في الشمال السوري عاصفة مصير.. فهل تسقط موسكو؟

في الشمال السوري عاصفة مصير.. فهل تسقط موسكو؟

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٠ مايو ٢٠١٥

ماذا جرى في مدينة سوتشي الروسية، ثم هل يمكن اعتبار المعارك الدائرة في الشمال السورية هي مجرد مواجهة بين القوات السورية والميليشيات المسلحة غير المتجانسة التبعية والانتماء والعقائد، وكيف يمكن تفسير الحديث التركي عن سايكس بيكو جديدة في المنطقة تقسم من خلالها سوريا إلى عدة دول، وعلى ذلك أيضاً، أي طروحات جاءت في لقاء كامب ديفيد بين الرئيس الأمريكي والكيانات الخليجية، وما هي تفاصيل الاجتماع الذي كشفت عنه الإذاعة الإسرائيلية والذي عقد في الأردن بين الحكومة الإسرائيلية وبعض من الأنظمة العربية..؟، ولماذا هذا الكشف في هذا التوقيت، ولأي جهة يأتي تمدد تنظيم داعش نحو الرمادي ومحاولته دخول مدينة تدمر للربط جغرافياً بين المناطق التي يتواجد فيها التنظيم فيما لو تم الأمر، البحث في هذه الاسئلة تفيد في الإجابة على طبيعة الحدث السوري في المرحلة الحالية، والذي على ما يبدو يحاول الأمريكيون أن يؤسسوا لانتقالتهم نحو موقف جديد تحدده طبيعة الحدث في الملف السوري خلال الأيام التي تمتد إلى موعد التوقيع على الاتفاق النهائي بين الحكومة الإيرانية والمجموعة الدولية حول الملف النووي الخاص بطهران.

فالأمريكيون إذا ما أرادوا الاستمرار بذات الاتجاه المعادي لسوريا، لابد لها من الاتكاء على نقاط قوة يمكن أن يتم طرحها في الملف السوري على الحكومة الروسية، التي لاتنظر بارتياح إلى ما يجري في سوريا، ولا ترتاح أيضاً إلى فكرة نشر درع صاروخية أمريكية في المنطقة بحجة إيران، والمرونة التي أبداها الأمريكيون في المحادثات المشتركة مع الروس في مدينة سوتشي الروسية كانت نتيجة لافتقار الأساس الذي يمكن أن يبني عليه الأمريكيون رأيهم في المرحلة الحالية، فانتصار الجيش السوري والمقاومة اللبنانية في مرتفعات القلمون مضاف إليه إفشال مشروع دولة داعش المسيطرة على كامل الحقول النفطية في المناطق الممتدة ما بين "الموصل – الرمادي – دير الزور – جنوب الحسكة –  الرقة – شرق حمص"، لم تنجح لجهة تمكن الدولة السورية من صد الهجوم على تدمر ومطار دير الزور، وفي هذه النقطة ذهب بالمشروع الأمريكي إلى التركيز على جبهة الشمال، لتعقيد جغرافيا المعارك فيها، ولسهولة تقديم الدعم المباشر من الجيش التركي لميليشيا "جيش الفتح" التي تشكل جبهة النصرة فيها القوة الأساسية، فكان التقدم، وفي علوم العسكر، أن البقاء في منطقة محاصرة هو عملية انتحار جماعي غير مبرر، وعلى ذلك، كان لابد من إخلاء منطقة المسطومة برغم إستراتيجيتها للجيش السوري، ولا يمكن التأسيس على معارك الشمال في إقامة الدولة التي يسعى إليها التحالف القطري التركي السعودي في شمال سوريا لجهة نقل حكومة "الإئتلاف" إلى المنطقة لنقل التجربة الليبية بخلق عاصمتين في سوريا وبالتالي يمكن للأمريكيين أن يمتلكوا الهامش الذي يناورون من خلالها في نقاشاتهم مع الروس حول الملف السوري، لكن هل امتلك الأمريكيون هذا الهامش فعلاً..؟.

فالمراهنة على انفضاض العلاقة بين إيران وسوريا فشلت، والموقف الإيراني من العلاقة السورية في تصاعد مستمر بفعل تشاركية المصير بين طهران ودمشق، ويدرك الأمريكيون خلال المرحلة الحالية إنه لا يمكن التأسيس على فكرة مفادها أن الجيش السوري ينهار في الشمال، فالعمل السوري العسكري المستند إلى تقسيم الجغرافية العسكرية إلى قطاعات عمل، وفق مبدأ لا مركزية القرار ضمن المؤسسة العسكرية، الأمر الذي يسهل قيادة العمليات السورية الضخمة، وإن كان الاتصال الجغرافي بين القلمون وتدمر وصولاً إلى شرق دير الزور حاضراً في حسابات داعمي الإرهاب، فإن دمشق تنظر إلى الأمر على إنه حسم معركة، لكن الحرب طويلة، وما تقوم به ماكينة الإعلام الداعمة للميليشيات المسلحة في سوريا، بتهويل الأمر في المنطقة الشمالية، فإن الأمر لا يزيد في حسابات الدولة السورية عن جر للمسلحين إلى مقتلهم، فالانتشار الكثيف للميليشيات في الأراضي الزراعية يصعب من عملية استهدافها، وبكون الميليشيات تسعى منذ مدة للسيطرة على المسطومة، فلماذا لا تحول هذه المنطقة إلى مقبرة لهم، فالطريقة التي أخليت بها مع المعسكر التابع لها من السلاح والمعدات العسكرية ومن ثم جعلها فخ لاصطياد المسلحين في داخلها، وفي ذلك منح فرصة للقوات السورية لاستعادة السيطرة على أجزاء من الريف الإدلبي سعياً نحو تحرير المدينة، وفي رمزية المعارك الدائرة في جسر الشغور، فإن المعركة تشتد أكثر بعيداً عن الإعلام، فالسوريون لا يتكلمون عن معاركهم إلا بعد حسمها، في حين أن توجه الميليشيات نحو لفت الأنظار عن جسر الشغور من خلال المعارك في منطقة أخرى، يفضي إلى أن وضعهم في المدينة ليس جيداً، برغم كثافة الهجمات الانتحارية على المشفى، مع تحذيرات من محاولات المسلحين الاستفادة من خبرات "حركة حماس" في حفر الأنفاق، وذلك بكون هذه الحركة متورطة بشقها السياسي في الملف السوري بشكل واضح وعلني من خلال التوجيهات القطرية للإخواني "خالد مشعل"، فليس غريباً أن يكون ثمة أنفاق تحفر باتجاه المشفى لنسفها من تحت الأرض بعد أن أثبتت المشفى إن سقوطها مستحيلاً عبر الهجمات المتتالية، لكن الواقع يقول: المشفى لن يسقط.

المشهد في الشمال يزداد تعقيداً يوماً بعد آخر، بحكم المد المستمر من قبل الجيش التركي للميليشيات من خلال استخدام أجهزة التشويش على اتصالات الجيش السوري، ورصد المعلومات الاستخبارية وتقديمها للميليشيات من خلال غرفة عمليات يدير الجانب التركي من خلالها جبهة النصرة وحلفائها في المعركة، يضاف إلى ذلك التهديد المباشر من قبل القوات التركية للطيران السوري، كما إن الصواريخ المضادة للدروع من طراز "تاو" الأمريكية الصنع التي تمطر المناطق الإدلبية بها الميليشيات بمعرفة ودراية مسبقة من قبل الأمريكيون نفسهم، فالثابت إن واشنطن تعرف تمام المعرفة إلى أين يتجه السلاح الذي تصنعه حتى وإن تم بيعه في السوق السوداء، وفي هذا الخصوص يحضر الدورين القطري والسعودي في إستجرار الكميات الكبيرة من هذه الصواريخ من المصانع الأمريكية إلى الشمال السوري، وفي ذلك تأكيد من واشنطن على استمراريتها في محاولات إسقاط سوريا، سعيا لطمأنة الخليجيين والإسرائيليين حيال التوجهات الأمريكية في المنطقة.

وفي المشهد الإدلبي تحديداً، لابد للقوى المعادية لسوريا من هذا السعي المحموم في محاولة منهم لاستعادة السيطرة على مجريات الحدث، فالواقع يثبت أكثر، أن القوة السورية ما زالت حاضرة، وإن الملف السوري يشهد متحولات كبرى لجهة افتقار القدرة على المناورة بعد أن فقدت واشنطن كل المعطيات التي تسمح لهم بذلك، ولهذا تحاول أدواتها في المنطقة أن تصنع الذريعة، ليصار لطرحها أمام الروس كورقة قوة في النقاشات حول الملف السوري، وبالتالي تستمر الفوضى، غير إن خسارة معركة لا تعني خسارة الحرب، وبقاء القوات السورية وتماسك خطوط دفاعها يثبت إن المعركة لم تنتهي بعد، ومازالت مستمرة في الشمال، وستحمل الأيام القريبة تبدل واضح في ملامح الجغرافية العسكرية، فما يجري في الشمال السوري، عاصفة مصير حقيقية، ليس لسوريا وحسب، بل للمنطقة وشركاء سوريا عموماً، فمن الشمال السوري وتحديداً إدلب وريفها، سيكون مشروع سياسكس بيكو الجديد إذا ما تم المخطط، ومن إدلب سيبدء تقسيم المنطقة إذا ما تمكنت الإدارة الأمريكية من خلال أدواتها أن تعيد رسم المنطقة، لكن الرابح في هذه الحرب عليه أن يجيب على سؤال يبحث في الطريقة عن شق العلاقة الوثيقة بين أقطاب محور المقاومة من جهة، ومن جهة أخرى عليه إقناع الروس بأن منطقة شرق المتوسط ليست المنطقة التي يمكن لهم من خلالها أن يأمنوا موسكو من السقوط مرة أخرى من خلال تقسيم الاتحاد الروسي من قبل الأمريكيين على غرار إسقاط الاتحاد السوفيتي باستخدام غوربتشوف سيء الذكر بالنسبة للروس، ولأن الإجابة بالنسبة لواشنطن في هذا الوقت مستحيلة، فإن ملف الشمال مهما بلغ من التعقيد سيكون مستحيلاً الوصول إلى تقسيم سوريا.