معادلة ماذا يريدالمواطن.. مفاهيم مشوهة وسلوكيات تمس الحقوق؟! خروج متعمد عن مسار الالتزام بالمسؤوليات والواجبات في ذمة الأزمة

معادلة ماذا يريدالمواطن.. مفاهيم مشوهة وسلوكيات تمس الحقوق؟! خروج متعمد عن مسار الالتزام بالمسؤوليات والواجبات في ذمة الأزمة

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٦ نوفمبر ٢٠١٤

(ماذا نريد ) كان العنوان الأبرز لسنوات الأزمة التي كثرت فيها المطالب والأوجاع، ولكن في المقابل هناك أيضاً الكثير من العناوين الراصدة لسلوكيات المواطن الناضحة بالمخالفات والممارسات الخارجة عن مفاهيم المواطنة الصالحة والهاربة من سلطة الأنظمة والقوانين .
(نسلط الضوء على بعض السلوكيات التي تمارس بحسن نية أو بسوء نية وتسيء إلى كينونة الوطن.. والبداية من النقل الداخلي.؟؟

استباحة المال العام
رغم اختلاف كلماتها ومصطلحاتها وتفاوت حدة اللهجة والتعبير بين مؤيد ومعارض ومبرر  إلا أن آراء كل من التقيناهم حول التهرب المقصود أو عدم القدرة على دفع ثمن الفواتير المتراكمة بين كهرباء وماء وهاتف ورسوم نظافة أو أي مستحقات للدولة أجمعت على سلبياتها ووجهت انتقادات لاذعة بحق الذين أساؤوا لشرف مواطنتهم وتنازلوا عن دورهم الحقيقي لمساندة وطنهم بمحنته  للظفر ببعض القروش وصورة المشهد الأول تفند ذلك.. تقصدنا أن نستقل باص النقل الداخلي الحكومي على خط دوار جنوبي من مشفى المواساة حتى كراجات العباسيين لنرصد مدى التزام المواطنين بدفع الأجرة فكانت الصدمة كبيرة عنما صعد المراقب ليتفقد الركاب فكانت أعذار الكثيرين  واهية وتحت تسميات مختلفة لتكون نسبة الدفع 1% بالرغم من  أن عدد الركاب كان كبيراً بينما نسبة الدفع في الخاص 99% لأنه ملكية خاصة والسائق يوبخ المواطن الذي لا يدفع عند الصعود، فكيف نريد للعام أن ينجح ويقاوم بظل ظروفنا الاستثنائية بهكذا سلوكيات تعتبر كل شيء للدولة حلالاً ومباحاً !!
تهرّب موصوف
وحتى لا نصدر أحكاماً مسبقة ويتهمنا البعض أننا متحاملون على المواطن توجهنا بسؤال إلى مدير عام كهرباء مدينة دمشق المهندس نور الدين أبو غبرة حول مدى  والتزام المواطنين بدفع فواتير الكهرباء فقابلنا بحقيقة رقمية تثبت أن عدد المشتركين المتخلفين عن تسديد فواتيرهم المتراكمة فقط في كهرباء مدينة دمشق  بلغ منذ بداية العام 2014 وحتى تاريخه 57177 ألف مشترك بمبلغ مليار ونصف المليار، علماً أن نسبة التحصيل أفضل من السنوات الثلاث الماضية والتي كانت كارثية وأقرب إلى الصفر؟؟!!

انكشاف سلوكيات المواطنين
المهندس حسام الحريدين مدير عام مياه الشرب بدأ حديثه معنا  باستعراض أرقام تخلف قاطني مدينة دمشق عن الدفع  وهم من المفترض أن يكونوا الأكثر التزاماً وانضباطاً ومثابرة بدفع ثمن فواتيرهم فقال: ماذا تتوقع من ابن البلد الذي يخرب وينهب مولدات المياه أو يفجر الأنابيب الواصلة إلى المدينة أو يحرض أو يمتنع عن دفع الفواتير المتراكمة.
وحول أرقام  التحصيل التي تفضح سلوكيات الكثير من المواطنين  والتي   لم تكن  أحسن حالاً من شقيقتها الكهرباء فقيمة الفواتير غير المدفوعة في مدينة دمشق وريفها  في الشهرين السابع والثامن من العام الجاري في شهر تموز مليون وثمانمئة ألف ومثلها في شهر آب بينما في ريف دمشق في دورة تموز: عشرون مليوناً وواحد وعشرون مليوناً في دورة آب ، و اتفقنا في نهاية النقاش إذا كان هذا واقع الحال في دمشق العاصمة فما حال باقي المناطق السورية ومن أين ندعم خزينة الدولة على الأقل لاستمرار تدفق المياه و نور الكهرباء وذلك أضعف الإيمان.

هيبة الدولة وحقوق المجتمع
إن ظروف الأزمة القاسية التي يمر بها بلدنا خلقت مفاهيم مشوهة تمس هيبة الدولة وتنال من حقوق المجتمع ومن نبل الوطن والمواطن برأي  الدكتور عابد فضلية (عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة الشام الخاصة)   تمثل بعضها بظاهرة المخالفات الجسيمة والوقحة في مخالفات البناء والتهريب والتهرب الضريبي وعدم دفع مستحقات الدولة لفواتير الكهرباء والماء والهاتف ورسوم النظافة والتلاعب بقوت الشعب مروراً بالاستيلاء والابتزاز والسرقة والأضرار بالأملاك العامة طبعاً حديث  فضلية، حسب ما لمسناه، لم يكن من باب موقعه كمنظر وأكاديمي، بل من باب المسؤولية الوطنية، والإنسانية، والاجتماعية، فهو يصر على أن الوضع القيمي والأخلاقي لسواد المجتمع السوري ليس بخير فالمجتمعات تعرف معادنها في الكوارث والروائز والأزمات ففي تسونامي اليابان تقاسموا رغيف الخبز وتبرعوا ببعض مقتنياتهم لإعادة تأهيل مناطقهم بينما بعض مواطنينا سرقوا جيرانهم والبعض الآخر يتمنى أن تطول الأزمة وما تبقى تهرب من أقل واجباته والقلة القليلة تحمل الراية.

كلام بالصميم
كان كلام الفصل مع الدكتور بطرس حلاق( عميد كلية الصحافة ) عندما وصف  حالة المواطن  السوري اليوم فأحسن الوصف بل  وضع  يده على الجرح عندما قال: ماذا تتوقع من مواطن يأخذ منذ 45 عاماً ولا يعطي  فخبزه ودواؤه وسكره  ورزه وعلاجه ووقوده ودراسته من الابتدائية وحتى الإعدادية إلزامية ومجانية وشبة مجانية حتى الانتهاء من الدراسات العليا وإيفاده للتخصص خارج البلاد كل هذا مدعوم  ..و…و…إذاً مواطننا اعتاد وتعود على  أن يأخذ ولا يعطي كما  يأخذ من والديه الرعاية والحماية والمصروف، كبر وظل يأخذ، وتزوج وظل يأخذ، واستوطن بمنزل والده وظل يأخذ، وينتظر حتى يتوفى والده ليرثه، إذاً مواطننا سلبي ومن اعتاد على ذلك لا ينتظر منه العطاء ولا الوفاء  ولا حتى رد الجميل .

أوصاف دبلوماسية
الحديث مع  القاضي المستشار زياد الحليبي (المحامي العام الأول بدمشق) حول تهرب المواطن من دفع فواتير الماء والكهرباء والتهرب الضريبي واستباحة الملك العام رسم صورة مثالية للمواطن السوري نابضة بالنبل والقداسة وهالة من المثالية التي لم نستطع تقبلها كما هي بثبوت ممارسات موصوفة ومشهودة في حين رصد كلام الحليبي الحالة المثلى للمواطن السوري.
غير أن مقاطعتنا لكلام الدكتور الحليبي واستعراض بعض الأرقام المرعبة لمديريتي الكهرباء والماء بدمشق والتهرب من دفعهما على مدار السنوات الثلاث المنصرمة من عمر الأزمة وخسائر شركة النقل الداخلي المتوارثة شكلت حالة استفزازية خلال الحوار معه عدة  مرات خاصةأنها تناولت ممارسات مئات المواطنين وكذلك مئات المواطنين الموقوفين الذين تفننوا بأساليب سرقة كوابل الكهرباء أو الاستجرار غير المشروع أو سرقة عدادات المياه وبيعها خردة نحاس وهم أمام مكتبه ينتظرون الإفراج وقبل أن ينهي المحامي العام إجاباته التي دارت في فلك الإيجابي والمثالية المطلقة تدارك الموقف ليعرج في حديثة على رصد الكثير من حالات استغلال مواطنين للأزمة وقاموا بالاحتيال وارتكاب جرائم لتحقيق مصالح ومآرب شخصية وأرباح على حساب الدولة والمواطن مستغلين شماعة الأزمة وعن شراكة المواطنة ويرى أن المواطنة هي التزام الإنسان تجاه وطنه، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية. و إن المواطنة هي انتماء وولاء في آن واحد، معتبراً أن الانتماء حالة وطنية والولاء هو صدق الانتماء ويمتزج الولاء بالانتماء ويصعب الفصل بينهما وهما أساس في تماسك الوطن. وتتجلى الوطنية في تربية النفوس على محبة الدولة وقوانينها والدفاع عنها وحماية استقلالها وسيادتها.

النفوس جبلت على حب ديارها
ما سمعناه، وما رأيناه خلال جولاتنا، ولقاءاتنا المختلفة، سواء مع الناس أو مع الأكاديميين، بمن هم في مواقع المسؤولية، كان كافياً لمنحنا القدرة على تفنيد إجابات الدكتور محمود المعرواي القاضي الشرعي الأول  ومنحها الموضوعية، والمصداقية بنسبة كبيرة، فقد كان رأيه نابضاً بالحقائق، والوقائع وسمى الأشياء بأسمائها والتي نعيش تفاصيلها على مدار الساعة، حيث قال: من يحتك بالمواطنين كثيراً يشعر أكثر من غيره بدرجة الأخلاق الذين هم عليها وبحكم عملي ونظراً لكثرة المراجعين وأساليب خداعهم والذين يتجاوز عددهم الألفي مراجع يومياً فإنني أستطيع أن أقول: إن أخلاق مواطننا في تدنٍ مستمر فالكذب والخداع والغش أصبحت السمة الظاهرة لغالبية الناس فالمواطنة الصالحة ليست كلمات تردد، وإنما إخلاص وتفاعل وشفافية. وإن النفوس جبلت على حب ديارها،  إن من حق أوطاننا علينا أن نكون فاعلين لا معطلين ولا متهربين من واجبات الدولة علينا وأن نكون لتحقيق مصالحها سعاة ولدرء المفاسد عنها دعاة ولأمنها حماة ولوحدتها رعاة. إن من أبشع الخيانات لله والأوطان أن نتهرب من واجباتنا ونطالب في حقوقنا فقط، لمجرد مطامع شخصية أو مادية أو مصالح ذاتية أو لغرض أو لهوى وهذا يتعارض مع المواطنة الصالحة وحب الوطن والتضحية من أجله. وأخيراً لنعلم أن المواطنة الصالحة تتحلى بالإيجابية والبناء والتفاعل وإعمار الأوطان ودفع الذمم من ضرائب وفواتير لخزينة الدولة لتقوى ويشتد ساعدها وتضاعف من خدماتها لرعاياها.

الدلال يفسد
رغم أن المواطن اعتاد على الشكوى والتهرب من مسؤولياته وعدم دفع ما يترتب عليه من التزامات مالية لصالح الكهرباء والمياه تحت مظلة الأزمة وضيق الحال إلا أنه بالمقابل علينا الاعتراف بالدور الكبير والجهود التي قام بها المواطن في مضمار الواجب الوطني، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي حالة سامية من رد الجميل لوطنهم وحالة إيمانية موجودة في مجتمعنا الذي يحتاج إلى تضافر كافة الجهود وتعاون والتزام مابين المواطن والمسؤول لخدمة المصلحة الوطنية .