ما الذي فعله الجندي السوري في جسر الشغور؟

ما الذي فعله الجندي السوري في جسر الشغور؟

أخبار سورية

الأحد، ٢٦ أبريل ٢٠١٥

 لم يعد الحديث عن الدور التركي في تخطيط وتمويل وتسليح الهجمات على جبهات شمال غرب سورية بحاجة إلى دليل. هي حرب بالوكالة نفذها المسلحون لصالح تركيا: المشاة على الأرض كانوا سوريين وعرب وأجانب، فيما كان المخطط والممول والمسلح تركي. كان للجهد المخابراتي التركي، والتشويش على الاتصالات، دور رئيسي في سقوط إدلب، يوم السبت 28 آذار الماضي. والآن تسقط مدينة جسر الشغور بسبب نفس الدور التركي. المسلحون الذين طالما اشتكوا، خلال السنوات الماضية، من نقص السلاح وقلة التمويل والمساعدات، خاضوا معارك إدلب وجسر الشغور وإمدادات السلاح التركية تكاد تغرقهم. الكتائب المسلحة التي كانت تبحث، منذ سنوات، عمن يعطيها صاروخاً واحداً مضاداً للدبابات، خاضت معارك إدلب وهي تطلق المئات من هذه الصواريخ ليس فقط على الدبابات والمدرعات، بل أطلقتها على كل شيء. لأول مرة، ربما في العالم، نرى صاروخاً يزيد ثمنه عن 30 ألف دولار يطلق على مربض لرشاش «دوشكا» لا يزيد سعره عن 3 ألاف دولار!!

ليس التسليح فقط هو النقطة التي يجب التوقف عندها، فالهجوم الذي انطلق منذ يومين استغل وجود المنخفض الجوي لتحييد سلاح الطيران. ورئاسة أركان جيش حقيقي مزودة بجهاز مخابرات وأجهزة رصد هي وحدها من تستطيع التخطيط لمثل هذه العملية واختيار مثل هذا التوقيت للاستفادة من الظروف الجوية. كان الرهان على أن تحسم المعركة خلال أقل من يوم واحد، وأن تسقط المواقع قبل أن تتحسن الظروف الجوية، وقبل أن يعود سلاح الطيران إلى المعركة.

المعلومات أعلاه ليست أسراراً عسكرية، وهي معروفة لكل الجنود السوريين في إدلب، ولكن ماذا كان قرارهم وهم يرون السماء المدلهمة فوقهم تحجب المساعدة عنهم، ويرون أمامهم المهاجمين يفوقونهم عدداً ويستخدمون السلاح الثقيل والصواريخ المضادة للدبابات والمدافع لضرب تحصينات الجيش في إدلب؟ ماذا فعل الجنود؟ فعلوا الشيء الوحيد الصحيح وهو الاستمرار بالقتال؛ لم يتوقفوا للتفكير والتأمل والتمعن في الوقائع والأحوال والعواقب. بل قاتلوا. لا أعلم إن كان أيّ من هؤلاء الجنود قد قرأ للمارشال الفرنسي «فريدريك فوش» مقولته الشهيرة «الواقع هو أن الدراسة غير ممكنة في ساحة المعركة. فالمرء، ببساطة، يفعل كل ما بوسعه لتطبيق ما يعرفه». جنودنا لم يفكروا ولم يجلسوا للتأمل بل، ببساطة وحزم، طبقوا ما يعرفونه جيداً ألا وهو القتال. ومن خطط وحضر لإسقاط جسر الشغور خلال ساعات لم يأخذها إلا بعد ثلاثة أيام. وجسر الشغور ليست أكبر من تكريت أو الفلوجة أو الرمادي. جسر الشغور هي مدينة محصورة في دائرة لا يزيد قطرها عن 1.5 كم. هي أصغر من حي صغير في مدينة الموصل العراقية. والجيش العراقي لا يملك من المعدات 15 إلى 20% من المعدات التي يملكها الجيش السوري. إذا كانت المدينة التي سقطت أصغر بكثير من نظيراتها العراقية وإذا كانت القدرات العسكرية لدينا أكبر بكثير من نظيرتها العراقية، فما الذي يبقى؟ يبقى المقاتل على الأرض وروحه المعنوية.

جنودنا دافعوا ولم يهزموا معنوياً وإن كان المدافعون عن جسر الشغور انسحبوا فرفاقهم في المسطومة وأريحا ومعمل القرميد لا يزالون في مواقعهم. والجندي الذي انسحب من جسر الشغور يقاتل الآن من خارجها والطيران لا يزال يحلق فوق المدينة. وإذا كان العراقيون مستمرين بالقتال وهم أضعف منا، فلم لا نستمر نحن بالقتال؟ نعم سقطت جسر الشغور ولكن هل ستصمد خطوط الإمداد التركية وتبقى قادرة على أن تمتد عشرات الكيلومترات لتؤمن استمرار المعارك بعد جسر الشغور؟ وهل سيستمر نهر السلاح التركي بالتدفق؟ وإلى متى يستطيع المسلحون الدفع بالأمواج البشرية؟ هناك أسئلة كثيرة ولكن الأكيد أن الجندي السوري في إدلب لا يفكر بها. هو يطبق هناك الشيء الوحيد الذي يعرفه: القتال.