تكتيك جديد لاستعادة إدلب

تكتيك جديد لاستعادة إدلب

أخبار سورية

الجمعة، ١٧ أبريل ٢٠١٥

في مقالاتٍ سابقة مرتبطة بسيطرة الجماعات المسلّحة على مدينة ادلب، كان رأيي أنّ ما حصل هو كمين إستراتيجي سواء كان معدًّا ضمن خطّة مسبقة للجيش العربي السوري أو كنتيجة للعمليات العسكرية يمكن إستثمارها والبناء على معطياتها التي ترتبط بشكل اساسي بالعاملين الإستخباراتي والعسكري، واللذين باتا قاعدةً أساسية في أي عمليات ينفذها الجيش العربي السوري سواء كانت عملية هجومية أوعملاً دفاعياً بحتاً.
ولأنّ ما جرى البارحة في محيط إدلب يذهب باتجاه التأكيد على أنّ أنماطاً جديدة من العمليات دخلت على خط إدارة المعركة من خلال العمليات السريعة والحاسمة التي قامت بها وحدات النخبة في الجيش العربي السوري والتي تستهدف أمرين هامين جدًا:
1- توسيع نطاق الأمان حول مواقع تمركز الجيش الحاليّة من أريحا وصولاً الى جسر الشغور.
2- تشكيل قوس جديد للإنتشار يعتمد على ثلاثة نقاط ارتكاز رئيسية:
- نقطة الوسط الممتدة من المسطومة وتل المسطومة الى اريحا ونقاط السيطرة في جبل الاربعين.
- نقطة معسكر القرميد والتي يتّم تطوير العمليات الهجومية منها باتجاه الشرق والشمال الشرقي، وأقصد بلدات قميناس وتلّها والنيرب وسرمين وصولاً الى بنّش التي تقع شمال شرق مدينة ادلب.
- نقطة اريحا كفرنجد ونحليا والمقلبة التي تمت السيطرة عليها البارحة والتي يمكن تطوير الهجوم منها باتجاه كورين غرباً.
إزاء هذا الوضع الجديد، أصبح الجيش العربي السوري يملك ثلاثة اتجاهات هجوم رئيسية ستُجبر الجماعات المسلّحة على إعادة نشر قواتها المُحشدة في مدينة ادلب، ما سيعرّضها لضربات المدفعية والطيران وهي في حالة المسير او البدء بتنظيم خطوط دفاع لها عند الحدود الخارجية لمدينة ادلب للتعامل مع أي عمليّة هجومية للجيش العربي السوري.
من خلال العمليات التي ينفذها الجيش العربي السوري صار واضحاً أنّ الإندفاع الى الشرق والشمال الشرقي مؤكداً، وهو ما سيضع الجماعات المسلّحة في بنّش في مواجهة مباشرة هذه المرّة مع الفوعة شمالاً وقوات الجيش المتقدمة من الجنوب بعد إنجاز السيطرة على النيرب وسرمين، والتي لن تبدأ العمليات باتجاههما إلّا بعد إحكام السيطرة على تل قميناس وبلدة قميناس.
كذلك فإنّ الإندفاع من المسطومة كرأس سهم اساسي سيهدد الجماعات المسلّحة في إدلب مباشرةً، ولا نعرف اذا ما كان في نيّة الجيش العربي السوري استكمال عملياته باتجاه كورين غرباً والصعود الى الشمال الغربي للوصول مجدداً الى الفوعة وكفريا التي باتت مطوقة بعد انسحاب الجيش من إدلب.
إنّ هذه العمليات قد تتمّ دون إحداث تماس مباشر مع مدينة إدلب، وربما يتم بعد سلسلة مناورات ميدانية بالحركة والنار بهدف تضليل الجماعات المسلّحة وإعمائها عن خط الهجوم الرئيسي لإجبارها على توزيع قواتها على اكبر مساحة جغرافية ممّا يضعها في فخ الجغرافيا المفتوحة ويعرضها للعزل والهزيمة.
وبمعزل عن سير العمليات المباشر، فإنّ أهداف الجماعات المسلّحة في السيطرة على إدلب لم تعد بالأهميّة التي أرادتها إذا لم تستطع هذه الجماعات الحفاظ على الجغرافيا التي سيطرت عليها.
وفي مقاربة سريعة لوضع هذه الجماعات التي انقسمت سريعاً بعد سيطرتها على إدلب والتي توحدّت تحت مسمّى "جيش الفتح" ستعاني ممّا عانته سابقاً في كل معاركها، وهو عدم وجود قيادة موحدة وغرفة عمليات متجانسة فلكل من هذه الجماعات أهداف تختلف عن الأخرى، إضافةً الى أنّ عامل الخرق الإستخباراتي سيكون له أبعاد ستساهم كما ساهمت في كل مرّة في إضعاف وتشتيت قوّة هذه الجماعات.
ميدانياً: معركة إدلب التي تخوضها قوات مجربة من الجيش العربي السوري والتي حظيت بمتابعة مباشرة من كبار الضباط وعلى رأسهم رئيس الأركان الذي قام بزيارة الوحدات المرابطة هناك تتجّه باتجاه إعادة السيطرة، ولكن هذه المرّة على مساحات جديدة خارج سيطرة الجيش السابقة.
وقد يعمد الجيش الى خيارات استراتيجية كبيرة انطلاقاً من فهم الخلفية التي جرت فيها معركة الهجوم على إدلب والتي خطّط لها ضباط كبار في غرفة العمليات العسكرية في تركيا، والتي تستخدم هذه الجماعات في معارك موضعية لأهداف استراتيجية مرتبطة بالبعد الشامل للمعركة وعلى رأس هذه الأهداف الوصول الى الساحل السوري وليس المحيط المباشر للمعركة، وباعتقادي أنّ هذا الأمر بات صعب التحقيق في ظل قدرة الجيش العربي السوري على التعامل مع المفاجآت الميدانية واستثمارها للإنطلاق من حالة الدفاع الى حالة الهجوم.
ختاماً: لا يستطيع أحد معرفة التفاصيل الدقيقة لخطط الجيش العربي السوري، ولكننا بالتأكيد أمام عملية كبيرة وحاسمة لا ندري إن كانت ستنفّذ في اندفاعة واحدة أو باندفاعات متعددة وهو أمر يرتبط بمدى المعلومات التي تمتلكها وحدات القتال في الجيش العربي السوري وطبيعة انماط الدفاع التي ستنظّمها الجماعات المسلّحة، وإن كنت أميل الى أنّ هذه الجماعات لن تستطيع الإحتفاظ بإنجازاتها التي حققتها سابقاً وهو ما سينعكس سلباً على معنويات هذه الجماعات، آخذين بعين الإعتبار اي تطورات مفاجئة يمكن ان تعجّل او تؤخّر سير العمليات العسكرية في ادلب ومحيطها.