تدهور أحوال مربي الأبقار بسبب رداءة الأعلاف وانخفاض سعر الحليب في حماة..شركات الألبان: 75% من تكلفة إنتاج مشتقات الألبان للنقل

تدهور أحوال مربي الأبقار بسبب رداءة الأعلاف وانخفاض سعر الحليب في حماة..شركات الألبان: 75% من تكلفة إنتاج مشتقات الألبان للنقل

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٢ أبريل ٢٠١٥

إن مهمة تأمين الأعلاف الكافية لمربي الأبقار تفوق قدرة المؤسسة العامة للأعلاف ودخول معامل الأعلاف الخاصة السوق كشريك لتأمين الأعلاف لم يعط نتائج مرضية من ناحية توفير نوعية جيدة من المواد العلفية بأسعار مقبولة بسبب عدم توافر رقابة فعالة على إنتاج الأعلاف، وهكذا انعكست رداءة الأعلاف على صحة الأبقار،

 وعلى مردودية الحليب، زد على ذلك أن سعر استجرار الحليب من المربين انخفض بشكل كبير مقاربة بأسعار الأعلاف، وقد أدت هذه التراكمات إلى تدهور أوضاع المربين ودخل بعضهم في طور الخسارة، في حين لايزال تجار الحليب وشركات تصنيع الألبان يرجعون سبب تدهور أسعار الحليب إلى ارتفاع تكاليف النقل والخزن والتبريد، علماً بأن أسعار مشتقات الألبان لاتزال مرتفعة في السوق المحلية، فلماذا وصل مربو الأبقار إلى هذه الحالة المريرة؟ وما انعكاسات ذلك على قطاع تربية الأبقار الذي يشمل /99114/ رأساً في محافظة حماة؟
الأعلاف الخاصة تجذب المربين
كان مربو الأبقار قبل عدة سنوات يستنجدون بالجهات المعنية بالثروة الحيوانية لتوفير الكميات الكافية من المقننات العلفية التي توزعها المؤسسة العامة للأعلاف من إنتاج معامل أعلاف الدولة، ولم تستطع هذه الجهات تلبية مطالب المربين وقتها لأن طاقة إنتاج معامل أعلاف الدولة محدودة مقارنة مع احتياجات الثروة الحيوانية، وكان المربون يشكون على الدوام من النتائج غير المرضية لمواصفات الأعلاف المنتجة في معامل الأعلاف الخاصة التي تتسبب بانحراف صحة الحيوان، وانخفاض إنتاجية الحليب، واليوم بعد مضي هذه السنوات لم تتغير كميات المقنن العلفي الذي توزعه مؤسسة الأعلاف، ولايزال المقنن العلفي لا يكفي ربع احتياجات الثروة الحيوانية، ولكن تحولت رغبة المربين إلى التوجه لشراء الأعلاف من إنتاج المعامل الخاصة، وتراجعت الرغبة بشراء أعلاف الدولة، علماً بأن سعر كيلو أعلاف الدولة في منافذ بيع المواد العلفية يتراوح بين /45-55/ ليرة سورية، بينما يُباع كيلو أعلاف المعامل الخاصة بسعر /80-90) ليرة، فما هي أسباب هذا التغير برغبة المربين؟
مربي الأبقار محمد بازو قال: إن مردودية أعلاف معامل مؤسسة الأعلاف من الحليب منخفضة، وأعتقد أن ذلك يعود إلى زيادة نسبة النخالة والشعير، وانخفاض نسبة البروتين في هذه الأعلاف، وفي المقابل فإن  أعلاف المعامل الخاصة تحقق إنتاجية مقبولة من الحليب، لكن بعض هذه الأعلاف يتسبب بأمراض هضمية للأبقار نتيجة زيادة المواد الدخيلة على هذه الأعلاف كالرمال والأتربة وبقايا بعض المحاصيل الزراعية، علماً بأن أسعار أعلاف المعامل الخاصة تزيد بمعدل 45% عن أسعار أعلاف الدولة، وتالياً فإن مربي الأبقار يعيش في جو من التجاذبات لتأمين المادة العلفية، وهذه التجاذبات تدفع بالكثير من المربين لتقديم عليقة علفية غير متوازنة لحيواناتهم، وقد اضطر بعض المربين لبيع جزء من أبقارهم، إذ ليس بإمكان المربي الاستمرار بتجهيز خلطة علفية متوازنة (ذرة- قشرة- نخالة- فول) في منزله لأن مواد الخلطة غير متوافرة باستمرار في السوق، إضافة إلى ذلك فإن تكلفة هذه الخلطة تفوق سعر العلف الجاهز بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية، فما هي نوعية الأعلاف المتوافرة في السوق المحلية؟
أعلاف تتسبب بنفوق الأبقار
يروي الدكتور البيطري يونس برهوم أن بعض الأعلاف المتوافرة في السوق المحلية تتسبب بأمراض هضمية لقطيع الأبقار، إذ يحصل فتلان بمعدة البقرة، وترتبط نسبة شفاء البقرة المصابة بهذا المرض بدرجة فتلان المعدة، وقد حصل نفوق بعض الأبقار نتيجة هذا المرض.
بدوره المهندس توفيق خوري- مدير معمل أعلاف كفربهم العائد للمؤسسة العامة للأعلاف أكد أن المعمل توقف عن إنتاج علف الكبسول منذ ثلاث سنوات بسبب عدم توافر المواد الأولية له، وقد اقتصر إنتاج المعمل على الخلطة العلفية (جريش)، وهي خلطة علفية نموذجية مكونة من 40% شعير و48,5% نخالة و10% ذرة صفراء و1,5% نحاتة وملح، وما يلفت الانتباه أنه رغم توقف معمل كفربهم عن كبسلة العلف لاتزال بعض منافذ بيع المواد العلفية تعرض في واجهاتها أكياس علف جاهز حلوب (كبسول) على أنها إنتاج معامل أعلاف الدولة، ويُباع الكيس بسعر /2950/ ليرة سورية، بينما يُباع كيس العلف إنتاج المعامل الخاصة المماثل بسعر 4400- 4500 ليرة، فما هي المسؤولية التي تتحملها الجهات الرقابية في كبح هذه المخالفات؟
الدكتور حسن العثمان- مدير الثروة الحيوانية في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب قال: تأخذ المديرية بالتعاون مع عناصر التموين عينات من الأعلاف في منافذ بيع المواد العلفية، ويتم تحليلها في مخابر وزارة الزراعة، والمؤسف أن تلك التحاليل بيّنت أن نسبة العينات المخالفة للمواصفات القياسية السورية تتراوح بين 35%- 65% من  إجمالي العينات المقطوفة، وتشمل المخالفات نقصاً في البروتين والفيتامينات (A-E) وزيادة في نسبة الرمال والأتربة، وبعض العينات فيها زيادة في البروتين نتيجة الغش في اليوريا، ويدعى هذا بروتيناً كاذباً، وتتسبب هذه المخالفات بتراجع إنتاج الحليب عن الإنتاج الطبيعي، كما تؤدي إلى تلبك في الهضم وحدوث الإسهالات وحالات التسمم الغذائي في الثروة الحيوانية، ولفت العثمان إلى أن مديرية الثروة الحيوانية ستعمد في الفترة القادمة إلى نشر نتائج تحاليل العينات في لوحات إعلانات الأقسام الحقلية والوحدات الإرشادية ليتم إعلام المربين بالعينات المخالفة والمعامل المنتجة لهذه الطبخات العلفية المخالفة للمواصفات، وهذا الإجراء يعتمد رديفاً للإجراءات المتبعة من قبل الجهات المعنية بحق معامل الأعلاف المخالفة.
العلف الرديء مصيدة المربين
مربي الأبقار يوسف صارم قال: إن كلام المعنيين في الجهات الرقابية المعنية بمواصفات الأعلاف يتضمن إقراراً بالعجز عن تحقيق نتائج ملموسة تضمن التزام معامل الأعلاف ومراكز البيع بالمواصفات القياسية، وهذا يعني أنه ترك للمربي أن يتولى اختيار نوعية الأعلاف من المتوافر في السوق المحلية، والمربي يعتمد في تمييز العلف الجيد على التجريب، فالعلف الجيد إدراره للحليب أعلى، ويصل معامل التحويل العلفي فيه إلى إنتاج 2- 2,2 كيلو حليب مقابل كل كيلو علف يقدم للبقرة، ومن الممكن أن يكتشف المربي الأعلاف الضارة بصحة الحيوان بعد مضي أسابيع على تقديم هذه الأعلاف للحيوان من خلال ظهور أعراض مرضية على الحيوان، ولكن قد يأتي هذا الاكتشاف متأخراً بعد نفوق الحيوان، ويكون المربي قد وقع في مصيدة العلف المغشوش، ولاسيما أن سعر الرأس الواحد من الأبقار يتراوح بين 300000- 500000 ليرة، وخسارة رأس واحد من الأبقار بالنسبة للمربي الذي يقتني عدداً محدوداً من الأبقار 1-3 أبقار تشكل مشكلة يصعب على المربي تجاوزها إلا بعد مضي سنوات، حيث تنتج بعض معامل الأعلاف عدداً من الطبخات العلفية المطابقة للمواصفات، وبين هذه الطبخات طبخة مخالفة للمواصفات.
لنكن واقعيين إذاً، إن إخفاق الرقابة على صناعة الأعلاف يزيد مستوى المخاطر التي تشكلها رداءة الأعلاف على مربي الأبقار، والحديث عن قطف عينات من الأعلاف وتحليلها كلام لا يحقق نتائج مرضية لأن المعامل المخالفة مستمرة في إنتاجها للأعلاف المخالفة، ويظهر ذلك جلياً من نسبة العينات المرتفعة المخالفة للمواصفات ، علماً بأن تكلفة تحليل العينة في مختبرات وزارة الزراعة تزيد على 35 ألف ليرة ، ولنضف إلى ذلك أنه من غير المنطقي أن تستغرق إجراءات تحاليل عينات الأعلاف مدة تزيد على شهرين، لأن هذا وقت كبير بالنسبة لمعامل الأعلاف التي تنتج كميات كبيرة من الأعلاف يومياً، والمعمل المخالف يغرق السوق بمئات الأطنان من الأعلاف المخالفة قبل أن تظهر نتائج تحليل العينات، ومن جانب آخر ليس من الطبيعي أن يحتكر عدد محدود من المعامل الخاصة إنتاج علف الكبسول، وأن يغرق السوق بكميات من الأعلاف على أنها أعلاف دولة تمت إعادة كبسلتها في هذه المعامل، في حين يقتصر إنتاج معامل الدولة على الخلطة المجروشة التي تحولت في بعض المناطق إلى مادة أولية للتجار ومعامل الأعلاف الخاصة!..
تسعيرة الحليب تقارب التكلفة
يصل معدل الاستهلاك اليومي للرأس الواحد من الأبقار الحلوبة من العلف إلى 10-12 كيلوغرام علف جاهز حلوب بقيمة 860- 1032 ليرة، و8-10 كيلوغرامات تبن بقيمة 400-500 ليرة، إذ تصل تكلفة الرأس الواحد من الأبقار الحلوبة من العلف إلى ما يتراوح بين 1260- 1532 ليرة في اليوم، ويقابل ذلك إدرار للحليب بمعدل 25 كيلوغرام حليب ويُباع إلى تاجر تجميع الحليب بسعر 60 ليرة للكيلو، وتالياً فإن مردود الحليب بعد احتساب قيمة العلف يصل إلى 1500 ليرة يومياً.
ويعلل مربي الأبقار يوسف صارم قبول المربي بهامش ربح 140 ليرة للرأس في الوقت الحالي بأن المربي يشتري كيلو التبن عند موسم الحصاد بسعر لا يتجاوز 20 ليرة، بينما يصل سعر الكيلو في الوقت الحالي إلى 50- 60 ليرة، كما يستفيد المربي من بيع ولادات الأبقار كل عامين بقيمة تتراوح بين 50-150 ألف ليرة للرأس، ولكن –والكلام للمربي يوسف صارم- من الظلم المفرط لمربي الأبقار أن يشتري تاجر الحليب إنتاج الحليب بسعر 60 ليرة للكيلو، حيث يقترب هذا السعر من تكلفة إنتاجه!..
مربي الأبقار مشهور اسماعيل قال: أملك مزرعة لتربية الأبقار الحلوب، تقدّر قيمة الموجودات فيها بما يتراوح بين 8-10 ملايين ليرة، تتضمن المزرعة /22/ رأس بقر، منها /12/ بقرة حلوباً في الوقت الحالي، وقد انخفضت عائدات المزرعة الشهرية من /130/ ألف ليرة إلى 25-45 ألف ليرة بسبب انخفاض سعر الحليب وارتفاع أسعار الأعلاف، وقد دخل بعض مربي الأبقار في طور الخسارة لأن أسعار الحليب لم تعد تكفي لتسديد قيمة الأعلاف التي يستجرها المربي من تجار الحليب، وأغلب مربي الأبقار لا يمكنهم التوقف عن بيع الحليب لتجار تجميع الحليب لأن المربين لا يملكون السيولة المالية الكافية لشراء الأعلاف نقداً من السوق المحلية، ولكن إذا استمر تدهور أسعار الحليب في الفترة القادمة لن يكون أمام المربين إلا طريق واحد يسلكونه وهو تصنيع مشتقات الألبان من الحليب في منازل المربين، وهذا يحقق أرباحاً تعادل ضعف عائدات بيع الحليب الخام للتجار، ولكن لا تتوافر أسواق لتصريف هذه المنتجات باستمرار وليس لدى المربين وسائل التبريد لخزن المنتجات.
التجار والمعامل يشكون الخسارة
«حسين -إ» تاجر تجميع ونقل حليب قال: أعمل منذ سنوات في مجال تجميع الحليب من المربين وتبريده ونقله إلى معامل الألبان في دمشق واللاذقية وحماة، ويتراوح معدل الربح بالكيلو الواحد من الحليب بين 5-10 ليرات، وينخفض هذا الربح إلى الصفر في بعض الأوقات، إذ أستجر كيلو الحليب الآن بسعر 60 ليرة، وأبيعه للمعامل بسعر 65 ليرة، والربح المحقق لا يساوي تكلفة التجميع والتبريد والنقل، ومع ذلك لا يمكنني التوقف عن استجرار الحليب من المربين حيث تحسم معامل الألبان قيمة المياه في الحليب، كما تحسم ليرة واحدة عن كل درجة دسم في الحليب تنخفض عن نسبة الدسم 3,3%، ومتروك لمعامل الألبان تحديد تسعيرة شراء الحليب بلا حسيب ولا رقيب، وإذا توقف أي من المعامل التي أنقل الحليب لها عن استقبال الحليب يوماً واحداً تسبب بمشكلة في تسويق المادة، إذ يضطر تاجر الحليب للبحث عن ورشات تصنيع لتسويق هذه الكمية من الحليب، وفي المقابل فإن تاجر الحليب يحقق ربحاً مقبولاً من الكميات التي يوردها إلى ورشات التصنيع الصغيرة التي تستجر الحليب بأسعار أعلى من أسعار المعامل، لكن هذه الورشات تستجر كميات قليلة من الحليب بسبب ضعف سوق تصريف منتجاتها مقارنة بسوق تصريف معامل الألبان التي تسوق منتجاتها إلى الدول المجاورة.
غانم الراس- مدير شركة خاصة للألبان، قال: إن سعر الحليب يرتبط بالعرض والطلب على منتجات الألبان، وقد انخفض سعر كيلو الحليب في الفترة الحالية إلى 65-70 ليرة بعد أن وصل سعر كيلو الحليب إلى 90-100 ليرة، وذلك بسبب القيود التي فرضتها وزارة الزراعة اللبنانية على استيراد منتجات الألبان السورية، ونتيجة ارتفاع أجور النقل، إذ ارتفعت أجور الشاحنة حمولة 25طناً إلى الكويت من 2000 دولار إلى 6000-7000 دولار، وبلغت أجرة الشاحنة من اللاذقية إلى دمشق 250 ألف ليرة، حيث تشكل أجور النقل 75% من التكلفة، كما ارتفعت أسعار مستلزمات الإنتاج، إذ بلغت قيمة العبوة المعدنية الفارغة المعالجة 500 ليرة، وبالنسبة للسوق المحلية تأثر تصنيع الأجبان بانقطاع الكهرباء وارتفاع تكلفة التبريد بالديزل... ولفت الراس إلى أن دسم الحليب المورد للشركة منخفض 2,5%-3% مقارنة بالحليب اللبناني الذي يصل دسمه إلى 3,8%- 4% وذلك بسبب رداءة نوعية العلف المستخدم لتغذية الأبقار وبسبب تخزين وجبة الحليب المسائية حتى الصباح لنقلها إلى معامل الألبان لأن نقل الحليب توقف خلال الليل بسبب الظروف الأمنية. وأشار الراس إلى أن سعر كيلو جبن الغنم (عكاوي) انخفض في الفترة الحالية من 450 ليرة إلى 300- 350 ليرة، وذلك بسبب انخفاض أسعار الحليب وأن هذه الأسعار مرشحة للانخفاض في الفترة القادمة.
وأخيراً
إن رداءة نوعية العلف المتوافر في السوق المحلية وانخفاض سعر استجرار الحليب من مربي الأبقار مقارنة بتكلفة إنتاج الحليب دفع بالكثير من المربين لبيع أبقارهم للتجار الذين يعمدون لتهريبها إلى لبنان وتركيا، ولمواجهة هذا الواقع المرير لابدّ من الانتباه إلى ضرورة فرض رقابة فعالة على تصنيع الأعلاف، والعمل على إنشاء معامل لتصنيع الألبان في مناطق الإنتاج توفر منتجات بأسعار مقبولة بما يحقق مصلحة المربي والمصنع والمستهلك.
علي شاهر أحمد - تشرين