يوميات وأعباء حياتية في مهب الأزمات بحث دائم عن مصادر الرزق .. تقشف معيشي تحت عنوان النزوح ومبادرات باحثة عن التمويل والرعاية

يوميات وأعباء حياتية في مهب الأزمات بحث دائم عن مصادر الرزق .. تقشف معيشي تحت عنوان النزوح ومبادرات باحثة عن التمويل والرعاية

أخبار سورية

الخميس، ١٣ نوفمبر ٢٠١٤

حولت بيتها الصغير الذي لجأت إليه بعد محنة نزوحها مع أطفالها الأربعة، إلى ورشة عمل دائمة للخياطة لا تهدأ وتيرتها ليل نهار لتقاوم شبح الفقر ومذلة السؤال، أم سعيد الحسين ذاقت مرارة الحياة بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى فقد فقدت زوجها ومنزلها ومحلاً كان يمثل مصدر دخلهم الوحيد  لتجد نفسها  في مواجهة قهر الحياة خالية الوفاض مكسورة الجناح، مع أربعة أطفال يثقلون أعباءها الدائرة في يوميات متخمة بالمنغصات ومنهكة بالبحث  عن مصادر الرزق لتأمين أبسط مسلتزمات الحياة، وحال أم سعيد كحال الكثيرين من الذين التهمت الأزمة كل ممتلكاتهم وهجرتهم  ليصبحوا ضحايا دائمين للنزوح وملاحقين من الفقر والحاجة.
طبعاً القصص كثيرة وحاضرة في كل مكان والقاسم المشترك فيها هو معاناة الناس وتشابه يومياتهم ، فالشاب أيهم المصري “صاحب محل حلويات سابقاً”، والذي فقد محله ومنزله في الأزمة وهجر مع عائلته ليصبح باحثاً عن مصدر رزق يعيل به عائلته وينقذه من مخالب الحاجة  وسوء الحال وقسوة الظروف، ومع كثرة من فقدوا أعمالهم ومحلاتهم  ومنازلهم جراء الأزمة، نسأل: من المسؤول عن هذه الفئات التي أصبحت تقدر بنسبة 40% من النسيج المجتمعي، وماهو دور الحكومة والجهات المعنية في دعم وتمويل الفقراء والمتضررين من الأزمة وتأمين موارد دخل لهم ، وحمايتهم من الاستغلال والاتجار بهم؟.
الدعم الإنساني
خلال الأزمة ظهرت عدة جهات غير حكومية وغير ربحية، تتبنى المشاريع الفردية والمبادرات الأهلية لمساعدة المحتاجين والفقراء والمتضررين من الأزمة، وعملت على أرض الواقع لحصر وتعيين الفئات المستهدفة، للدعم الإنساني والاقتصادي، فبدأت بتقديم السلل الإغاثية الغذائية والدوائية ثم طورت نشاطها لدعم الأفراد في إنشاء مشاريعهم كالأمانة السورية العامة للتنمية ومنظمة الهلال الأحمر، وبنك الإبداع ضمن مخططات ودراسات وتمويل لتأهيل الأفراد وتمكينهم لامتلاك أدوات ليكونوا فاعلين في المجتمع، وتحريك عجلة الاقتصاد بهم. ومن ضمن هذه الفعاليات كانت المبادرة الإيجابية التي قامت مجموعة من سيدات الأعمال اللواتي عملن على تجميع وشراء بعض المواد الأولية وتوزيعها في مراكز الإيواء على كل من يرغب في العمل، في مبادرة طيبة للتشجيع على العمل وتوفير سبل العيش الكريم، لمن ضاقت عليهم الحياة، وقد حدثتنا السيدة مروة الايتوني صاحبة الامتياز الأول للحاضنة الصناعية في سورية ورئيسة لجنة سيدات الأعمال في غرفة الصناعة في دمشق وريفها، عن المبادرة ودورها في تشغيل مجموعات كبيرة من الأسر المهجرة والمتضررة، حيث بينت أهمية التفكير بالمساعدة، ولو كان الأمر بسيطاً في البداية كتوفير المواد الأولية للخياطة مثل  الكروشيه وأثواب القماش، أو تأمين مواد المونة “الحمص – البازيلاء- الفول….” لتنقيتها وتعليبها، ثم طرح الإنتاج في عدة معارض تقام لحساب العاملين وتسويق المنتج  للتجار والمستهلكين، كمعرض “هذا ما صنعته سيدة سورية”  طرح جميع المنتجات اليدوية. كما أكدت أن الوزارة الصناعة تدعم وتؤيد أي مشروع يساعد بتشغيل عائلي أو أسري، والعمل على تدريب وتأهيل الأفراد الذي يعتبر دعماً حقيقياً للصناعيين وخطوة هامة في إعادة إعمار الصناعة، وردف السوق المحلية بمنتوجات محلية الصنع وبسعر مناسب، وفي ضوء اقتراحنا بتوسيع هذه المشاريع لتشمل جميع المتضررين ودعم كافة المحتاجين، أوضحت السيدة الايتوني أن المشاريع نُفذت في مراكز الإيواء فقط، وتطالب بدعم أكبر لهم عن طريق تخصيص مكان خاص للحاضنة الصناعية ليتم العمل على مجال أوسع .

للأزمة أزمات
نتجت عن الأزمة فئات معدومة خسرت كل ممتلكاتها، تعيش على هامش الحياة أو في مراكز الإيواء، ولكن لديها مهاراتها وخبراتها وأحياناً شهاداتها، وهي فئات تحتاج من يساندها ويدعمها مادياً ومعنوياً، ويمد لها يد العون لتبدأ من جديد، بالفعل كان مصرف الإبداع للتمويل الصغير والمتناهي الصغر حاضراً في أكثر المجالات ليدعم كل من يحتاج الدعم المادي بقروض صغيرة ومتوسطة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، تبدأ بـ 10 الآف ليرة سورية “قروض المجموعات النسوية” وغيرها الكثير، فقد شكل بنك الإبداع حلقة متكاملة مع الهلال الأحمر بموجب الاتفاقية الموقعة بين الطرفين لدعم الفئات المتضررة من الأزمة، فقد أحدث مصرف الإبداع  بقانون /9/ في عام 2010 بهدف المساهمة من ظاهرتي البطالة والفقر وتخفيف وطأتهما على الشرائح الفقيرة في المجتمع السوري وخاصة النساء والشباب وصولاً إلى الاعتماد على الذات،  ويعد مصرف الإبداع أحد أبرز الممولين للمشاريع الصغير والمتناهية الصغر بشروط ميسرة وبالحد الأدنى أو حسب حجم القرض، فقد عمل الهلال الأحمر على تدريب وتأهيل المتضررين والراغبين بالعمل من خلال إخضاعهم لدورات تدريبية مهنية ومن ثم إقامة ورشات عمل لهم، لإعداد خطط عمل لمشروعاتهم وأخيراً ضمانهم للاقتراض من مصرف الإبداع لإقامة مشاريعهم الخاصة، وقد أكدت إدارة المصرف على أن الشروط والكفالات بسيطة وسهلة وتناسب أوضاع الفئات المستهدفة، ومن بين هذه الضمانات (الكفالة الاجتماعية) في ظل عدم وجود كفلاء موظفين في الدولة للمهجرين من منطقة إلى أخرى والذين فقدوا أموالهم أو أعمالهم إذ يمكن قبول الكفالة الاجتماعية في حالات معينة من الكفلاء أصحاب الدخول ومثال على ذلك ” كفالة الزوجة أو الأم أو الأب أو الوجهاء”، وهي خطوة فريدة في المعاملات المصرفية يتمتع بها بنك الإبداع لتسهيل الحصول على القرض، والوصول إلى كافة الشرائح المستهدفة. وقد قدرت القروض الممنوحة خلال 2014/حوالي  4000 قرض فردي بقيمة 345 مليون ليرة سورية لغاية إعداد هذا التحقيق و33 قرضاً جماعياً أي ما يعادل 99 مستفيدة.

من الواقع
في محاولة لكشف مطابقة الأسماء المقترضة من البنك زرنا السيدة أم أشرف كاميليا حامد متعاملة مع بنك الإبداع بعدة قروض، وهي سيدة أصيب زوجها في الأحداث، فعملت على استجرار كميات من الألبسة التي تحتاج إلى “شك وتطريز وتركيب أزرار” من المعامل، إضافةإلى حياكة الصوف والخياطة، وكان منزلها  مقر عملها مع عدد من النسوة، لكنها حصلت مع مجموعة من السيدات على قرض المجموعة وهي مجموعة تكفل بعضها لدى البنك، واستطاعت أن توسع عملها فتمكنت من استئجار محل ليصبح لديها ما يقارب 70 عائلة تعمل معها في جرمانا، لكن من خلال الحديث معها أكدت لنا أنه بالرغم من دعمها مادياً وتمويلها إلا أنها لاتزال تقع تحت وطأة التاجر وتحكمه بالأسعار، لذلك وجود جهات تمول المشاريع، لايحل المشكلة كلياً بل لابد من وجود أنظمة أو جهات تضمن حقوق هذه الفئات العاملة، وتحميهم من الاستغلال، ليدخلوا دائرة الإنتاج بشكل مجدٍ، وتسمح لهم بتوسيع أعمالهم ورفد الأسواق بمنتجات شعبية محلية بأسعار مناسبة فتعود المنفعة على الوطن وعليهم بالمزيد من المشاريع والأرباح.

سياسات بديلة
بشكل عام اعتمدت الحكومة في السابق سياسات التنمية الاقتصادية للمشاريع الاقتصادية الضخمة مثل بناء طرق المواصلات والجسور، والسدود والمطارات والمشاريع الصناعية الكبيرة وغيرها، إلا أن الأزمة خلقت حاجة ماسة إلى تبنى سياسات اقتصادية تمول المشارع الصغيرة والمتناهية الصغر، فهل هذه المشاريع مجدية؟ الدكتور هيثم عيسى محاضر في كلية الاقتصاد أكد على ضرورة لحظ  جدوى هذه المشاريع من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية وليس التركيز فقط على الجانب الاقتصادي، حيث تتميز المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر بحاجتها إلى مستويات منخفضة جداً من التمويل وبالتالي لا تُشكل عبئاً على ميزانية الدولة وهذه ميزة مهمة عندما تكون موارد الخزينة قليلة كما هي الحال في سورية في الوقت الحالي. إضافة إلى سرعة دوران رأس مال هذه المشاريع وهي ميزة كبيرة مقارنةً بالمشاريع الكبيرة التي قد تتطلب عملية إنشائها عدة سنوات ما يؤدي إلى تأخر عوائد تلك المشاريع. وإذا أردنا تقييم الآثار المترتبة على فشل المشروع أو توقفه فإنه لا يمكن مقارنة سلبيات ذلك في حالة المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر (عدة مئات من آلاف الليرات) مع المشاريع الكبيرة (عدة مئات من الملايين). ميزة أُخرى تتمتع بها المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر هي عدم تأثرها بالأزمات الاقتصادية الكبيرة وحالات الحصار والعقوبات الاقتصادية الدولية. مثلاً ورشة خياطة تعمل فيها خمسة نساء وتقوم بتصريف إنتاجها في سوق محلية قريبة لن تتأثر بحالة كساد يمر بها الاقتصاد الوطني أو بعقوبات اقتصادية على البلد مثل مشروع معمل نسيج يوظّف 200 عامل ويصدر جزءاً من إنتاجه إلى الدول الأخرى.

دعم حكومي
وعن دور الحكومة في دعم هذه المشاريع وتبني سياسات تنموية اقتصادية جديدة رأى د .عيسى أن المرحلة القادمة تتطلب تشجيع هذه المشاريع التي يمكن أن تكون فعالة جداً إذا أمكن حل مشكلات الحصول على التمويل اللازم والتي تمنع شروط البنوك المحلية العامة والخاصة والمتطلبات المختلفة من وصوله إلى تلك الفئة في المجتمع. كما يحتاج جانب آخر إلى تدخّل حكومي هو تسويق منتجات تلك المشروعات ويمكن أن يكون ذلك عبر المؤسسات العامة (الاستهلاكية، الخزن والتسويق، سندس وغيرها) وكذلك تنظيم المعارض الخاصة بمنتجاتها وأن يكون بعضها معارض دائمة أو تنعقد بشكل دوري منتظم.وتخصيص أول يومي عطلة من كل شهر لعرض هذه المنتجات للبيع المباشر في ساحات وحدائق عامة محددة.

معارض وبازارات
يمكننا أن نشير إلى مثال محلي هو سوق الضيعة الذي نُظّم منذ حوالي سنتين ونصف في التكية السليمانية بدمشق، المعارض العديدة التي نُظمت في عدة محافظات للمنتجات المنزلية والمشغولات اليدوية المختلفة وغيرها.من المعارض والبازارات التي أتاحت المجال لعرض هذه المنتجات.

قيمة اجتماعية
ويقع على عاتق الحكومة  حسب د. عيسى مسؤولية تشجيع المبادرة الفردية وإعطائها قيمة اجتماعية محترمة لأن السائد في مجتمعاتنا هو قيمة لعمل الحكومي الذي يضمن راتباً محدداً في نهاية كل شهر ويُمكن من تكوين علاقات عامة مفيدة في جوانب عديدة ومخاطرته شبه معدومة. وفي إطار هذا التشجيع للمبادرة الفردية يمكن تكييف سياسات الدعم لتستهدف مثلاً المشاريع الجديدة من حيث فكرتها أو من حيث استغلال موارد محلية أو التي تُؤمن عدداً أكبر من فرص العمل وغيرها.

عامل وقاية
تُمثّل المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر عامل وقاية ضد عدد من الأمراض الاجتماعية مثل السرقة والانحراف إلى السلوكيات غير الأخلاقية، فعملياً يحتاج الإنسان إلى دخل مادي لتمويل متطلبات معيشته، وإذا فقد دخله نتيجة سبب اقتصادي أو تهجير بفعل أزمة ما فإن حاجاته ستبقى بحاجة للإشباع فإما أن تؤمن له مصادر دخل بديلة أو ينحرف إلى السرقة وغيرها الدراسات من الدول الأوروبية وغيرها تبين ارتفاع معدلات الجريمة وبخاصة السرقة في ظروف التراجع الاقتصادي وارتفاع البطالة. كذلك تتسبب الأزمات التي تُفقد الأسر مصادر دخلها في مشاكل اجتماعية خطيرة مثل ارتفاع نسب الطلاق وتشتت الأسر، تراجع نسب الزواج وارتفاع معدلات العنوسة، وتزيد من عمالة الأطفال بدل  التزامهم بالمدارس، لذلك يبقى الحل في الإسراع لدعم هذه الفئات وتأهليها وتمويلها بالشكل الأمثل لضمان تخطيهم لمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وإعادة إعمار بلدنا مسؤولية جماعية تتمثل بتكاتف الجميع للنهوض من مخلفات الأزمة ومعالجتها.