سرّ الاهتمام الدولي المفاجئ بحلب .. ما هو الفخ الذي نصبته سورية لأردوغان؟

سرّ الاهتمام الدولي المفاجئ بحلب .. ما هو الفخ الذي نصبته سورية لأردوغان؟

أخبار سورية

السبت، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤

لماذا اهتم ما يحلو لوسائل الإعلام العربية تسميته بـ«المجتمع الدولي» فجأة بالوضع في حلب؟

هل هي صحوة ضمير؟ أو أن للأمر علاقة بالتطورات الميدانية في حلب وجوارها؟

هل هناك تغير في مواقف الدول المتفاوضة علنًا أو سرًا؟

ولماذا يهتمون بحلب دون سواها؛ لماذا لا يهتمون بالرقة القابعة لاحتلال تنظيم داعش، أو بادلب التي تتعرض لهجوم من تنظيم “جبهة النصرة”، وكلا التنظيمين، أي “داعش” و”النصرة” متشعبان من تنظيم “القاعدة”؟

ما علاقة الأمر بحسابات تركيا، وما هو الكابوس، الذي تعيشه حكومة أردوغان في حلب؟

 بدأ الأمر بالزيارة، التي قام بها رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان إلى فرنسا، والمؤتمر الذي عقده مع نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند. وقال حينها أن مآسي كبيرة تعيشها حلب حاليًا، مؤكدًا أن حلب ستشهد ما تشهده حاليًا مدينة عين العرب (كوباني). ومنتقدًا تركيز الاهتمام على “كوباني” دون غيرها.

الحملة أكملها رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، حين حذر من سقوط حلب في «قبضة النظام» معتبرًا أن «الشعب السوري يناضل بشرف منذ نحو ثلاث سنوات، وتركيا ستواجه مشكلة كبيرة بخصوص مسألة اللاجئين إذا سقطت مدينة حلب التي تعتبر رمز المقاومة التي يخوضها الشعب السوري، لذلك نحن كنا نطالب بتأسيس منطقة آمنة»

أي أن أردوغان تناول المسألة من زاوية مختلفة نوعًا ما عن الزاوية التي تناولها رئيس وزرائه؛ فأردوغان لفت إلى المآسي التي ستعانيها المدينة، فيما ركز داود أوغلو إلى انعكاس الأمر على تركيا.

ومضى معاون أمين عام حزب العدالة والتنمية نومان كورتولموش في الحملة، فتحدث عن الوضع الحالي للاجئين السوريين في تركيا، مؤكدًا أن عدد اللاجئين السوريين، الذين لن يعودوا إلى بلادهم وصل 1.6 مليون لاجئ؛ ويشير إشارة مبطنة إلى الوضع الكارثي الذي قد ينشأ حين يتدفق اللاجئون من حلب إلى تركيا.

ونشر موقع “إنترنت خبر” التركي تحليلًا يحمل عنوانًا ذا مغزى، وهو: «سقوط حلب كابوس لنا»

وكان الشريك الأبرز لتركيا في التركيز على حلب هو فرنسا؛ فالرئيس الفرنسي ووزير خارجيته كررا تصريحات مشابهة عن الوضع الإنساني وما شابه، وليختم وزير الخارجية، لوران فابيوس، تصريحه بالقول: «لهذا نحن ندعم إنشاء منطقة عازلة»

وكان لافتًا انضمام مبعوث الأمم المتحدة لسورية، ستيفان دي ميستورا، إلى جوقة المهتمين بحلب؛ ولكنه تناول الأمر من الناحية التي ستصبح فيما بعد مكسر عصا وسائل الإعلام، وهي توجه أرتال من “داعش” إلى حلب. وهكذا سيصبح لدى الرأي العام المؤيد للحلف، الذي سمى نفسه «أصدقاء سورية»، خطران على حلب هما “داعش” والدولة السورية، أو «التنظيم والنظام» على حد تعبير وسائل إعلامية معادية للإدارة السورية. وأرفق دي ميستورا تصريحه باقتراح سماه «تجميد الاشتباك»، لكن سورية قبلت دراسته دون أن تقبله بشكل صريح، ودون أن يعرف رد “داعش” عليه.

هل هي لعبة إعلامية:

يمكن أن نشير إلى ما يمكن أن نسميه بأنه «موهبة» حقيقية لدى أردوغان، وهو قدرته على تغيير محور الاهتمام اليومي، أو الموضوع الأبرز في الأضواء؛ فعندما تنحدر الأخبار إلى جهة لا يريدها يقوم بابتداع موضوع جديد يهتم به الرأي العام ويترك الموضوع الأصلي. فعندما كان اهتمام الجمهور التركي منصبًا على التطورات الميدانية مع “حزب العمال الكردستاني” طرح فجأة موضوع العمليات القيصرية وحبوب منع الحمل. وفي مرة أخرى طرح موضوع سكن الطلاب الذكور والإناث مع بعضهم البعض قي نفس البيوت. وبناء عليه يمكن الافتراض أن تركيزه على حلب قد يكون له علاقة بالاهتمام العالمي بمدينة عين العرب، وهو الاهتمام الذي أبدى أردوغان ضيقه منه مرارًا وبشكل مكشوف لا يحتمل التأويل.

 

تقدم الجيش السوري يقلب الحسابات:

الكاتب والناشط السياسي محمد سعيد حمادة يرى أن انتصارات الجيش في مختلف الجبهات هي السبب الحقيقي للاهتمام المفاجئ بحلب، ويعتبر أنه «للمرّة الأولى منذ بدء الحرب على سوريا يشعر هؤلاء أن ما فعلوه يذهب هباء، ولهذا يحاولون استغلال ما يسمى بـ”حلف الحرب على الإرهاب” ليتدخّل في حلب وليحدّ من تقدّم الجيش السوري»

ويوضح حمادة، في تصريحه الذي خص به “عربي أونلاين”، أن كل التصريحات عن حلب «ما هي إلا قلق جدّي، أكثر من أيّ وقت مضى، في أن الجيش السوري يتحرّك براحة وحرّيّة أكبر ويضرب بقوّة موجعة عملاء تركيا وحلفاءها. وهذا يعني بالتالي أن “إسرائيل” قلقة على عملائها كذلك في جبهة الجنوب (حوران والقنيطرة) الذين أرسل الجيش السوري عبر إبادتهم رسالة واضحة جديدة لها، بعد رسالة شبعا التي وقّعها بقوة وصراحة حزب الله، بأن أحلامها في حزام أمني أو منطقة آمنة أو “جدار طيب” هي ضرب من المستحيل»

ويشير حمادة إلى تصريحات موسكو المحذرة من مغبة «حرب كبرى»، والتي يجب أن توضع في نفس السياق برأيه. كما يربط بين تصريحات ميشيل كيلو، التي أقسم فيها أن حلب لن تسقط، والتصريحات الحالية للمسؤولين الأتراك والفرنسيين.

 

من الناحية الميدانية:

الجيش السوري كثّف ضرباته، التي باتت أكثر إيلاماً من قبل حول حلب؛ فبات يقاتل للسيطرة على أربع أو خمس كيلومترات أخيرة، هي المسافة بين حندرات والليرمون، وبها يكمل إحكام الطوق على مدينة حلب، وقطع طريق المسلحين فيها من تركيا. وتبقى عندها النهاية المحتومة للمسلحين الباقين في المدينة، والذين سيبقون عندها تحت رحمة براميل البارود.

وكان تنظيم “فيلق الشام”، أحد التشكيلات المنضوية تحت اسم “المعارضة المعتدلة”، قد أعلن إرساله مؤازرة إلى حندرات لمنع سقوطها في يد “النظام”، وذلك من مدينة كفرتخاريم الإدلبية. ولم يفصح عن أعداد المسلحين، مكتفيًا بالقول إنها كبيرة.

وأما في مواقع التواصل الاجتماعية فقد تناقضت التصريحات والتعليقات من الحسابات، التي تدّعي أنها لتنظيمات أو أفراد يقاتلون الدولة السورية؛ فبينما نفى البعض انسحاب عشرة آلاف مقاتل من ميليشيا “الحر” من حلب، فإن بعضها الآخر أكد الأمر، مشددًا على «بيع القضية». ولم يتم التحقق من طرف جهة حيادية وذات مصداقية.

وبكل الحالات، فقد ظهر جمال معروف، رئيس تنظيم «ثوار سورية»، في الإعلام التركي، وقد فرّ من ساحات القتال في حلب أمام الجيش السوري، وفي إدلب أمام تنظيم «النصرة».

 

الأتراك يتحضرون للندب:

بشكل متسارع وأكثر غزارة من قبل بدأ كتاب وصحفيون أتراك إلى الإشارة لموضوع حلب والخسارة الكبيرة، التي من المتوقع أن تقع فيها بلادهم، التي راهنت كثيرًا على رهانات المنطقة العازلة وتقسيم سورية وإسقاط الأسد.

فقد قالت صحيفة “خبر تورك” التركية، في تقرير خاص، إن تركيا أعلنت حالة التأهب القصوى أمام احتمال إحكام الجيش السوري الحصار على حلب، موضحة أن الحكومة تتوقع بدء موجة هجرة عملاقة تقدر بثلاثمائة ألف لاجئ، يفرّون من حلب، يصل منهم تركيا أكثر من مائة وخمسين ألف لاجئ.

وقالت الصحيفة أن الحكومة التركية تتحسّب لسقوط آخر المدن، التي تسيطر عليها مليشيا “الجيش الحر”؛ فحينها لن يبقى من مدن إلا الرقة ودير الزور بيد تنظيم “داعش” وبقية المدن بيد الدولة السورية.

وأهم المشاكل، التي تناولتها التقارير الاستخباراتية، ستكون على الشكل التالي:
شعور الشعب التركي بأن الحكومة تهمله لصالح اللاجئين. زيادة ظواهر اجتماعية سلبية؛ مثل التسول، وتشرد الأطفال، والسرقة، والزنا، وعمل الأطفال، وتعدد الزوجات، والزواج المبكر، والعنف. ارتفاع أسعار الإيجارات في البيوت والمحلات. احتمال حدوث عمليات تخريبية بالترافق مع سوء أوضاع اللاجئين السوريين.

 

سقوط حلب هزيمة لتركيا التي فشلت في اختيار القادة الميدانيين:

وفي زاويته، صحيفة “ستار” الموالية لحزب أردوغان، رأى الكاتب هاكان ألبايراك أن سقوط حلب لا يعتبر هزيمة للمعارضة فحسب بل هزيمة لتركيا نفسها، موضحًا أن بلاده دعمت المعارضين ولكنها «أخفقت في اختيار القادة الميدانيين».

ودعا ألبايراك تركيا إلى تقديم دعم عسكري ولوجستي أكبر للمعارضة في حلب معتبرًا هذه النقطة «مفصلية لمستقبل تركيا»، وأشار إلى أن «على الشعب التركي أن يعلم أنه يجب أن يكون مستعدًا لدفع أثمان غالية مقابل دعم المعارضة السورية من تحت الطاولة وإيصال المساعدات عبر الأيادي الأمينة» على حد وصفه.

 

كاتب تركي: أحلامنا بتركيا الكبرى على وشك الانهيار في حلب

ورأى الكاتب التركي أيهان إيشيك، المعروف بمناصرته للمعارضة المسلحة في سورية، واشتراكه في نشاطات داعمة لها، أن أحلام “تركيا الكبرى” تنهار في حلب مع تشديد الجيش السوري الحصار عليها، معتبرًا أن سقوط حلب بيد الجيش يعتبر هزيمة لتركيا الدولة والحلم.

وقال إيشيك، في مقاله المعنون بـ«هل حان وقت وداع حلب؟»، والمنشور في موقع «إصلاح خبر»، أن نجاح الجيش السوري بمحاصرة حلب يعني محاصرة سورية بأكملها اعتبارًا من حدود تركيا، ومشيرًا إلى أن المواقع والكتاب الموالين للأسد أخرجوا بلطاتهم الحربية من أغمادها متأهبين للاحتفال بنصرهم في سورية، ومتوعدين بالانتقام من تركيا.

وأضاف إيشيك: «في هذه الأيام التي نرسم فيها أحلام تركيا الكبرى فإننا نتجه نحو تركيا فشلت في امتحانها السوري. أما مسؤولو تركيا، الذين كانوا حتى حصار حلب يعتقدون أن الأسد راحل، لم يدركوا بعد أن حلب هي مثل البالون المغموس بالصابون، والذي إن أفلت مرة من اليد فلن يعود مجددًا»

وختم إيشيك بالقول: «كنا ننتظر من الدولة أن تحمي حلب، التي كنا نتوقع لها أن تضم خارطة سورية بأكملها إليها، وننتظر أن تدرس خطط العدو (أي النظام السوري) الهجومية وتقدم مساعدات نوعية للمعارضين، الذين لا يعرفون فنون الحرب. ولكن تبين أن دور أجهزة استخباراتنا لم يتعد التجسس على هواتف مواطنيها»

 

سورية توقع حكومة تركيا في الفخ:

في صحيفة “راديكال” نقل مراد يتكين عن مصادر تركية عسكرية واستخباراتية قولها إن سورية تتعمد عدم إغلاق الفجوة المتبقية شمال غرب حلب، بعرض حوالي خمس كيلومترات، بهدف دفع الموجودين في حلب إلى مغادرتها إلى تركيا. وذلك حتى تلقي بعبئهم فوق تركيا، وتتخلص بالتالي من هذا العبء عبر دفعهم إلى تركيا.

ويغلف الكاتب مخاوف بلاده بتكرار نظرية موجة اللاجئين، لكن في الحقيقة إذا قرأنا وراء الأسطر يمكن لنا أن نستشف أن سورية، وبشكل مفهوم تمامًا، تفتح الطريق للمجموعات المسلحة للفرار من حلب إلى مدينة كيليس التركية، لتبقى حكومة أردوغان أمام مغبة استقبال عناصر مسلحة وغير منضبطة، وستكون مصدرًا للقلاقل والمشاكل. وخاصة أن أغلب هذه العناصر هم ممن اعتادوا حياة الأرباح السهلة القائمة على التهريب والسلب بشكل أساسي. ومن الصعب عليهم الانتظام في حياة قائمة على العمل المنتج. ومما لا شك فيه أن تدريبهم، الذي قدمته لهم تركيا، وذخيرتهم، سيستخدمونها في الأراضي التركية، وعلى مواطنين أتراك، إن تقطعت بهم السبل.