حالات العنف وآثاره.. الإجهاض القسري والزواج المبكر من أنواع العنف

حالات العنف وآثاره.. الإجهاض القسري والزواج المبكر من أنواع العنف

أخبار سورية

الخميس، ٢٦ فبراير ٢٠١٥

تسبب ضرب والدها المبرح لها بإعاقتها في ساقها التي انغمست فيها صفائح معدنية ترافقها طوال حياتها، ولأنها لا تستطيع -ابنة الخامسة عشرة من عمرها- أن تقدم شكوى ضد والدها الذي يقوم بضربها واستغلالها يومياً في ظل تهجير وفقر وعوز قررت الهرب وتركت خلفها رسالة تقول فيها: «لم أستطع التحمل أكثر من ذلك لذا قررت أن أسافر, «لم تبتعد المعنفة «م .ن» كثيراً عن محافظتها، بل التجأت إلى دار « واحة الأمل» في دمشق، التي قضت فيه ستة أشهر ريثما حصلت على عمل يكفيها لدفع أجرة غرفة تأوي إليها وتكمل دراستها الجامعية.

لم تكن قصتها رواية من نسج الخيال بل أصبحت حكايتها قصة تحتذي بها كل النساء المعنفات الموجودات في الدار كيف يحولن الضعف إلى قوة، فهل انتشر العنف أكثر في ظل الحرب والفقر والهجرة وعدم الأمان؟ وما الإجراءات ليتم التعامل مع حالات العنف؟ وكيف يتأثر الأطفال بحرب  شعواء لم تترك لهم سوى الدمار؟
ألعابهم سلاحهم
«محمد وعامر ورضوان» أطفال يحملون عصاهم على أنه سلاح وألعابهم البلاستيكية على أنها حواجز عسكرية يتناوبون عليها، يمثلون أدواراً رسختها «الحرب» معلمهم الأول الذي علمهم «بالملاحظة، والتقليد والعدوى» بحسب «نظرية التعلم الاجتماعي» التي تحدثت عنها  الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي الدكتورة آرليت القاضي والتي وضحت أن الأطفال  أصبحوا أنموذجاً للكبار، غيرت الحرب ملامح طفولتهم البريئة، فغدت ألعابهم الجماعية عدوانية، الأمر الذي يتحمله الأهالي في ردع أطفالهم للانغماس فيها، أما «أم عدنان» فوصفت أولادها أثناء لعبهم أنهم كالكبار في ساحة قتال، يرتدون الشال والقبعة ويتقاسمون الأدوار, أحدهم يمثل  دور الإرهابي وآخر يمثل دور الجندي، مرجعة -أم عدنان- السبب إلى العنف المشاهد عبر الإعلام، وما يتلقونه من أحاديث أثناء سماعهم أصوات القذائف، فعندما يسألونها  عما يدور حولهم تشرح لهم من دون تردد ولكنها تجد صعوبة في إعادة صياغة أفكار أطفالها على المدى البعيد.
الحرب الباردة تعيش فينا
أتت الحرب التي شوهت معنى طفولتهم ليرى الأطفال الدماء الحقيقية ، وقذائف الهاون التي تنهال عليهم في أي لحظة، ما  يخلق الخوف والرعب في نفوسهم،  لذا شددت الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي على دورالأهالي في شرحهم المفصل للطفل عن الأحداث وتقول: إن الطفل في عمر الثالثة يدرك معنى الموت، ويستطيع أن يفهم معنى العنف في الخامسة، لذا يجب توضيح ما يدور حوله من أحداث ليفرق بين  مفهومي الإرهاب وحق الدفاع عن النفس،  وترى أن العنف المعنوي هو كالحرب الباردة التي لها تأثيرات سلبية في شخصية الفرد، لذا لابد من مواجهة أي فكرة عنفية لدى الطفل ليتم توضيحها وردع سلبياتها بمساعدة الأهالي، فالعنف يولد العنف ولاسيما أن الحرب أخرجت الأطفال من  خيال الأفلام الكرتونية المحببة لديهم التي تدور في صراعها بين الخير والشر، ليصبحوا في واقع يصعب شرحه لهم وإن تجاهلنا الشرح سيصبحون أنانيين وعديمي الإحساس بالآخر، وعلينا فهم أن كل من يحمل السلاح ويهدد فيه الناس العزل يحمل في داخله الشعور بالنقص والتعويض.
اعتبارات قسرية
لم تعلم ضحى أن زوجها سيعارض حملها الرابع ليحجز لها في إحدى العيادات النسائية بالاتفاق مع طبيبتها لإجهاض جنين لم يبلغ الثلاثة أشهر، ومع ذلك خضعت الزوجة للأمر الواقع فكان منها أن تقتنع بالاعتبارات التي وضعها زوجها من ضيق العيش والتردي الاقتصادي للأسرة  والوضع الأمني وغيابه المتكرر عن البيت نتيجة عمله الإضافي وأسباب بالجملة أخرستها، وإن قلنا ان حالات الإجهاض القسري تعد نوعاً من أنواع العنف الجنسي، فإن الحمل المبكر نوع منه أيضاً، بحسب الاختصاصية في الصحة النفسية الدكتورة ليلى الشريف، إضافة إلى التحرش الجنسي الذي يشهده المجتمع حتى على صعيد اكتظاظ  الناس في الباص، فماذا إن كان يجمعهم سكن واحد،كمراكز الإيواء المكتظة بالمهجرين من جميع المناطق ما يخلق نوعاً من الألفة والتعارف ولكن من سلبياته حالات  التحرش، فوفقاً  لمسؤولي مراكز الإيواء «المزة ودمر» أنه تم ضبط حالات تحرش جنسي في المراكز ووضع  تعليمات وتحذيرات وتم تزويج حالات أخرى بموافقة الطرفين ليتم النظر بجدية في موضوع وردع حالات التحرش أو الاغتصاب التي لا يتكلم عنها المجتمع لخصوصيته وحساسيته إن خرجت للعلن، إضافة إلى الاستغلال الجنسي الذي تتعرض له بعض النساء بسبب فقدها للمعيل.
ندبات نفسية
يتهم المجتمع «بذكوريته» نتيجة مخالفته لمبادئ كان لابد من أن يقف عندها كاحترامه للمرأة التي تعد أماً وأختاً قبل أن تكون زوجة، فقصة «أبو محمد .م» تشبه الكثير من  قصص مجتمعنا المتحفظ،  فحسب مروة جارتهما فإن الرجل يوقظ زوجته بالصراخ وأحياناً بالضرب بآلات حادة ورفسها لكي تلبي حاجاته، ويكون ردها عليه  أن تبصق في غيابه وتزيد عيار الصراخ على أولادها وضربهم لأنها لا تستطيع مواجهته، ليرى الأطفال الثلاثة أمهم كيف تعنف ويكون الأب قدوة لهم، فوفقاً لدراسات الهيئة السورية لشؤون الأسرة عام 2011 في المجتمع السوري يبلغ عدد النساء اللواتي تعرضن للعنف الأسري 22 % ، وتعنيفهم رمزياً ونفسياً فكما يبين الاختصاصيون النفسيون أنهما أكثر إيلاماً من العنف الجسدي لأنه يترسخ في الذاكرة.
الاستغلال نوع منه
قلقه النفسي جعله يصب جام غضبه عليها ليطبع على جسدها كدمات تعبر عن وحشيته ، فالأخ الكبير لمروة جعلها تتنازل عن حصتها في إرث منزل والدها بعد إخضاعها للضرب والذل، ولكن مجتمعنا يغفر ما لا يغتفر ليضع على شماعة الحرب عقد نقصه، فكما عرفت الاختصاصية بالصحة النفسية ليلى الشريف أن مفهوم العنف ليس في الضرب فقط، بل اغتصاب الزوجة وحرمان المرأة من المهر و الميراث وأنواع كثيرة تندرج تحت ممارسات العنف والاستغلال.
انعدام الأمان
تنقل الأهالي من منطقة إلى أخرى زاد من حالات التسرب المدرسي وانعدام الأمان  وهما نوع من أنواع العنف الأكثر انتشاراً على أرض الواقع، بحسب رئيس الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان هديل الأسمر التي تعد أن ما تقوم به وزارة التربية في إعادة الأطفال إلى مدارسهم هو جهد جبار، وزارة الصحة التي تعمل إلى جانب الصحة النفسية للمهجرين في مراكز الإيواء، فالتحرر من الخوف والحاجة إلى الآخرين هما ما يحتاجهما المرء ولاسيما بعد حرب طاحنة على مدى أربع سنوات زادت العنف تفشيا، وتقول في ظل التحديات والمتغيرات والانزياح السكاني والهجرة الداخلية وفقر موارد الدولة التي تؤدي بطريقة أو بأخرى إلى العنف لابد من تكاثف الجهود حتى نستطيع أن نتغلب على العنف وتجفيف منابعه.
إلغاء ضروب التأديب
وإن كنا نحمّل الأهالي مسؤولية ثقافة العنف، فلابد من توعية الشباب المقبلين على الزواج بالحياة الزوجية لتأسيس أسرة ناجحة أولاً وتعليم الأطفال تالياً، ولعل هذه الثقافة تعمل على ردع  العنف في الأسر، فكما يعرف أن القانون هو ما يمكن أن يحد تفشي العنف في المجتمع، لذا تعمل الهيئة السورية  بالتعاون مع لجنة حقوق الطفل والمرأة على تعديل المادة  185 من قانون العقوبات الذي ينص بالسماح بضروب التأديب، رغم معارضة  فكرة الإلغاء من بعض الأشخاص لأنهم يعدون الضرب عملية تأديب, مع العلم أن 146 دولة في العالم نصت في قوانينها على منع الضرب التأديبي.
الإرهاب يولد العنف
لو أننا ندرك كيف نمارس الدور التأديبي بعيدا عن العنف لما زاد العنف من آثاره السلبية، وعن هذا حدثتنا القاضي أن العنف يولد العنف ولابد من امتلاك الصبر والحكمة للتواصل مع الآخرين، فالعنف لا يولد إلا من بيئة حاضنة يتعامل فيها الأشخاص بعنف، وأحيانا يكون العنف سبباً للخروج من حالات عنف لا يمكن تحملها ومنها انتهاك العرض والشرف وهو ما شهدناه في المناطق الشرقية نتيجة  اعتداءات العصابات الإرهابية على فتيات قمن بتفجير أنفسهن قبل أن يلطخ شرفهن، فكما بينت ميساء صلاحي رئيس مجلس إدارة جمعية تطوير دور المرأة ومشروع «واحة الأمل» أن في الدار نساء هاربات من عنف الزوج الذي يطرد زوجته التي لا تستطيع أن تعود إلى بيت الأهل لأنهم لا يريدون أن تكون ابنتهم مطلقة وهذه العقليات بقيت حتى يومنا هذا وانتشرت في ظل الحرب الجائرة.
يذكر أنه  تم افتتاح جمعية دور المرأة  ودار «واحة الأمل» بتاريخ 25/ 6/ 2007  وعلى الراغبات من المعنفات للحصول على إقامة مجانية مؤقتة في الدار الاتصال على الخط الساخن  - 5430793 - 0947777174.
رنا بدري سلوم - تشرين