بغيابها غير المقنع وتعدد أسبابها: المحروقات… انتعاش في بورصة السوق السوداء… بيوت باردة وجيوب خاوية

بغيابها غير المقنع وتعدد أسبابها: المحروقات… انتعاش في بورصة السوق السوداء… بيوت باردة وجيوب خاوية

أخبار سورية

الاثنين، ١٥ ديسمبر ٢٠١٤

أزمات متعددة عنوانها الرئيسي المحروقات (مازوت، غاز، بنزين ) والمتأزم هو المواطن العادي، وبين فقدان المادة وتعدد أساليب الحصول عليها نمت سوق سوداء كثقب اسود في حياة الناس لا احد يستطيع إيقافها، أو ردعها،أو معرفة مصادرها.. المعلوم الوحيد فيها انتشار كبير لرائحة الفساد في هذا القطاع الحيوي، وبين الأخذ والرد، و البحث والاستقصاء لمعرفة هل هناك أزمة أم تأزيم في موضوع المحروقات كانت البداية بجولة على محطات الوقود وطوابير السيارات التي أكد سائقوها وقوفهم لساعات طويلة  للحصول على المادة، بينما شدد أصحاب المحطات على عدم وجود أزمة، محملين المواطن مسؤولية هذا الوضع، لأنه غير محصن أمام الشائعات حول فقدان المحروقات من الأسواق، وبالتالي فإن الأزمة المفترضة -حسب زعمهم- هي مزيج من صعوبة إيصال المحروقات إلى المحطات نتيجة الظروف التي تعيشها سورية، واستجابة الموطن للشائعات، أما بالنسبة للغاز فهو موجود، ولكن تخزينه من قبل المواطن أدى إلى مثل هذه الأزمة، ورؤوا أن توعية المواطن مع قليل من الصبر هي السبيل الأمثل للقضاء على هذه الأزمات في المحروقات.
من داخل البيوت
في زيارتنا لبيوت المواطنين، التي سكنها البرد وانطفأت نيران الدفء فيها بغياب المازوت، سمعنا الكثير من الأحاديث النابضة بالمعاناة والشكوى المعجونة بقلة الحيلة والفقر، وخاصة من قبل ربات البيوت اللواتي حرمن من الوقوف في المطابخ والاستمتاع بإعداد ما لذ وطاب من المأكولات وطهي الطعام،  وغيره من الضروريات، بعد أن بات الحصول على اسطوانة الغاز شبه مستحيل، حيث  شكلت الوجبات السريعة، بأنواعها  وبقايا لفائف الفلافل ومشتقات الطعام الشعبي، وجبات رئيسية بغياب مصدر الوقود الرئيسي الأول، فالمواطنون هم أساس الحكاية، وهم المستهدف الأول والأخير، وقد حاولوا على مدى أيام وأسابيع الأزمة بثّ همّهم لكل من يستطيعون الوصول إليه، همهم الأساسي تأمين هذه المواد الحيوية لمنازلهم، وطالبوا الجهات المسؤولة بالقيام بدورها  لخدمة الموطن، وتلبية احتياجاته، ومكافحة تجار الأزمات أيا كانوا، ولكنهم آمنوا بعد التجربة بالمثل الشعبي: “الشكوى لغير الله مذلة”.

رؤية العجب
أما في الرحلة الثالثة إلى الأسواق السوداء لمادتي الغاز والمازوت رأينا العجب، وظننا أننا خارج المكان والزمان، من خلال توافر كميات هائلة من المحروقات بحسب الطلب، ولكن السعر هو الحكم بيننا وبينهم، ولا مجال للجدال أو المناقشة في السعر، لأنه محدد وكلمة (ما بتوفّي) هي الكلام الفصل، فإذا أردت خذ ما تريد وإلا فالطريق من هنا، لأن ليتر المازوت بـ200ليرة سورية كحد أدنى، واسطوانة الغاز تتراوح بين 2500الى 3000ليرة، أما البنزين فسعره اليوم يحلق إلى ما فوق الـ200 ليرة لليتر والكميات متوافرة من كل المواد، والأماكن معلومة للجميع!.

ماذا قالوا؟
خلال لقاءاتنا مع المواطنين في محطات المحروقات ومراكز توزيع الغاز برزت أسئلة كثيرة والأجوبة برسم المسؤولين:أبو احمد موظف في المحافظة ذكر أن تأمين الغاز ليس بصعوبة تأمين المازوت، لان المحافظة تقوم بتأمين اسطوانات الغاز لموظفيها كباقي مؤسسات الدولة، أما المازوت فمشكلته مشكلة لان البرد هذا العام قارس، ولا يعرف السبيل لتأمينه سوى السوق السوداء، ولكنه غير قادر على أسعارها.
أما المهندس عمار فيرى أن مشكلة المحروقات يتحمل وزرها المواطن والمسؤول سوية، لأن المواطن يسير وفق الشائعات، وهو غير محصن من هذا الجانب، وهنا تقع مسؤولية الدولة عبر توعيته وتأمين المواد الأساسية ولو بحدودها الدنيا.
ويشير المهندس عمار إلى أن أزمة البنزين تحوم حولها الشكوك، لتواجدها بكثرة في السوق السوداء والمحطات، والطلب الكثيف عليها، مما يمهد لمجموعة استفسارات حول طبيعة هذه الأزمة وسبل تجاوزها.
السيدة أم علي، وهي أم لأربعة شهداء، أوضحت أنها عانت الأمرّين لتأمين الدفء لأحفادها بعد استشهاد آبائهم أمام عينيها على يد الإرهابيين في عدرا العمالية، واكتفت بالقول إنها تتسلح بالصبر وسط حالة من الحزن والترقب لما هو أفضل.
بينما استنبط خالد، وهو عامل يومي، الحل عبر تحويل مدفأة المازوت إلى الحطب، وتكسير ما بقي من أثاث المنزل ليكون وقوداً يقي أبناءه البرد، ويكون الملاذ لإعداد لقيمات بسيطة.

حقائق مسؤولة
ولمعرفة حقيقة أزمة المحروقات توجهنا الى بسام عماد مدير محروقات ريف دمشق الذي أشار إلى سعي الحكومة بكل جهدها لتأمين المحروقات للمواطنين في كافة القطاعات الاقتصادية والتجارية والأفران والمشافي والنقل، إضافة إلى تأمين كميات التدفئة للمواطنين.. وأشار عماد إلى أن المشكلة تكمن بخروج بعض آبار النفط من الخدمة رغم الظروف التي تمر بها سورية، وان النقل كان يتم عبر أنابيب الضخ، ولكن نتيجة الاعتداءات المتكررة على الشبكة والاعتماد على الصهاريج، زاد من مشكلة تأمين المحروقات، ولفت عماد إلى أن المشكلة في طريقها للزوال نتيجة الجهود التي تقوم بها الحكومة.
بدوره السيد غسان سوطري رئيس اتحاد مهن الصناعات الكيميائية والنفط أشار إلى تعدد الجهات المسؤولة عن تنامي الفساد في قطاع الوقود والمحروقات ومن أبرزها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من خلال التقصير في آليات المراقبة والتوزيع، وضبط المحطات التي توزع المادة، وعدم المراقبة الفاعلة للعدادات، والغياب الكلي عن موزعي مادة الغاز المنزلي، وعدم مراقبة الأسواق لما تحويه من غش كمادة الكاز التي يباع الليتر منها بسعر تقريبي350ليرة سورية، رغم أنها غير موجودة على لائحة المستوردات، فهي عبارة عن خليط من المنتجات النفطية والمذيبات التي تؤثر على الصحة بشكل كبير مما أدى إلى  فقدان صلة الوصل بين المواطن والموزع، سواء للمازوت أو الغاز أو غيرها من المشتقات النفطية.. والمسؤول الثاني بعد التجارة الداخلية -بحسب سوطري- هو الشركة العامة لتوزيع المحروقات (ساد كوب) من خلال غياب التوازن بين الحاجة الفعلية والكميات المقدمة، وعدم التوزيع العادل بين المناطق والمحافظات، والخطأ بسرعة التوزيع وغياب آلية التوزيع المباشر للمواطن، وعدم مراقبة الطلبات المنفذة لمحطات الوقود أو موزعي مادة الغاز، حيث تذهب الكثير من الطلبات إلى غير الأماكن المخصصة لها، وتساهم بنشوء سوق سوداء تزيد الجشعين ثراء، وتزيد المواطن البسيط فقراً وعوزاً.

المشكلة في الروتين
أما مدير وحدة جمرايا لتعبئة الغاز السيد طارق التقي فقد حمّل الروتين المتبع في وزارة النفط مسؤولية الأزمة من خلال تحديد الإنتاج لوحدات التعبئة، رغم أنها قادرة على إنتاج أضعاف الكميات المسموح بها.. ورأى أن الحل يكمن في فتح الإنتاج، وتقديم التسهيلات من وزارة النفط، مؤكدا استعداده لتجاوز الأزمة عبر هذا الحل، وتأمين الغاز السائل عبر عقود وقعها مع الخارج.. والمطلوب في هذه المرحلة أن ترفع الوزارة القيود عن الإنتاج، وتسهيل معاملات المستثمرين المالية والإدارية لتأمين المادة للمواطن.

بالمحصلة..
بين همّ المواطن في الحصول على الوقود والدفء، ولو بالانتظار لأيام وأسابيع، وبين التبريرات غير المقنعة للمسؤولين وأصحاب محطات الوقود ومراكز توزيع الغاز، وبين السوق السوداء التي تعج بما زاد وناف من هذه المفقودات، هناك حلقة مفقودة يجب على الجهات المختصة إيجادها ليتمكن المواطن من متابعة الصمود في دوامة فقدان مواد حيوية استغلها ضعاف النفوس للثراء غير المشروع..