من عين العرب إلى دير الزور: ولّى زمن انتصارات «داعش»؟

من عين العرب إلى دير الزور: ولّى زمن انتصارات «داعش»؟

أخبار سورية

الخميس، ١١ ديسمبر ٢٠١٤

تستمر المعارك العنيفة في محيط مطار دير الزور العسكري، في وقت لم يعد فيه نجاح تنظيم «الدولة الإسلامية» في اقتحام أي نقطة يختارها هو الاحتمال الأرجح. من عين العرب، إلى ريف حمص، وريف الحسكة، «الانتصارات الداعشية» لم تعد النغمة الوحيدة السائدة. عوامل عدة أسهمت في هذا التحول، على رأسها انكفاء التنظيم في العراق

الهجمات العنيفة المتتالية التي يشنها تنظيم «الدولة الإسلامية» على مطار دير الزور العسكري باءت بالفشل، أقله حتى يوم أمس. قبلها، فشلت محاولات التنظيم في السيطرة على مطار T4 في ريف حمص، ولم يتمكن حتى اليوم من بسط نفوذ مُستقر في منطقة جبل شاعر. وخلال اليومين الماضيين مُني التنظيم أيضاً بهزائم متتالية أمام الجيش السوري في ريف الحسكة الغربي. يأتي ذلك فيما تتواصل المعارك التي يخوضها المقاتلون الأكراد ضد «داعش» في منطقة عين العرب «كوباني» التي تحولت إلى جبهة استنزاف مفتوحة منذ اشتعالها قبل أكثر من شهر.

ومع ملاحظة أن قوتين مختلفتين تواجهان «داعش» في تلك المعارك (القوى الكردية في عين العرب، والجيش السوري والقوى الرديفة له على باقي الجبهات)، يبرز رابط جوهري مشترك بين كل المعارك المذكورة، هو انكفاء تنظيم «الدولة»، الأمر الذي لا يمكن النظر إليه إلا بوصفه انكساراً في الخط البياني لقوة التنظيم، الذي استمرّ صاعداً حتى شهر تشرين الأول الماضي.
قبلها، كانت مهاجمة التنظيم أيّ موقع، صغيراً كان أو كبيراً، تعني أن احتمالات سقوطه هي الأرجح. حدث ذلك في أماكن عدة، ولا سيما في النقاط العسكرية في محافظة الرقة (مقر قيادة الفرقة 17، اللواء 93 في عين عيسى، ومطار الطبقة العسكري). عوامل عدة أسهمت بنسب متفاوتة في الإخفاقات المتتالية التي مُني بها التنظيم، ورغم أن الضربات الجوية التي تشنّها «قوات التحالف» داخل الأراضي السورية لم تحقق نتائج إيجابية توازي حجم الترويج لعمليات «التحالف»، غير أنها أدّت دوراً في الحدّ من حرية تحركات قادة التنظيم، وأرتال إمداداته، ما أسهم تالياً في الحدّ من القدرات الهجومية لـ«داعش» في معارك عين العرب على وجه الخصوص. فيما تبرز عوامل أخرى في معارك ريف حمص، وريف الحسكة، ودير الزور، يأتي على رأسها اختلاف التعاطي العسكري السوري مع المعارك الدائرة على هذه الجبهات.
وخلافاً لما حصل في معارك الرقة (آب الماضي)، لم تقتصر استراتيجيات الجيش السوري على انتظار الهجمات التي يشنها مسلحو التنظيم، بل تحول إلى شن هجمات استباقية في كثير من الأحيان، معتمداً على التفوق الذي توفره التغطية النارية الجوية. وفي حالة مطار T4، لم تكتفِ القوات السورية بصد الهجوم، بل عملت على توسيع الطوق الآمن حوله. فضلاً عمّا سبق، يبرز عامل جوهري يمكن اعتباره، على الأرجح، مربط الفرس في التقهقر «الداعشي»، يتمثل بالانكفاء الذي أصاب التنظيم على الجبهات العراقية.
التناسب الطردي بين تقدم التنظيم في العراق وسوريا، تكرر في شأن تراجعه. ويجدر التذكير في هذا السياق بهزيمة «داعش» قبل شهر في جرف الصخر، التي وصفتها مصادر ميدانية بـ«قصير العراق» (الأخبار – العدد 2444). وبالنظر إلى أن مهندس تلك المعركة كان الجنرال الإيراني قاسم سليماني، يمسي طرح تساؤل من قبيل «هل دخل التنسيق بين دمشق وطهران مرحلة جديدة؟» أمراً مشروعاً، الأمر الذي يجيب عنه مصدر عسكري سوري بالطريقة المتحفظة المعتادة. يقول المصدر لـ«الأخبار» إن «البلدين ومعهما عدد من الحلفاء يقفون منذ البداية في خندق واحد ضد الإرهاب. التنسيق قائم مع الحلفاء دائماً، والمشاورات لا تنقطع». في الوقت نفسه، يؤكد المصدر أن «لدى الجيش السوري كفاءات كفيلة بالتخطيط، وقيادة أي معركة». وفيما يجدد المصدر التأكيد أن «مصير مطار دير الزور لن يكون شبيهاً بمصير مطار الطبقة»، يحرص على القول إن ذلك «لا يعني أن المعارك قد انتهت، الإرهابيون ما زالوا يشنون هجماتٍ شرسة، ومثل أي معركة يبقى هامش الخطر موجوداً ما دامت المعركة مستمرة». ويضيف: «يجب أن يفهم الجميع أن الحرب ليست مجرد معركة واحدة أو سلسلة معارك، بل هي أكبر من ذلك، والصبر والهدوء من أهم الاستراتيجيات المفيدة لقلب مسار الحرب في اللحظة المناسبة».
بدوره، مصدر «جهادي» مرتبط بالتنظيم يجد الحديث عن «تراجع الدولة أمراً مثيراً للسخرية». المصدر يؤكد لـ«الأخبار» أن «كل الغزوات المذكورة لم تنته بعد، وما زال المجاهدون مستمرين في محاربة الكفار من عين الإسلام إلى دير الزور». المصدر جدّد أيضاً تكرار اللازمة «الجهادية» المعهودة، فقال: «إن للباطل جولة، وسيعلم الذين ظلموا أي مُنقلب ينقلبون». وفي ظل ما جرى تداوله عبر بعض المواقع «الجهادية» أمس عن تولي زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، قيادة الهجوم على مطار دير الزور بنفسه، قال المصدر إن «الخليفة سبق له أن واكب بنفسه غزوات كثيرة»، وأحجم في الوقت نفسه عن تأكيد أنباء قيادته معارك دير الزور أو نفيها.
وفيما بدا أن المعارك المستمرة حول مطار دير الزور كانت سبباً كفيلاً بترك المصدرين باب الاحتمالات مفتوحاً، تتالت الأنباء عن قيام التنظيم بإجراءات أمنية جديدة داخل صفوفه، من بينها تنفيذ عمليات إعدام في مناطق عدة بتهم تتعلق بالخيانة، والتجسس. وقال ناشطون عبر موقع «تويتر» إن التنظيم «أبلغ أصحاب مقاهي الإنترنت في مناطق سيطرته بدير الزور بوجوب الإغلاق من الساعة الواحدة ليلاً حتى الساعة العاشرة صباحاً»، الأمر الذي يهدف إلى «الحد من نقل تحركات التنظيم في المنطقة، والحيلولة دون نشر تفاصيل سير الاشتباكات في محيط المطار»، وفقاً للمصادر عينها.
ميدانياً، شن «داعش» في ساعة متأخرة من ليل أمس هجوماً جديداً استهدف المطار، ويعوّل التنظيم المتطرف في هجماته على العمليات الانتحارية، و«الانغماسيين» في الدرجة الأولى. فيما شنّ الطيران السوري غاراتٍ ليلية استهدفت تمركزات مسلحي التنظيم في محيط المطار. ودارت نهار أمس معارك عنيفة بين الطرفين شرق المطار وعلى أطراف قرية الجفرة، وحويجة صكر. وشن الطيران الحربي غارات استهدفت مقارّ وتمركزات للتنظيم في كل من قرية مراط، وبلدات عياش والخريطة والتبني والبوليل، ومدينتي موحسن والعشارة، في ريفي دير الزور الشرقي والغربي.
وعلى صعيد متصل، تحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن تقدم للجيش السوري في الريف الغربي للحسكة، حيث سيطر على «قريتي قبر عامر وطوق الملح، ومنطقة المشتل، عقب اشتباكات مع التنظيم الذي انسحب مسلحوه إلى منطقة مفرق صدّيق». وفي حلب، «نفذ الطيران الحربي ثلاث غارات على مناطق في محيط مطار كويرس العسكري، ومناطق في بلدة دير حافر بريف حلب الشرقي، التي يسيطر عليها التنظيم» وفقاً للمصدر ذاته.

اغتيال جديد في صفوف «جيش الإسلام»

قادة «جيش الإسلام» في مرمى الاغتيالات من جديد. أحدث ضحاياه في هذا السياق كان أحمد فرحان اللحام، الشهير باسم «أبو مجاهد»، الذي اغتيل أمس في الضمير بريف دمشق. مصادر «جهادية» قالت إن «انفجاراً ضخماً هزّ مدينة الضمير، من جرّاء تفجير سيارة مفخخة»، ما أدى إلى مقتل اللحام، وشخص آخر صودف وجوده في المكان. وتبين لاحقاً أنّ السيارة التي انفجرت لم تكن سوى سيارة اللحام نفسه، لتتضارب الأنباء حول مسببات انفجارها، ما بين عبوة لاصقة، وتفخيخ مسبق للسيارة. وتأتي هذه العملية في سلسلة اغتيالات طاولت عدداً من قادة «جيش الإسلام»، الذي جددت مصادر من داخله التأكيد لـ«الأخبار» اقتناع قيادته بأن «النظام يقف وراء كل تلك الاغتيالات».
ويُعتبر اللحام واحداً «من أبرز قادة المعارك التي خاضها جيش الإسلام في منطقتَي القلمون والغوطة الشرقية»، وهو من أوائل المنشقين عن الجيش السوري، وفقاً للمصادر.