الجيش يهاجم الشيخ مسكين: معركة الخطوط الحمر في الجنوب

الجيش يهاجم الشيخ مسكين: معركة الخطوط الحمر في الجنوب

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠١٤

 لم ينتظر الجيش السوري طويلاً لاستعادة المبادرة على الجبهة الجنوبية في محافظتي درعا والقنيطرة، بعد سلسلة معارك بدأتها المعارضة السورية، منذ سيطر مسلحوها على حاجز الدوّار التابع للجيش في بلدة الشيخ مسكين في درعا بداية الشهر الحالي. وبسيطرة المعارضة على الشيخ مسكين، خسر الجيش خطوط إمداده إلى مواقعه على أطراف نوى وداخل مدينة درعا، ما اضطره إلى إطلاق عملية عسكرية قبل يومين لاستعادة الشيخ مسكين.

وعلى الرغم من ضراوة المعارك في ريف دمشق وجبهات حلب وحمص، يضع الجيش السوري الجبهة الجنوبية في سلّم أولوياته، في ظلّ التعاون الوثيق بين المعارضين على مختلف تصنيفاتهم مع الجيش الإسرائيلي واستخباراته العسكرية (أمان)، ووجود غرفة عمليات أوروبية ــ أميركية ــ خليجية ــ أردنية مشتركة في عمّان لتوجيه المجموعات المسلحة بغية السيطرة على أكبر مساحة من درعا والقنيطرة وتهديد دمشق، بعد الفشل في تحقيق المنطقة العازلة التركية على الحدود الشمالية. وبالنسبة إلى الجيش، فإن الشيخ مسكين، الواقعة على مقربة من طريق دمشق ــ درعا الدولي إلى الغرب منه، تعدّ خطاً أحمر إلى جانب نقاط عديدة في الجنوب، لما تعنيه سيطرة المعارضة عليها من تهديد للطريق إلى عاصمة الجنوب، ولخطوط إمداد القوات السورية داخل مدينة درعا واللواء 82.
مع ساعات الفجر الأولى ليوم الاثنين، بدأ الجيش عملية خاطفة لاستعادة سيطرته على الشيخ مسكين وحصار مسلحي «جبهة النصرة» و«حركة المثنى» و«لواء شهداء اليرموك» و«فرقة الحمزة» وغيرها من الزُمر المحلية. وعلى ما أكدته مصادر عسكرية سورية لـ«الأخبار» تشرف على سير المعارك، فإن «الجيش لن يوقف المعركة قبل تأمين خطوط إمداد قواته وإبعاد خطر المسلحين عن المفاصل الاستراتيجية في الجنوب. ممنوع تهديد طريق درعا». وبحسب المعطيات الميدانية، فإن القوات السورية التي عملت خلال الأسبوع الماضي على استقدام التعزيزات والأسلحة النوعية، تتقدم في الشيخ مسكين من عدة محاور، واستطاعت الدخول إلى الحي الشمالي والشرقي، مكبّدة المسلحين خسائر كبيرة في الأرواح والأعتدة، في ظل القصف المدفعي والجوي الكثيف. وقد أطلق المسلحون نداءات الاستغاثة على أجهزة اللاسلكي وشبكات التواصل الاجتماعي. وبالتزامن مع هجوم الجيش على الشيخ مسكين، شنّ مسلحو «لواء شباب السنّة» (مجموعة إسلامية متشددة) وعناصر من «النصرة» هجوماً على الأحياء الخاضعة لسيطرة الدولة السورية في مدينة بصرى الشام صباح أمس، بغية إشغال الجيش وتخفيف الضغط عن الشيخ مسكين.
غير أن مصادر اللجان الشعبية في بصرى أكدت لـ«الأخبار» أن «الهجوم أتى بنتائج عكسية وباء بالفشل، وتكبّد المسلحون خسائر كبيرة في الأرواح».
في الأشهر الأخيرة، خسر الجيش السوري في الجنوب عدّة مواقع مهمّة، بدءاً بالتلول الحمر الشرقية والغربية في القطاع الأوسط من محافظة القنيطرة، ثمّ معبر القنيطرة وانسحاب قوات الطوارئ الدولية «الأوندوف» العاملة في الجولان، وصولاً إلى تل الجابية وتل جموع وتل الحارة. ولم يكن تل الحارة الذي صمد في وجه اجتياح القوات الإسرائيلية في معارك 1973 ليسقط، من دون خيانة قائد اللواء 121 العميد محمود أبو عرّاج، الذي سلّم التل، ثمّ عملت الاستخبارات الإسرائيلية على سحبه إلى الأردن، لما كان التلّ يشكله من أهمية استراتيجية لأعمال التنصت والمراقبة على نشاط جيش العدو الإسرائيلي في الجولان المحتل، بمشاركة خبراء روس وإيرانيين. غير أن الخطوط الحمراء التي ثبّتها الجيش من الغرب إلى الشرق في الجنوب، والتي تبدأ بمدينتي البعث وخان أرنبة وبلدة حضر في القنيطرة وخلفها سعسع وقطنا في ريف دمشق، امتداداً إلى مدينة درعا والشيخ مسكين وخربة غزالة وإزرع والصنمين والمسمية في درعا، تشكّل قوساً حصيناً في خاصرة دمشق الجنوبية، على الرغم من الضغوط التي يتعرّض لها المسلحون منذ بداية الشهر الحالي في الجنوب، من غرفة العمليات في عمّان و «المجلس العسكري» التابع للمعارضة، لتحقيق مكاسب سريعة يمكن استخدامها كأوراق ضغط على الحكومة السورية في السياسة، إذ أشارت مصادر أمنية سورية معنية بالجبهة الجنوبية لـ«الأخبار» إلى أن «المسلحين يشتكون من كثافة المعارك التي يطلب المجلس العسكري خوضها، وهم لا يجدون وقتاً للراحة، بعد أن كانت معاركهم في الماضي متباعدة زمنياً». وتضيف المصادر أنه «في المعارك السابقة، كان الهجوم يتوقّف إذا بلغ عدد القتلى والجرحى عند المسلحين رقماً معيناً، وما حصل في المعارك الأخيرة مغاير، إذ استمر المسلحون في هجوماتهم على الرغم من الخسائر الفادحة، كما أن المكافآت المالية للسيطرة على النقاط ارتفعت في الآونة الأخيرة». وعلمت «الأخبار» من مصادر أمنية أخرى أن «الاستخبارات الأردنية والسعودية استغلتا المعارك في الأسبوعين الماضيين لإدخال مئات المسلحين السوريين والأجانب إلى الجنوب، من الذين خضعوا للتدريب على أيدي المدربين الأميركيين في معسكرات عرعر في السعودية».

المعارك الفاشلة

ولا تبدو نتائج معارك المعارضة الأخيرة مشجّعة، إذ فشلت معركة «ذات السلاسل» في السيطرة على «درعا ــ المحطة» في المدينة، كما فشلت معركة «اليوم الموعود» التي تستهدف ريف درعا الغربي والسيطرة على مواقع الجيش في تل عريد وعين عفا وبلدة دير العدس. كذلك فشلت معركة «نصر من الله وفتح قريب» الأسبوع الماضي، والتي تستهدف السيطرة على مدينتي البعث وخان أرنبة في القنيطرة. وبدأت المعركة بالهجوم من ثلاثة محاور، اثنان منها ملاصقان للشريط الحدودي مع الجولان المحتل، وهي بلدات الحرية وجباتا الخشب والحميدية، والمحور الثالث عبر بلدة الصمدانية الشرقية، وقد تمكنت مواقع الجيش المنتشرة في تل الشعار وتل الشحم وتل الكروم ــ جبا من صدّ الهجمات ووصلت خسائر المسلحين إلى 32 بين قتيل وجريح على ما أكدت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» في مدينة البعث. وقد استقبلت المستشفيات الإسرائيلية في صفد ونهاريا معظم جرحى المسلحين، بعد رفض الاستخبارات الأردنية إدخالهم إلى المستشفيات الأردنية. غير أن اللافت هو امتناع جيش الاحتلال الإسرائيلي عن المشاركة في المعارك هذه المرّة، بعدما شارك في السابق بالتمهيد المدفعي وأحياناً الجوي عبر قصف مواقع للجيش وراجمات صواريخ تابعة للقوات السورية.
وبعدما نجحت معركة «ادخلوا عليهم الباب» بداية الشهر الحالي في السيطرة على الشيخ مسكين، قام الجيش السوري بالانسحاب السريع من اللواء 112 ومواقعه في نوى التي قطعت سيطرة المعارضة على الشيخ مسكين الإمداد عنها، وعمل على تجميع القوات في اللواء 82 ومدينة الصنمين.

الدور الأردني ومعبر نصيب

في مقابل الخطوط الحمر السورية في الجنوب، تضع الاستخبارات الأردنية أمام مسلحي المعارضة خطاً أحمر هو معبر نصيب الحدودي مع سوريا، وما يسمّى «الخطّ الحربي» لعبور القوافل والبضائع من أوروبا إلى الخليج عبر الموانئ السورية. و«الخطّ الحربي» هو الطريق البديل من طريق دمشق ــ درعا ــ الأردن، إذ يمرّ الطريق من نصيب بمحاذاة الشريط الحدودي مع الأردن إلى بلدة ذيبين في محافظة السويداء، مروراً بالسويداء إلى دمشق. وقد بدا واضحاً منذ ترك الأردن مسلحي المعارضة لمواجهة الحرس الجمهوري السوري من دون إمداد في بلدة خربة غزالة مطلع العام الماضي، ومن ثمّ استهداف الطائرات الأردنية للمسلحين بعد الاعتداء على معبر نصيب قبل أشهر، حاجة دول الخليج والأردن إلى هذا المعبر أكثر من حاجة سوريا إليه، ليبقى الخطّ ورقة قوة بيد الحكومة السورية لم يستخدم بعد. ويستعيض الجيش السوري عن استخدام ورقة «الخط الحربي» في مقابل حماية طريق دمشق ــ درعا، بالسيطرة الميدانية. غير أن الاستخبارات الأردنية، التي تسمح للمسلحين بالعبور إلى داخل سوريا، تمنع عودتهم إلى الأردن تحت حجج متنوّعة، وبينهم أردنيون وفلسطينيون وخليجيون.

«الخال» رجل إسرائيل الأول!

لم تعد وسائل الإعلام الإسرائيلية تكتم التعاون بين جيش الاحتلال واستخباراته العسكرية وفصائل المعارضة المسلحة، لا سيما تلك التابعة لتنظيم القاعدة كـ«جبهة النصرة». ومؤخراً، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها موقع «تايمز أوف إسرائيل»، مقالاً عن دور «النصرة» في إعداد التقييم الأمني لجرحى المعارضة قبل دخولهم للمعالجة في مستشفيات الكيان الصهيوني. غير أن فصول التعاون الذي تطوّر على نحو خطير خلال العامين الماضيين بحسب الوقائع الميدانية ومعطيات الأجهزة السورية والمقاومة، انتقل من مرحلة علاج الجرحى والدعم اللوجستي البسيط، إلى المساهمة الميدانية في قصف مواقع الجيش السوري أحياناً، وتزويد جيش الاحتلال المسلحين بالقذائف والصواريخ ومصادرة الصواريخ المضادة للطائرات منهم، التي يغنموها من مواقع الجيش السوري. ويبرز، بحسب مصادر أمنية سورية معنية بجبهة الجنوب، اسم المدعو محمد البريدي (أبو علي، الملقّب بالخال، ابن بلدة جَملة بين الجولان وريف درعا الغربي، قائد ما يسمى «لواء شهداء اليرموك»)، كأبرز منظمي العلاقة مع الاستخبارات الإسرائيلية، و«متعهد الجرحى» والمساعدات الإسرائيلية للمسلحين.

صراعات الفصائل المسلحة

تسود الصراعات فصائل المعارضة المسلحة في مختلف مناطق الجنوب السوري، وتستعر حرب الاغتيالات بينها، لا سيّما بعد اغتيال الشيخ أحمد كساب المسالمة أحد أبرز وجوه السلفية الأردنية والمسؤول عن تأمين الدعم المالي لعدد من الكتائب الإسلامية في الجنوب. وتتهم الفصائل «جبهة النصرة» بتنفيذ الاغتيالات، بعد محاولاتها فرض سيطرتها بالقوّة على أغلبية مناطق الجنوب، من القنيطرة إلى درعا. وتشتكي الفصائل من أمير الجبهة في درعا إياد الطوباسي الملقب بأبو جُليبيب (الصورة)، وهو أردني من أصل فلسطيني وصهر أبو مصعب الزرقاوي.
والمعروف عن أبو جُليبيب لبسه الدائم للحزام الناسف. ويبرز اسم الشرعي العام لـ« النصرة» في درعا الأردني سامي العريدي الملقّب بأبو معاذ، وهو يملك سطوة قوية على المقاتلين وعلى المحاكم الشرعية في الجنوب السوري. وتنتشر بين الفصائل المسلحة معلومات عن كونه رجل الاستخبارات الأردنية الأول في الجنوب السوري. ومؤخراً، تمّ الاتفاق بين مختلف الفصائل و«حركة المثنى» و«النصرة» و«حركة أحرار الشام» في الجنوب على تشكيل ما سمّي «دار العدل في حوران».
يذكر أن سجن غرز الذي احتلته المعارضة في الربيع الماضي، يقبع في داخله أكثر من 75 معتقلاً من المدنيين وعناصر المعارضة من أهالي حوران بتهم متعددة أصدرتها المحاكم الشرعية. وفي تصنيف تشكيلات المعارضة المسلحة وترتيبها، تبدو «حركة المثنى» الفصيل الأقوى والأكثر تشدداً، والوجه الآخر لـ«جبهة النصرة». وتشتهر «المثنى» بأعداد السعوديين الكبيرة في صفوفها، وهم موجودون في درعا والقنيطرة مع عائلاتهم. وتلي المثنى «أكناف بيت المقدس»، وأميرها «أبو عبدالله الأنصاري»، وبينها عدد كبير من الفلسطينيين والأردنيين، ثم «فرقة الحمزة» وقائدها صابر سفر، وعناصرها من الإسلاميين المتشددين، ويصل عدد عناصرها إلى 2000 ، ولديها مخافر على الحدود الأردنية ــ السورية.