ما بين الحماة والكنة يوميات عاصفة بالمشكلات والتحديات.. منافسة دائمة في مضمار الاستحواذ واستثناءات هاربة من عقدة الامتلاك

ما بين الحماة والكنة يوميات عاصفة بالمشكلات والتحديات.. منافسة دائمة في مضمار الاستحواذ واستثناءات هاربة من عقدة الامتلاك

أخبار سورية

الجمعة، ٢٤ أبريل ٢٠١٥

عندما تدخلت حماة رانيا في اختيار ثوب زفافها وأثاث منزلها، انتابها شعور بالخوف من المشاكل التي قد تحدث بينها وبين زوجها فيما لو تدخلت حماتها في كل شاردة وواردة في حياتهما الزوجية، وما عزز مخاوف رانيا، كما حدثتنا هي، الأقاويل والأمثال، بل حتى التجارب الحقيقية المليئة بالمشاحنات والخلافات التي انتهى بعضها بالطلاق، تلك العلاقة بين الحماة والكنة كانت ولاتزال مثار جدل في طبيعتها الاستثنائية التي تجمع شخصيتين من جيلين مختلفين، تحملان وتتقاسمان أفكاراً وقناعات مختلفة.. رجل هو ابن لإحداهن كان في ظل رعاية والدته يطيعها ويأخذ برأيها، وينتهي عما تنهيه عنه، وأصبح فجأة زوجاً للأخرى، وبدأ حياة مستقلة معها تقوم على تأسيس عائلة جديدة لها آراؤها وقناعاتها، ما يجعل عملية التواصل بين الحماة والكنة صعبة نوعاً ما، لكنها غير مستحيلة، إنما تحتاج استيعاباً، وإرادة حقيقية لدى الطرفين في أن تكون العلاقة بينهما جيدة وناجحة.

أبيض وأسود
وبالعودة إلى رانيا فإن المخاوف التي حدثتنا عنها، والتي راودتها يوماً ما قد تبددت مع الأيام، وذلك عندما اكتشفت رانيا أسباب تدخل حماتها في بعض المسائل التي تكمن في الحفاظ على أسرة ابنها الجديدة، والمساهمة في تنشئة تلك الأسرة على أحسن وجه، وما أكد لرانيا ذلك، كما تقول، هو اصطفاف حماتها إلى جانبها في كثير من المشاكل التي كانت تحدث بينها وبين زوجها، ومنعها من ترك بيتها ومغادرتها له، بل كانت تفرض على ابنها الخروج من المنزل حفاظاً على كرامتها.. تلك هي حماة رانيا، وهي مثال لكثير من الحموات اللواتي استطعن كسب ود وثقة كناينهن، ولكن بالمقابل هناك من لم يستطعن التحرر من عقدة الامتلاك والسيطرة على الابن، والتي أفقدتهن القدرة على تقبل وجود شخص آخر يشاركهن ذلك الابن في كل تفاصيل حياته، فحماة سمر مثلاً امرأة كبيرة بالسن، كما تقول سمر، وزوجها أيضاً تجاوز الأربعين من عمره عندما تزوجته سمر، لم تستطع سمر كسب ود حماتها، وعلاقتها الزوجية تشوبها الكثير من الخلافات التي أرجعتها إلى تدخل حماتها بشكل سلبي في كل صغيرة وكبيرة، وسعيها الدائم لزرع الحقد في نفس ابنها على زوجته.
وترى هنا الدكتورة في علم الاجتماع رشا شعبان بأن السبب الأساسي في تلك العلاقة المشحونة والمتوترة بين الحماة وكنتها  هو عدم القدرة على التفريق بين مشاعر الحب والتملك في العلاقة مع الطرف الآخر، وكذلك الزوجة التي بذهنها الاستحواذ على الزوج، وأهم أهدافها تخليصه من سيطرة الآخرين، واستقلاله برأيه وقراراته، ومن الأهمية بمكان النظر إلى العلاقة بين الحماة والكنة نظرة الأم إلى ابنة جديدة، وكذلك إحساس الزوجة بأم زوجها على أنها أم ثانية، وألا تكون العلاقة بمثابة التنافس والصراع على الرجل، بل حالة محبة واحتضان وللأسف.

أفكار مغلوطة وعادات موروثة
تسود مجتمعنا، للأسف، أفكار مغلوطة تشبعت من تقاليد وعادات موروثة، وأمثلة وحكم شعبية تناولت العلاقة بين الحماة والكنة بطريقة بشعة، وأطلقت أحكاماً مسبقة على الحماة، ووصفتها برأس المشاكل، وأن الزوجة كذلك ستثير المكائد، وستبدأ الخلافات، وتؤكد شعبان على أنه كلما تمتعت الأم بالاستقلال والتحرر والوعي استطاعت التفكير بطريقة إيجابية تجاه كنتها، وكذلك الزوجة بقدر ما تكون ذكية ومرنة تستطيع استيعاب أم زوجها، والتعامل معها على أنها حامية للعلاقة الزوجية، وتحسسها بأنها لم تأت لتسلبها ابنها، إنما أتت معه هدية من الابن للأم، ومن المهم، كما أشارت شعبان، ابتعاد الأم عن التسلط في العلاقة، والتعامل مع الابن الذي تزوج على أنه غير قادر على الاختيار بمعزل عنها، والذي ستعتبره الزوجة تدخلاً في شؤونها الشخصية، وذلك مرده في الأساس إلى التربية، وتنشئة الأولاد التي يجب أن تكون مبنية على أساس إعدادهم ليكونوا رجالاً في المستقبل، وليسوا أطفالاً تابعين لها، فالأم لن تدوم لابنها، لذلك عليها تأسيس شخصية قوية واثقة، وأن تفرّق بين محبتها لابنها وتملّكها له، وعلى الزوجة بالمقابل التفريق بين احترامها لرأي حماتها، وعدم تنفيذها لذلك الرأي، ولا شك بأن الزوج يلعب دوراً كبيراً في إنجاح العلاقة عندما يحب زوجته ويدللها ويلبي متطلباتها، وكذلك يحافظ على علاقته مع أهله، ويتردد على أمه، ولا يقصّر في واجباته تجاهها، عندها سيتمكن من تجاوز أية مشكلة عائلية، وسيخلق جواً عائلياً مليئاً بالمحبة والتسامح.

مفاتيح النجاح
إن المعاملة الطيبة، والإنصاف في الحقوق والواجبات، وحسن النية، هي مفاتيح نجاح أية علاقة اجتماعية، وإن برّنا بأزواجنا وبأهلهم ليس بعدد مرات الاتصال أو الزيارة، وإنما يكون بالعدل بين والدتي وحماتي، وعدم التفريق بينهما في المعاملة، وان إقناع الزوجة أهل الزوج بها إنما يكون بمعاملتها الحسنة، ومراعاتها لحماتها التي هي بمقام أمها، وهي مهما وجّهت من انتقادات، أو عبّرت عن آراء تبقى امرأة كبيرة في السن، ويجب عليها احترامها وتقديرها وطاعتها ضمن الحدود الممكنة، وفي غير معصية.

فاطمة كنايسي