حقل الشاعر للغاز، عقدة قتالية أو ذريعة للتحالف؟

حقل الشاعر للغاز، عقدة قتالية أو ذريعة للتحالف؟

أخبار سورية

الجمعة، ٣١ أكتوبر ٢٠١٤

 الكثير ممّن يتابعون الحرب في سورية لا يعرفون الجغرافية وتعقيداتها، ولا توزّع القوات المتحاربة وإمكانياتها، لهذا السبب وغيره من الأسباب تستطيع وسائل الإعلام بتنوّعها أن ترسم صورة تضخيمية أحياناً في سياق سياسة تكبير الوهم واللعب على معنويات العامّة الذين لا يشغلون بالهم في تحليل الخبر لتعدد الأخبار اليومية وتنوعها.
حتى اللحظة ما زال الكثير من الجبهات في سورية تتداخل ببعضها جغرافياً لدرجة كبيرة وتندرج في سياق تعقيدات الواقع الميداني المختلف بين جبهة وأخرى.

ففي محيط جبل الشاعر وقبل الدخول في مقاربة الواقع الميداني المباشر لما جرى في الحقل، لا بدّ من توضيح طبيعة المنطقة التي تتّصف بخليط من الجبال الوعرة ذات التضاريس المعقدة والطبيعة الصحراوية القاحلة، وتنوع البيئات السكنية التي يطغى عليها كثافة عشائرية شكلّت بيئة حاضنة للجماعات المسلّحة.

ففي المحيط المباشر للحقل يحدّه من جهة الشمال الغربي تجمع ما زال يتواصل عبر الممرات الجبلية والصحراوية بالمنطقة الشرقية عبر أكثر من معبر، وباتجاه الغرب ما زالت الجماعات المسلحة تسيطر على مساحات واسعة ترتبط بريف الرستن عبر المخرم والشومرية، ومن هنا نفهم العمليات التي يقوم بها الجيش السوري لقطع خطوط الإمداد في ريف المخرم عن تلبيسة والرستن وغيرها.
في أواسط تموز الماضي قامت قوات من داعش بالسيطرة على حقل الشاعر وارتكبت مجزرة بحق حامية الحقل والموظفين، ليعود الجيش السوري بعدها بيومين عبر عملية عسكرية بإعادة سيطرته على الحقل وبعض التلال في محيطه.

منذ أيام تتكرّر العملية عبر استغلال داعش لطبيعة الأرض الوعرة بالتسلل ليلاً هذه المرّة وتطوير عملياته باتجاهين، جنوباً عبر الوصول الى جباب حمد لقطع طريق حمص تدمر بالنار عبر توضيع عدد من السيارات رباعية الدفع التي تحمل رشاشات ثقيلة وكذلك عبر الهاونات، فيما اندفعت قوات أخرى لداعش باتجاه الحقل وعملت على السيطرة على أجزاء منه كما أشارت بعض المصادر.
بمعزل عن مدى السيطرة سواء كانت جزئية أو كاملة، فعلى الجيش السوري معالجة المسألة ببعد استراتيجي شامل وليس تكتيكي مرتبط بالحقل وحده، فإذا استطاعت قوات داعش السيطرة بشكل نهائي على المنطقة فهذا يعني أنّ مخاطر قديمة ستبرز الى الواجهة من جديد.

المنطقة المحيطة بحقل الشاعر هي من أغنى المناطق السورية بحقول الغاز وتحتوي شبكة متكاملة من الحقول ومعامل المعالجة وشبكات التوزيع، إضافةً الى وجود أكبر وأهم المطارات الحربية السورية فيها وهو مطار تياس العسكري الذي يحتوي بحسب المعلومات الطائرات الحربية التي تشكّل عماد القوة الضاربة لسلاح الجو السوري.
كما تشكل المنطقة عقدة مواصلات هامة في كل الإتجاهات، شرقاً بإتجاه قلب منطقة داعش وعمقها الإستراتيجي ونعني محافظتي الرقّة ودير الزور، وشمالاً بإتجاه حلب التي ترتبط مواقع داعش في محيط جبل الشاعر وعقيربات بكل امتدادها بما فيها الإمتداد شرقاً نحو أرياف حمص، كما تشكّل المنطقة نقطة هامّة لإعادة وصل دمشق عبر خطوط البادية المعقدة.

في الأهداف المباشرة يبدو حقل الشاعر جزءاً من إهتمام داعش بموضوع النفط والغاز، والسيطرة على هذه المنطقة تعني التحكم بإنتاج وتوزيع الغاز الى مناطق عديدة في سورية.
في الأهداف غير المباشرة تعتبر سيطرة داعش على هذه المنطقة بمثابة الذريعة المجانية لأميركا وتحالفها لتدمير أهم مواقع الغاز السوري بحجّة حرمان داعش من الإستفادة من ناتج حقول الغاز.

في الجانب العسكري لا بدّ من ربط عمليات داعش ببعدها الإستراتيجي والذي أصبح واضحاً، وهو إبعاد المعارك المباشرة عن قلب منطقة "الخلافة" سواء في العراق أو في سورية، وهذا ما يبدو واضحاً من نقل داعش لساحات المعارك الى اطراف "دولة الخلافة"، وهو أمر يتيح لداعش الإستمرار فترة طويلة في خوض معاركه والتوسع أكثر، والأمثلة في هذا الجانب كثيرة وأهمها نقل داعش لمعاركها الى تخوم بغداد والانبار والى عين عرب "كوباني"، وحالياً في حقل الشاعر الذي سبق أن قمنا بتوصيف أهميته الجغرافية والإقتصادية والعسكرية.

وبالنظر الى المسرحية التي تقوم بتمثيلها أميركا في ضرب داعش والتي لم تحقّق حتى اللحظة أي نتائج سلبية على تنظيم داعش، لا بد من معالجة الأمر ببعد إستراتيجي يأخذ بعين الإعتبار مجموعة الأهداف الأميركية التي لم يُعلن عنها كلها ولكنها بحكم المعلنة من حيث الهدف الرئيسي المتمثل بإخضاع سورية وفرض تسوية بحسب الشروط الأميركية.
ومن هنا من حقنا أن نتساءل: هل ما يجري في حقل الشاعر هو مجرد عمل تكتيكي مرتبط بالجبهة المحيطة بحقل شاعر، أم هو عمل يتخطى السيطرة المباشرة على عقدة قتالية وجغرافية ليندرج في سياق إكمال قوات داعش لحلمها في بسط سيطرتها على كامل خريطة "دولة الخلافة" التي سيطر داعش على جزء كبير منها بإستثناء القسم الهام وهو الإطلالة على البحر، أم أنّ الأمر صار له غايات أخرى ومن ضمنها توفير الذريعة لأميركا لضرب البنية الإقتصادية لسورية من نفط وغاز وغيره؟

من المفروض أنّ القيادة العسكرية السورية تمتلك محاكاة للسيناريوهات المطروحة سواء لأهداف الجماعات المسلّحة أو لأميركا وتحالفها.
ومن هنا تبرز أهمية وضع إجراءات مضادة تتناسب مع حجم المخطط القديم الجديد الذي يخضع للتطوير بشكل دائم حتى لا ينطبق على ما جرى المثال الشائع: "لا يلدغ المرء من الجحر مرتين".