اختلفنا كي نتفق

اختلفنا كي نتفق

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٣ مايو ٢٠١٥

الأمر الواقع والمنظور من جميعنا، تفرض سياسته حضورها بين وجودنا، أينما كنّا، ونحن نعتاش أيامنا وشهورنا وسنينا، فالذي يجري على الأرض، وتحتها وفوقها وحولها، ليس بالسهل أبداً، نظراً لتداخل الكلّ، فيما يعنينا المحيط القريب البعيد، ناهيك عن الموجود في الداخل، وتشرذمنا حتى على موائدنا الحياتية والفكرية، السياسية والاجتماعية، فمن ينظر إلى تجارب الآخرين يتعلم منهم، أو لا يتعلم، يتفق أو لا يتفق، إلا أننا مدعوون بقوة، كي نسرع في الاتفاق، بصرف النظر عما يجري على الأرض، وخلف الأبواب المغلقة، المهم التحول إلى إنشاء ورش عمل واقعية، لا خيال فيها، وغير مسموح أن يكون، والسبب أنّ كل التجارب السابقة والمنظورة من الآخر، لم تؤتِ أُكلها حتى اللحظة، إنما وحده النظر للمصلحة العامة، والتي ينبغي أن تتحول إلى شعارٍ وطنيٍّ، بعد أن ساد شعور المصالح الخاصة والعمل من خلالها، كما أنّ التمسُّك بالآراء الفردية بدل الاقتناع، بأنّ الجهود الجماعية، ومهما اختلفت أساليبها أو إحداثياتها، فإنه ينبغي في اللقاء، أن تنجب اتفاقاً، من باب المعاناة الحاصلة للجميع، ومن دون استثناء.
الأخطاء التي وقعنا جميعاً بها، يجب ألا تدفعنا لارتكاب الخطأ الرئيس، الذي إن وقعنا فيه، فلن تقوم لنا قائمة، ألا وهو ضرورة بل حتمية التقائنا، وهذا يدعونا إلى الاتجاه مباشرةً إلى الناس بمصارحتهم، وحتى إن اقتضى الأمر، أن يتم استخدام أسلوب الصدمة، بدلاً من أن نبقى نقدم مبررات غير مقنعة، تزيد الاعتراض والامتعاض، وتحوّل المجتمع إلى باطنيٍّ، يظهر عكس ما يبطن، وهنا تكمن الطامة الكبرى الحاملة لعناصر المفاجأة اللا واقعية، فتزداد ضعفاً وتشرذماً وفرقةً.
سياسة الأمر الواقع، تقودنا إلى السلام، ولا يجب أبداً التخلي عن وجوده، لكونه الفكرة الأولى التي جمعتنا، وأوجدتنا حولها، وفيها تتحقق مصالح الجميع، وأهم ما فيها مصلحة الوطن، الذي إن ضاع ضعنا، ألا يكفينا الذي أنفق وينفق من المال والشجر والبشر والحجر؟! أوَلمْ يكفي ما تكبده جميعنا، بما فيه الوطن؟ أوَلمْ يحن الوقت كي نرتقي فكرياً، ونترفع عن صغائر الأمور وسفاسفها؟ ألا ينبغي التوجه إلى فرض صيغ الاحترام، حتى وإن كانت ذات طابع ديكتاتوري، ما دام أنَّ هناك مصلحة عليا، تخصُّ المجتمع والوطن؟ أليس الواقع يدعونا لمناداة أهل الاختصاص، والاتجاه أيضاً لأهل الثقة، ما دمنا ندور بين هنا وهناك، مختلفين على الاتفاق، لا نتفق على أن نتفق؟!
الوطن خطٌّ أحمر، تعددنا، تنوعنا، والحفاظ عليه خطٌّ أحمر، تعلمنا هذا، وآمنّا به، فتوارث الإيمان لدينا أجيالاً تلو أجيال، كيف اهتزَّ هذا الإيمان، وغدت الفرقة أكبر من أي قيمة أو إيمان، أنا لا أعرف؛ فهل أنت لا تعرف أيضاً؟ من يعرف؟!
لا أشكُّ أبداً في ذكاء مجتمع، لم تنقطع الحياة به، أي متصل ومتواصل، جاء من يريد أن يقطع أوصاله.
سياسة الأمر الواقع، تفترض التسليم بحرية الفكر والمعتقد، وبحقِّ الاختلاف الإيجابي، وأقصد المطوّر منه، وغير المدمّر، واحترام خصوصيات الأفراد، يسهل الحياة المشتركة بين مختلف الطوائف والمذاهب والأعراق، ضمن المجتمع الواحد، ولن ينجح أي اتفاق ناتج عن حوار، يسوده الخلاف المزعج للجميع، بينما وجود الاختلاف مع وجود ذخيرة فكرية ثقافية ومعرفية واعية ومدركة للواقع، يحقق التفاعل الحواري، ما يخلق بداية واقعية موضوعية، لظهور الأفكار البنّاءة، التي تحقق ما يصبو إليه الجميع، وتشكل جبهة، تواجه الموجة الحارة حاملةً الأحداث القاسية والجدال العنيف، حول جميع المواقف، وعلى مختلف الأصعدة، بدءاً من الشخص الذي انحدر حتى الحضيض، وارتفع إلى أن طال عنان السماء، كلّ ذلك، رسم حدود اختلافنا، بالتالي، يقودنا ومن أعماق كلّ واحدٍ منا إلى اتفاقنا، والسبب أنَّ الكلّ تعب وأرهق، وفي ذات الوقت غدا على علمٍ ودرايةٍ بالأسباب والمسبّبات، التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه؛ فلماذا مرةً ثانيةً لا نتصارح، ونتحدث بشفافية، ونطرح الأسئلة والتساؤلات والاستفسارات على طاولة الوطن، ما دمنا عاجلاً أم آجلاً، سنجلس إليها فرضاً، من قبل الآخر، أم بعد أن نستنفد البقية من بقايا قوانا؟
لنتفكر في فكرة الصراع؛ هل هي حول الكرسيّ، الذي يسعى، ويتدافع عليه من في الخارج، والبعض من الداخل، يتصارعون مع بعضهم بعضاً، ومع مجتمعهم، ومع سيادة وطنهم عليه، أين يكمن فكر الانتصار لوطننا وعلمنا، الذي تمترس كلُّ واحدٍ خلف جغرافيا من مساحته، وأوجد علماً خاصاً به؛ وطن الأعلام وعلمه الرئيس، مازال مرفوعاً لدى المؤمنين به، وفي جميع المحافل الدولية؟ ألا يجب الانتصار له، أي للوطن أولاً وأخيراً، المهم والأهمّ، يجب أن يكون لسورية الوطن، وأن يكون علمنا، هو الذي نفتخر به، وننضوي تحته مختلفين، نعم.. وقطعنا شوطاً طويلاً في الاختلاف، والهدف هو الاتفاق، وكدنا نصل إليه، فتعالوا، نستعد له، بإحساس وطن، دعونا نظهر لمن ينتظر، ولمن لا ينتظر، للمتشائم، وللمتفائل، أنَّ الاتفاق قاب قوسين أو أدنى، ونُري العالم أجمع، بأننا أهلٌ للاتفاق، وللحفاظ على الوطن.
  د.نبيل طعمة