المعركة في السلمية والهدف حلب..

المعركة في السلمية والهدف حلب..

أخبار سورية

الأحد، ٢٢ مارس ٢٠١٥

 عندما نتحدث عن الحرب في سورية فإننا نتحدث عن حربٍ لا تشبه أي حرب عبر التاريخ من حيث أنماطها وتداخل الجبهات فيها لدرجة كبيرة من التعقيد، سواء لجهة إدارة هذه الحرب أو نتائجها حتى اللحظة.
فمن المعروف أنّ أي جيش نظامي، أقله في التاريخ العسكري المعاصر، لم يستطع الصمود في مواجهة مجموعات تعتمد على الإنتشار المتباعد وتستخدم أنماط الكمائن والانتقال في عملياتها من التجمعات السكانية الى استهداف الجيش الذي تتحرك قواته عادةً في أرتال أو تتموضع في مواقع وثكنات عسكرية.
كما لم يستطع أي جيش أيضاً الصمود في وجه الانتفاضات الشعبية مهما تعاظمت قوته ومهما كان قمعياً ووحشياً، نظراً لصعوبة التعامل مع هذه الحالة في عصر الاتصالات التي تنقل فيها وسائط الاتصال، بما فيها الهواتف المحمولة، المشهد في لحظته.
ولو أنّ ما ذكرته ليس مجال بحثي الحالي، إلّا أنه يشكّل المقدمة الضرورية لمجال البحث، حيث استمر الجيش العربي السوري لفترة سنتين كاملتين يعتمد طريقة تلقي الصدمات والإنكفاء الى الدفاع السلبي، خسر خلالها مساحات واسعة من الجغرافيا وقدرة السيطرة عليها وشكلت السيطرة الجديدة للجماعات المسلّحة مخاطر جدية على العاصمة دمشق وأغلب المدن الكبرى في كل سورية.
إلّا أنّ المشهد بدأ يتغير مع استطاعة الجيش السوري تحرير حي باب عمرو في مدينة حمص، والذي شكّل بداية مرحلة الهجوم المضاد والتي تستمر حتى لحظة كتابة هذه السطور.
خلال سنتين من الزمن، ومنذ أواخر آذار 2013 موعد تحرير باب عمرو، والجيش العربي السوري يخوض مرحلة الهجوم المضاد والتي أدّت الى تحقيق النصر الاستراتيجي، وهو ما نعني به سيطرة الجيش على أغلب المناطق الحيوية للدولة والتي تشمل العاصمة والمدن الكبرى مع كامل المنطقة الساحلية، وإنجازات كبرى في ارياف حلب وحماه وحمص ودمشق والحسكة والمنطقة الجنوبية.
إلّا أنّ أهم الإنجازات كانت دون أدنى شك هي تحرير أرياف حمص وتل كلخ والقصير والقلمون، وصولًا الى بسط السيطرة على مثلث ربط رئيسي بين محافظات ريف دمشق بالقنيطرة ودرعا التي لا تزال العمليات فيه مستمرة.
بالعودة الى عنوان الموضوع، شكّلت العملية التي انطلقت من السلمية مروراً باثريا وخناصر فالسفيرة، وصولًا الى فك الحصار عن أحياء حلب الغربية وما نتج عنها من عمليات لاحقة تدور رحى معاركها الآن في منطقة حندرات ضربة كبيرة للجماعات المسلّحة، وهو ما سيمكّن الجيش العربي السوري بعد استكمال المعارك الدائرة في حندرات من السيطرة على الممر الوحيد للجماعات المسلحة الى أحياء حلب الشرقية وهو طريق الكاستيلو.
وبهذا الصدد حاولت الجماعات المسلحة وعلى مدى سنة كاملة أن تحدث خرقاً في خطوط الجيش العربي السوري يمكنها من قطع طرق إمداده الى حلب، سواء في الراموسة او في منطقة معامل الدفاع، ولكنها لم تفلح حتى اللحظة في تنفيذ الأمر بمقابل سيطرة متتالية للجيش العربي السوري على أماكن استراتيجية للجماعات المسلحة تتجه نحو قطع خطوط إمداد هذه الجماعات نحو العمق التركي.
واستكمالاً لمعارك قطع خطوط الإمداد قامت الجماعات المسلحة في ريف السلمية بتنفيذ هجوم كبيرعلى قرية الكافات وكتيبة الدفاع الجوي في منطقة زوير السوس، تم عبر محاولة دفع عربتين انتحاريتين وأكثر من 800 مقاتل من الجماعات المسلّحة بقيادة جبهة النصرة.
ما حاولت الجماعات المسلحة القيام به يأتي ضمن خطة أعدّت في غرفة العمليات التركية وهدفها قطع المفصل الرئيسي لطريق السلمية، وبالتالي قطع الطريق نحو حلب لأنّ الطريق من سلمية الى حلب يمر حكماً في قرية الكافات وهي في الجهة الشرقية لمدينة حماه التي ترتبط بالساحل السوري.
إنّ النظر الى خارطة العمليات يؤكد انطلاق الهجوم من قرى جنان وجرنايا والرملية في أكثر من محور هجوم استهدف قرية الكافات بعربة مفخخة تم تفجيرها من بعيد انطلقت من قرية جنان، وبعربة أخرى استهدفت حاجز كتيبة الدفاع الجوي عند زوير السوس. ومن الجدير الاشارة الى ان قرى جنان وجرنايا والرملية لا زالت ترتبط بخطوط امداد مع منطقة الرستن شمال حمص.
بمعزل عن سير العمليات الميدانية التفصيلية والتي جرت ضمن ظروف معقدة وبكلفة عالية، فلا زالت وحدات الجيش العربي السوري ممسكة بزمام الأمر ولا يزال الطريق الى حلب مفتوحاً، وهذا لا يعني أنّ المعركة انتهت عند هذا الحد فربما تكون المعركة عملية جس نبض واستطلاع بالنار وسيتبعها هجمات أخرى، خصوصاً أنّ الجانب التركي مصمم هذه الفترة على تغيير معالم المعركة في الشمال السوري حيث يتم التحضير لشن هجوم كبير على مدينة ادلب بهدف السيطرة عليها بالموازاة مع معارك أخرى.
بتقديري، فإنّ هذه الجماعات المسلحة التي تخوض معركة دفاعية منذ سنتين لن تستطيع خوض معارك هجومية تتجاوز النقطة، أو بالمعنى العسكري الهجمات التكتيكية والتي لن تستطيع أيضًا لمجموعة كبيرة من الأسباب أن تطور هذه الهجمات الى هجمات استراتيجية تغير في خرائط السيطرة.
إلّا أنّ ذلك لا يعني الاستهانة بهجمات هذه الجماعات خصوصاً في المناطق ذات طبيعة التداخل في الجبهات، كجبهة سلمية والطريق الممتد منها الى حلب، حيث لا تزال هذه الطريق محاطة بالكثير من التجمعات التي تشكل ملاذًا للجماعات المسلحة ويمكن منها الانطلاق لمهاجمة الطريق والسيطرة على نقاط فيه أو قطعه بشكلٍ مؤقت، وربما لفترات تؤثر على سير العمليات العسكرية.
ومن هنا لا بدّ من الانتظار لفترات طويلة ربما حتى يتم حسم القتال في مناطق تشكل شريان إمداد لهذه الجماعات، ورغم معرفة المخطط التركي أنّ هذه الهجمات لن تغير في الميدان إلّا أنه يحاول القيام بالأمر، لمعرفته أنّ خططاً يتم وضعها من قبل ديميستورا لتجميد القتال ربما في كل منطقة الشمال السوري، وما تسعى اليه تركيا حالياً هو التحكم بعقد المواصلات والإمداد في ادلب وحلب كأكبر مدينتين في شمال سورية بهدف الحصول على امتيازات ثابتة اذا ما تم تجميد القتال واستخدامها كأوراق ضغط وتفاوض.
ختاماً: لن تكون معركة سلمية المعركة الأخيرة في هذه الفترة الضاغطة، ومن المؤكد أنّ الجماعات المسلحة ستعمد الى تكرار عملياتها وتوسيعها في الفترة القادمة لتحسين شروط موقعها لدى مشغليها وداعميها، وبالتأكيد أيضاً سيكون للدولة السورية وجيشها كلام وإجراءات تمنع الطموحات التركية والجماعات المسلحة من التحقق.