في البدء كان الكلمة

في البدء كان الكلمة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ١ يوليو ٢٠١٥

الافتقار إلى المعرفة مالكة الفكر والعلم والفهم، المتعلقة بمفاهيم الجمال، يؤدي إلى هلاك الشعوب، والدلائل التاريخية تثبت ذلك، الإيمان بالبحث يفترض به أن يؤدي للمعرفة، الانسياق وراء العواطف يفقد الواقع مصداقيته، حينما نتخلص من معانقة الحياة يبدأ نوم الموت الكبير، حيث جميع الأحلام تسكنه، يأخذها إلى غير رجعة، أربعة أعوام ونيف، ندرك أكثر أن الكابوس الذي يمر بنا حقيقة لا يمكن تجاهله، لكونه غدا شاهداً، كي لا نتجاوز حدودنا، تعالوا مرة واحدة، نعترف أن جميعنا يتألم، وبشكل خاص حينما أخضعنا وجودنا لمعادلة أنَّ لكل فعلٍ ردَّ فعلٍ، هل حاول جميعنا تقدير حجم الذي جرى ويجري، وهل نستطيع التكلم بقوة، عندما نكون على يقين، من أنَّ وقع كلماتنا يكون أقوى بكثير من صمتنا المتلون بألوان تقدير النتائج.
القوة والخيانة، الفنون السبعة، والأديان السبعة، وجميع ما وجد على الكوكب الحيِّ، يخدم فقط السياسة، فما هذه القوة التي تمتلكها من خلال منظومة القوى في التبادل؟ ولماذا تكون الخيانة مكوناً رئيساً من مكوناتها؟ متى تلتقيان أو تنفصلان؟ بؤر الواقع تصطاد الخيال الذي يعتقد بامتلاكه للحقيقة؛ الحقيقة لا تشيخ فهي فتية دائماً، ومهيمنة من الأعلى، والثقة في أنها تسكن الحرب والسلم في آن، لذلك أجدني أتضرع معكم، كي نجد الخلاص في حياتنا، لا بعد رحيلنا، هكذا أسكن في عقلنا، أن المخلص قادم منذ آلاف السنين، وحتى اللحظة لم يصل، فماذا نستفيد منه؟ ومن يعلمنا عنه مع مرور الوقت؟ تشفى الجراح وتندمل، إما على خبث، وإما على الحبِّ إلى الحياة ونبضها المستمر، بعض الناس يريدون ممارسة الصمت غير العاجز، حيث يعني لهم بداية إنجاز الثأر لحظة وقوع الجدل، حول الحب تجد نفسك تحب ما تكره، وتذهب به إلى كره ما كنت تحب، فتعلم نفسك أنك قادر على نسيان ما تعلقت به، فتمضي من دون النظر إلى الوراء، تحرير العقل والفكر من عقده الكثيرة يبدأ بفك أصغر عقدة، فإذا استطعت حلها وصلت إلى الأكبر فالأكبر والأعقد، حينما تكون وصلت إلى الحرية الحقيقية، والتي تعني تحرير الجوهر، لتنطلق إلى الحياة، والإسهام فيها بقوة، يتحدث الآخر عنك بأنك حرٌّ.
النقاش مع العشاق لا يجدي، بحكم امتلاكهم قلوباً ضريرة، يتشابه ذلك مع المتعصبين الحاملين للعقول المغلقة والأفكار المريضة، مهما ابتعد قطار الأحزان، فلا بدَّ له من الوقوف عند محطة السعادة، من المفترض أن يكون صوت الأفعال أقوى بكثير من صوت الأقوال، لنعلم أن القوانين وجدت من أجل التوفيق بين الناس، يمكننا أن نبدأ بتغيير حياتنا، ما دام هناك يوم جديد ينتظر وصولنا إليه، لذلك علينا أن نتعجل في إثارة المشاكل قبل حدوثها.
الحبُّ الذي يتغذى على الهدايا يبقى جائعاً لكل شيء، فقير الفكر يسأل في لحظات ما لا يستطيع الحكماء الإجابة عنه، في سنوات البداية الجيدة تصنع في أغلب الأحيان نهايات جيدة، ما يدعونا لعدم الاحتفال قبل تحقيق الأهداف، هل يمكن إسكات الأصوات الممتلئة بالكلمات المنادية للحياة، للمحبة، للتكامل، وإذا حدث، فهل يمكن محوها من التدوين الفكري الذي يتناقلها عبر الزمن؟ الكلمات وحدها ستنتصر مهما طال الزمان أم قصر.
كيف تقتل الشفاه بعضها بالكلمات؟ لحظة عناق مثير في تلك اللحظة، تطغى القلوب بخبث نبضاتها المفعمة بالشهوة، فنسأل المشهد؛ أي إنسان يكون حينها؟ تعالوا نناقش قضية قتلنا لبعضنا، أو لجميعنا، نحن مجموعة إنسان تتحول إلى بشر متصارع على العيش المرتكز على الشهوة للجنس والمال والسلطة، كما تصارع قابيل وهابيل، يا أيها الناس إلى أين أنتم ذاهبون؟ لقتل بعضكم وللإيمان بأنَّ الذين يقتلون في سبيل الله أحياء عند ربهم يرزقون، تفكروا في ظروف الدعوة إلى القتل ضمن فلسفة الكتب المقدسة، واخرجوا إلى الحياة، فاعملوا لها، وتأملوا مما مضى، هل عاد أحد وروى لكم ما حدث هناك؟ ولتدركوا معنى التخيل، أنا لست بخارج عن المفاهيم الملتصقة بكم، إنما أضيء شمعة في واجهة الريح، وأحميها فكرياً، لعلكم تتفكرون بعيداً عن المال والسياسة والكهنة والمفتين، أين قوة الكلمة الحقة التي كانت تسود بين المجتمعات مؤثرة في كيانات الدولة؟ من يجيز الآن منعها؟ من يخاف من الكلمة وفي البدء كان الكلمة، والإنسان كلمة؟ كيف يخاف الإنسان من الإنسان، أم من الإله، أم من المجهول الذي ينتظره ككلمة حين ينقشع الظلام، فتغدو في النور حضوراً بقوتها، هل نستطيع أن نغير العالم بالكلمات، ونفعل كما فعل الله في كلماته المنثورة على صفحات كتبه المقدسة التي قسمتهم إلى أمم وأديان وشعوب وقبائل ولغات ولهجات.
الجوع والسلاح يسودان، الساحات هفواتنا، تتصارع حيث لا حدود فاصلة بينها، الأفكار وحدها تعلن هزيمتنا على بعضنا، هل هناك من سَعيدٍ فَرِح بيننا، يشرح لنا ما الذي يحصل مع جميعنا، والذي يتناقض بشكل هائل معه كامل أدبيات العصر الحديث، هل هنا من يعتقد بموت الاستبداد المعشش في صدور كل منا، يستفيق حال وصولنا إلى أي نوع من السلطات، فيسأل: هل موتنا ينهيه، أم إنه حالة لا مادية في الهواء الذي نستـنشقه، والماء الذي نشربه، والطعام الذي نتناوله، الإنسان الكلمة، فلماذا تقتل الكلمة الإنسان؟
د. نبيل طعمة