ما يحدث في سورية لم يسبق له مثيل في التاريخ..مطالب محقة تحولت إلى حرب دولية..خسائر بالمليارات والشعب مازال صخرةً في وجه أعدائه

ما يحدث في سورية لم يسبق له مثيل في التاريخ..مطالب محقة تحولت إلى حرب دولية..خسائر بالمليارات والشعب مازال صخرةً في وجه أعدائه

أخبار سورية

السبت، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٤


أسئلة كثيرة تطرح نفسها تتعلق بالأسباب والظروف التي جعلت الأزمة في سورية تسير في هذا المنحى الخطر على امتداد أربع سنوات... فهل كان أحد يتوقع أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه.
لقد كان واضحاً أن ما يسمى الربيع العربي الذي انطلق من تونس كان يسير على وقع ما خطط له الفرنسي اليهودي برنار ليفي الذي كان يريد أموراً عديدة يأتي في مقدمتها نشر (الفوضى الخلاقة) التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس إيذاناً بولادة ما سمته الشرق الأوسط الجديد، وإضعاف الدولة القومية، أو الدولة المركزية وفق ما تتطلبه العولمة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات والشركات الكبرى على العالم... وإذكاء الصراعات الاثنية والمذهبية، ذلك لأن مذهبة الصراع في المنطقة التي يسكنها خليط من الإثنيات والطوائف المتعايشة، والمتلاقية على مواجهة المشروع الأميركي – الإسرائيلي تجعل من دولها تغرق في صراعات داخلية قد تفضي إلى تقسيم الكيانات المقسمة إلى أجزاء ما يفقدها مقومات الدولة، لتصبح تلك الأجزاء دولاً مبنية على أساس عرقي، أو طائفي، وكل واحدة منها تعادي الأخرى لترك الصراع الأساسي والمركزي مع (إسرائيل) وداعميها.
كان ذلك التوطئة الطبيعية لاستهداف سورية على وجه الخصوص، وذلك ليس لأن سورية لا تحتاج لإصلاح، ولا تعمل عليه كما حاولوا التسويق... وإنما للاقتصاص من سورية ودورها الوطني والعربي والإقليمي في مواجهة المشروع الأميركي – الإسرائيلي.
من مطالب محقة إلى حرب تدمير
في الأسبوع الأول من الحراك الشعبي في سورية، ونتيجة ما أدركته القيادة السورية من استهداف لسورية الدولة والموقع والموقف السياسي، بادرت مباشرة للإعلان عن تحقيق مطالب الناس المحقة فتحققت عدة أمور كانت كافية لإنهاء الحراك إلا أن كل هذه الخطوات التي كانت كافية فعلاً لحل الأزمة من جذورها وخاصة أنها استجابت لجميع المطالب المحقة... قوبلت وبتحريض سياسي وإعلامي من كل من قطر والسعودية وتركيا بالرفض وبتصعيد العمل العسكري من قبل المسلحين الذين سفكوا المزيد من الدماء بالاعتداء على الجيش والقوى الأمنية، وفق مخطط معلن كان يهدف فعلاً إلى تدمير الدولة وليس إلى الإصلاح حيث تم ذلك من خلال: حرق العديد من المنشآت العامة (صالات استهلاكية – مشافٍ – قصور عدلية – مخافر – مقرات أمنية – مقرات حزبية) والإيعاز إلى المواطنين ومن خلال وسائل الإعلام المرتبطة بالمشروع الأميركي – الإسرائيلي بعدم دفع فواتير الكهرباء وعدم تسديد الضرائب، وإعلان العداء لكل مؤسسات الدولة وللعاملين فيها، وكذلك استهداف المدارس والصناعيين ورجال الأعمال وحرق بعض المصانع الخاصة والعامة، واستهداف طرق المواصلات البرية والسككية وغيرها إضافة إلى طلب التدخل الخارجي على غرار النموذج الليبي، ابتداء من الحظر الجوي، وفي خطوة واضحة لتدمير البلاد وقتل الشعب ورفض الحوار والحلول السياسية، ومحاولة شخصنة الأزمة، وربط انتهائها بإسقاط الدولة السورية والإعلان صراحة عن استخدام السلاح وحمله في وجه الدولة تحت يافطة «الانشقاقات من الجيش العربي السوري» مع إلصاق كل الجرائم التي ارتكبها المسلحون بالجيش والقوى الأمنية بما في ذلك تفجير السيارات المفخخة التي نفذتها جبهة النصرة واعترفت بتنفيذها وتشكيل مجلس اسطنبول في اقتفاء نسخة مشوّهة عن المجلس الوطني الليبي من أناس لا تربطهم أية علاقة بالعمل السياسي، وبعض من هؤلاء يعيشون في الخارج ولا يعرفون شيئاً عن سورية ولم تطأ قدماه سورية منذ أربعين عاماً.
لماذا لم تنهار سورية؟!
لقد كانت منظومة افتعال الأزمة تعتقد بأن الدولة السورية ستنهار خلال أسابيع، أو خلال عدة أشهر، ذلك لأن قوى العدوان على سورية قد استخدمت كل ما لديها من قوة ومن وسائل ضغط سياسية واقتصادية وحتى عسكرية، لكن رهاناتهم سقطت للعديد من الأسباب يمكن أن نذكر بعضها.
1- رسوخ البناء المؤسساتي في سورية الذي بدأ في الثامن من آذار عام 1963 وقوي وتطور في العقود اللاحقة، وبالتالي باتت الدولة في سورية لا ترتكز على أشخاص وإنما ترتكز على بنيان مؤسساتي يكفل استمرار العمل وبشكل متكامل بين مؤسسات الدولة مهما اشتدت الأزمة، كما يكفل استمرار عمل كل مؤسسة على حدة سواء غاب مدير المؤسسة أو الوزير، أو حتى رئيس الوزراء كما حصل عندما تمت إقالة رياض حجاب من منصبه كرئيس لمجلس الوزراء ومن ثم هروبه إلى الأردن... وكذلك عندما تم استهداف خلية الأزمة وفقدنا على إثرها قادة كباراً، لكن ذلك لم يؤثر بشكل كبير على القدرة في استمرار التصدي للمؤامرة.
2- وقوف أغلبية الشعب السوري مع القيادة وفي هذا المجال نذكر بأن حوالي مليوني عامل في الدولة، ونصف مليون عسكري في الجيش، وخمسة ملايين طالب في مراحل الدراسة المختلفة، وملايين العمال في الزراعة والصناعة والقطاعات المختلفة واظبوا في عملهم غير آبهين بالتهديد والوعيد، وحتى بالاغتيالات التي طالت عدداً كبيراً من هؤلاء، لكن دورة الحياة الاقتصادية استمرت في أحلك الظروف.
3- انكشاف خيوط المؤامرة، وعدم قدرة الإرهابيين على تأمين البيئة الحاضنة لهم وبما يمكنهم من الاستمرار في ممارسة إجرامهم، وهذا ما جعل كلاً من دمشق وحلب وغيرها من المدن السورية تصمد في وجه هؤلاء وتشارك في صد اعتداءاتهم المتكررة.
لم يكن العدوان الدولي على سورية الذي بدأ في شهر آذار 2011 عدواناً طارئاً وإنما كان امتداداً لسلسلة طويلة من استهداف هذا البلد الذي حافظ على قراره المستمر وعلى التمسك بحقوقه الوطنية والقومية.
في أعقاب الحادي عشر من أيلول 2001 وضعت الإدارة الأميركية سورية على لائحة الدول المستهدفة، لثنيها عن مواقفها الداعمة لحركات المقاومة، ولعدائها الصريح للمخطط الأميركي – الإسرائيلي في الشرق الأوسط وبعد الاحتلال الأميركي للعراق في مطلع نيسان 2003 أتى وزير الخارجية الأسبق «كولن باول» لدمشق ومعه لائحة طويلة من الإملاءات الأميركية مهدداً القيادة السورية إن لم تلتزم بها، وخاصة أن كولن باول كان قد هدد صراحة بمئة وستين ألف جندي أميركي على الحدود السورية – العراقية إن لم تطرد سورية قادة الفصائل الفلسطينية من سورية، وإن لم تقطع علاقتها بإيران وبالمقاومتين العراقية واللبنانية، لكن كولن باول عاد بخفي حنين، بعد أن تم طرده من القصر الجمهوري في دمشق، مع إبلاغه صراحة رفض تلك الإملاءات رفضاً قاطعاً لأنها تدخّل صريح في الشؤون السورية، ومحاولة لاستباحة حقوق شعوب المنطقة في مواجهة الاحتلال وفي الدفاع عن مصائرها..
ثم أتى اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق على يد عملاء المخابرات الأميركية – الإسرائيلية، واتهام سورية بالعملية التي أدانتها سورية لتشكل ضغطاً جديداً واستهدافاً بواجهة قانونية من خلال ديتلف ميلس رئيس لجنة التحقيق الدولية ومن ثم اعتماد المحكمة الدولية والتي تبين فيما بعد براءة سورية من تلك الاتهامات.. حيث قامت (إسرائيل) بعدوانها الصارخ على المقاومة اللبنانية في تموز 2006 لخلخلة محور المقاومة، لكن انتصار حزب الله وبدعم سورية أفشل المخطط، ثم تم استهداف غزة في أواخر 2008، وفشل العدوان الأميركي – الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني،ثم لتعيد الدوائر الأميركية – الإسرائيلية استهداف سورية من جديد عام 2011 ولتشكل حلفاً دولياً سياسياً وإعلامياً واقتصادياً ضد الشعب السوري، كما أن ذلك الحلف لا يزال يقدّم الغطاء السياسي والدعم العسكري والمالي واللوجيستي للتنظيمات الإرهابية والتكفيرية للانقضاض على سورية الدولة والشعب والأرض.
هكذا ستكون سورية في 2015
اليوم تعيش سورية أسوأ أيامها مع الحرب المفروضة عليها وهي كما ذكرنا تدفع ضريبة مواقفها إلا أن الشعب السوري أثبت صلابته وشجاعته في وجه المعتدين ومايرتكبونه من جرائم ومجازر طالت البشر والحجر حيث بات قطع الرؤوس وأكل الأكباد واغتصاب النساء والأطفال سياسة يومية تمارسها العصابات التكفيرية الارهابية الممولة والمدربة في معسكرات الدول الامبريالية الكبرى والرجعيات الاقليمية والعربية.
لقد أوضح تقرير صادر عن “اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا” (الإسكوا)، أنه في حال استمرت الأزمة السورية إلى العام القادم، فإن كلفة الخسائر ستبلغ نحو 237 مليار دولار أميركي، بينها 17 مليار من الناتج المحلي الذي بلغ 60 ملياراً قبل بداية الأزمة في 2010، لافتاً إلى أن 90% من الشعب السوري سيكونون فقراء.
وأوضح التقرير أنّ 2013 هو العام الأسوأ على كل الصعد منذ بدء الأزمة، إذ شهد تدهوراً مستمراً في المؤشرات التنموية، وامتداد النزاع المسلّح إلى مناطق واسعة، وازدياد أعداد النازحين داخل البلد وإلى البلاد المجاورة، وتقلّص النشاط الاقتصادي في جميع القطاعات والمناطق، وإغلاق أعداد كبيرة من الشركات وتسريح العاملين فيها.
وبيّن التقرير أن تلك الظروف أدت إلى انخفاض الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي بالأسعار الثابتة لعام 2010، من 60 مليار دولار في 2010 إلى 56 مليار في 2011، ثمّ إلى 40 ملياراً في 2012، وإلى نحو 33 ملياراً في 2013″.
وأسهب التقرير موضحاً، أن الخسارة الإجمالية للناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي تقدّر بأسعار 2010 خلال الأعوام الثلاث الماضية بنحو 70.67 ملياراً، وارتفعت مستويات تضخّم أسعار المستهلك خلال الأزمة، إذ بلغت 89.62%، في الفترة الممتدة بين 2012 و2013.
وعزا التقرير تسارع التضخّم إلى انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأخرى في السوق السوداء، وارتفاع الأسعار بنسبة 173% خلال الفترة الممتدة بين 2010 و2013.
وقدّر الخبراء في الاجتماع مجموع الخسائر التي تكبّدها الاقتصاد السوري طوال السنوات الثلاث الأولى بنحو 139.77 مليار دولار، كما تكبّد القطاع الخاص خسائر بقيمة 95.97 مليار كما انخفضت نسبة الالتحاق الصافي في التعليم الأساسي من 98.4% في 2011 إلى 70% في 2013 .
وتتضمّن التقرير تقديرات الخبراء في شأن الفقر الذي يُتوقّع أن يصل خطه الأدنى في 2015 إلى 59.5%، أما خطه الأعلى فربما أن يتجاوز 89.4%، وهذا يعني أنه إذا ما استمرت الازمة لغاية 2015، فسيكون 90% من السوريين البالغ عددهم نحو 22 مليوناً فقراء.
أخيراً
إنها حرب إبادة حقيقية ضد الشعب السوري الصامد المدافع برجولة عن وجوده الإنساني وخياراته الوطنية.. ومن مهازل التاريخ أن يقف بعض دول المجتمع الدولي وأعضاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيره من المنظمات والأجهزة والهيئات الدولية، متفرجين على المأساة التي يعيشها الشعب السوري جراء التدخلات غير المبررة وغير المشروعة في الشؤون الداخلية السورية.
إن إنقاذ سورية اليوم يستدعي وضع خريطة طريق، ركيزتها الأولى تضافر جهود جميع الجهات المعنية، وهي دولية وداخلية، من أجل التوصل إلى حل سياسي تتخذ فيه جميع الأطراف خطوات شجاعة لوقف النزيف البشري والمادي.