللا مادية لن يمر مرور الكرام، لذلك علينا أن نعلم أن الجحيم حياتي، لا تحده حدود، ولا يحكمه الغياب، وليس له أي تقدير مباشر، إنما يقبع في سجل النتائج، حيث الحساب الحياتي لا يسمح في تمريره، والطبع العقلي الذي تحياه المجتمعات التي تصطبغ فيه، لا يمكن لها أن تنجح من دون المرور ومشاهدة نتائجه، وإلا لكانت الوحشية سيدة الموقف، ولما كان هناك من سعادة أو اعتراف، وصحيح أن المؤمنين قلة والمخطئين كثرة البشرية، وأن الإيمان بإنسانية الإنسان أي بالآخر هو الحقيقة التي تقول: إن آمنت بالإنسان يعنِ أنك مؤكدٌ مؤمن بالله، حتى وإن لم تدخل معبداً أو كنيسة أو كنيساً أو مسجداً، فوجه الله موجود في وجه أخيك الإنسان، إن تعاملت معه بأسباب وجودك ووجوده، وصلت إلى أعلى درجات الإيمان، منذ القريب منا تحدث رأس الكنيسة العالمية مخاطباً الناس كافة "أنَّ لا جحيم لكم"(وأقصد البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان).
أيها الناس بعد 1437 هجري 2015 ميلادي 5776 من التقويم العبري، نشهد أن القواعد لم تتغير، بل تلزم البشرية، وتجبر أفرادها على الالتزام بالأمية الدينية، تمارس هذا في السر والعلن، تحثهم على التعلق أكثر بها، لماذا؟ لأن الحقيقة تشير إلى أنَّ مفسري الأديان قدموها على أهوائهم، فبدلاً من أن يفتح الدين قلب الإنسان ويحرره من عبودية الخوف إلى الإيمان بالمحبة، نجد أنهم صنّعوه على شاكلة المعابد، من دون أن يعلموه أن المعبد الوحيد موجود في قلب العابد، حتى غدا المؤمنون الحقيقيون يحلمون بعالم بلا أديان، ولندقق في مجموعة الحقائق، فالصدق هو الصدق، لا علاقة له بأي دين، والحقيقة هي كذلك، والحب هو الحب، والرحمة هي الرحمة، والتأمل بحث علمي بحت، والاكتشافات العلمية لا ترتبط بدين، فهي تدين بدين خدمة البشرية جمعاء، ولنكتشف أيضاً أن كل الأديان المنظمة تقوم في الأساس على حرمان الإنسانية من الإيمان الحقيقي، من باب أنها تضلها عن طريق الحق والحقيقة.
يعتلي الجحيم الإنسان، ويسيطر عليه، كلما ازداد الجهل وتعلق الإنسان بالقشور، يذهب إلى الله بأثقاله في الخفاء، لماذا؟ لأن الحقيقة مربكة مرعبة، لا تسمح بأن تكون مؤمناً بها، بل هي تناديك لإخراج بصيرتك التي تمنحك التطلّع إلى جنان الحياة، الساسة مع المفتين والمفسرين والأغنياء، يدفع السواد الأعظم من الناس إلى الامتلاء بثقافة الفقر الفكري، والمادي واللا مادي، والإيمان الممتلئ بالجنان، يدعوك لكي تتجه إليه من دون مواربة، وألا تنهي حياتك بتلك الإشكالية، وبالتالي يدفع أولئك الذين ذكرناهم بعد تحويل الناس إلى فقراء، للخوف من الله وعذاباته، وفي الوقت ذاته، يتلذذون بشقاء البشرية، يدفعون بالحروب لتأكلهم، كما يدفعونهم للتضرع من خلالهم وعبرهم لهم، ولله في الوقت ذاته، لقد رسم أولئك المدّعون على تقويم الناس طرقاً أجبروهم للسير عليها، وأخذوهم إليها، فتقدم العارفون ليقولوا إن الله لا ينتظرهم في نهايتها، بل إن الجحيم هو مبتغاهم، لذلك ينبغي أن نعلم أن لا حدود لقذارة العالم اللا إنساني، ندركها حين نعلم أن الجائعين مازالوا ينبشون في قذارة الأغنياء، وأولئك الذين فسروا الأديان على أهوائهم، بغاية استلاب العقول والسيطرة عليهم، وإدارتهم كما يريدون باسم الله.
أيها الناس.. لم يعد أحد من العالم السفلي، أو من الوراء ليحضر بيننا، ويحدثنا عما جرى له، لنُعمِل التفكير، ولنُخرج من قلوبنا وعقولنا ثقافة الخوف والعبودية، فلا يمكن لدين أن يزهر، أو تتفتح وروده بقلب جاهل، الحرّ لحظة امتلاكه لمفهوم الحرية الدقيق، ينعتق من الخوف، فيعلم أن معبده في قلبه، ويكتشف إن أدان بدين الحب تحول إلى عابد حقيقي، فهم المعنى الدقيق للحرية.
كنت قد أنجزت أبحاثاً حول مفهوم الجنة والنار، وأن الجنة موجودة في عقل الإنسان، وأن نار الجحيم مسكونة في طعام وشراب الإنسان وشهوته إلى الجنس وإليهما، وشرحت معنى "هل امتلأت هل من مزيد" وأكدت أن داخل الإنسان طاقة نووية، تعمل على توليد الحريرات من أجل حركته وإنجازه، وكذلك تحدث شارحاً عن الأنهار الأربعة؛ أي الخمر والعسل واللبن والماء، وأنهم أيضاً موجودون في هذا البناء الإنساني النوعي، وأنها ما هي إلا رموز ينبغي علينا فهمها واستيعاب معانيها، هل ندرك أن هذا الإنسان هو بيت الله، كلما كان نظيفاً من الداخل سكنه وأقام فيه، وعندما يتسخ هذا الداخل، يغادره فيحل محله الشيطان المفترض والجحيم الرهيب، هل ندرك إلى حدٍّ ما معنى الجحيم والجنان برسم فكركم؟

د. نبيل طعمة