«سفّاح الغوطة» يحفر قبره بيده.. والجيش السوري يُحضر للجنازة!

«سفّاح الغوطة» يحفر قبره بيده.. والجيش السوري يُحضر للجنازة!

أخبار سورية

الثلاثاء، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٤

رائحة الدماء تفوح من الغوطة الشرقية، كما رائحة التصفيات الجسدية لقائمة يطول سردها نظراً لما تحويه من أسماء وأسباب لإنهاء شخصيات ظهرت فجأة، وإختفت فجأة، لكن عملية الإختفاء كما الظهور وضع جانبها علامات إستفهام كثيرة.
حرب الأخوة أخذت تعمق أكثر وأكثر على وقع القتل المبني على خلفيات وحسابات نفوذ، لكن أفعال “زهران علوش” الذي إتخذ لنفسه لقب “القائد العام للغوطة”، وأسلوبه الدموي لا شك أنه إحتل في وقتٍ قياسي رأس قائمة رجال الحرب بعد سفكه لدماء العشرات من قادة الفصائل عبر سياسة دهاء ماكرة ضرب عبرها رؤوس التنظيمات التي شلّها كلّياً.
“زهران علّوش” خريج سجن “صيدنايا” تحول في فترة قياسية إلى “سفّاح الغوطة” وباتت تحت أسمه تُنسج الروايات عن عمليات تصفية متعددة، بأساليب مختلفة، بحق قادة معارضين له. القائمة تطول متضمنة حكاية بوليسية وأخرى من بنات الخيال، لكن نسبة الواقع فيها مرتفعة نظراً للعمليات الأخيرة التي بات يُسمع صداها في كل سوريا.
أخذ الرجل على عاتقه بعد السيطرة على نواحٍ متفرقة من غوطة دمشق تبيعات إغتيال قادة الميليشيات المسلحة وإنهاء حالة تعدّد المجالس العسكرية، حيث وضعت هذه الجماعات تحت خانة “المعارضة له”. تشير مصادر متابعة إلى ان “علوش” بنى هذه الفرضية على عدة عوامل لعل أبرزها النفوذ ونواياه التوسعية في مكان، وفي مكانٍ آخر حاول تقليص قوة الفصائل حماية لنفسه منها، كونها تنتهج أيضاً ذات أسلوب المكر، من جهة، ومن جهة أخرى حماية للفصيل الذي يقوده ويسعى من خلاله إلى تطبيق أفكاره، وليكون على تماسٍ مباشر في منطقة يسعى عبرها ومن خلفه من يشغله كي تبقى على خط نار دمشق التي حمل أفكار وأحلام إختراقها منذ نشأت جماعته.
تمتعت الغوطة الشرقية وفيها مدينة “دوما” خصوصاً بخليط عسكري معارض متعدد التوجهات والتيّارات الفكرية، لكن الجامع فينا بينها كان الإنتماء إلى مدرسة “السلفية الجهادية”، إمتزجت هذه الجماعات وإختلطت وشاركت في القتال سوياً ضد الجيش السوري إلا ان ظهر علّوش وتياره، الذي نال الولاءات وقام على إثرها بتوحيد بندقية أكثرية الفصائل تحت أسم تكتل إسلامي كبير “الجبهة الاسلامية” بعد ان كان قد اسّس “جيش الإسلام”. إنتماء “علوش” وجماعته إلى نفس فكر “السلفية الجهادية” لم يشفع للتنظيمات الاخرى التي إرتقت ان تبقى خارج الوحدة هذه حيث خرجت فئة قليلة تعارض هذا التوحد، كان نصيب هذه الفئة هتك الحرمة والتعدي ومحاولة الإبادة وإبعادها عن أي مشاركة عسكرية حتى أصبحت تحاول فرض نفسها تحت قوة السلاح، وفي الفترات الاخرى ومع نمو سلطة “علوش” بات قياداتها تتنقل سراً خوفاً من بطش “الشيخ زهران”. الاخير يقال عنه انه “صارم” وغير متقبل لأي رأي آخر وفي أمور تميز شخصيته، لم يرتضي ان يبقى هناك وحدات عسكرية يعتبرها عدواً قريباً يشكل تهديداً له، فقرر قتالها لكن بأسلوب فريد، هو تصفية قياداتها وهذا ما حصل حيث تمّ عقب إعلان “الجبهة الاسلامية” تصفية العديد من قادة لجماعات حيث ادى ذلك إلى تفككها، جزءً منها إنضم إلى فصائل “الجبهة الاسلامية”، وأخرون إرتضوا الانضمام إلى فصائل أخرى.
اسباب النفور من “علوش” على مدى سنوات حكمه في الغوطة الشرقية كثيرة، منها ما هو مرتبط بإتهامات حول البطش بالقادة والفصائل، لكن الأبرز كان الإتهامات الدائمة له بتسليم المناطق وعدم قدرته على قتال الجيش السوري الذي يهزم أمامه، هذا الاتهام أوصلت في نهاية المطاف إلى إعتبار “علوش” عميل للنظام. ما زاد هذه الاتهامات هو إرتفاع منسوب عمليات إغتيال قادة الفصائل المسلحة الاخرى ما وضع تحت خانة “إزاحة علوش لخصومة” ووضع ايضاً تخت خانة “نفريغ الغوطة من المعارضين” حتى تفتح له الساحة.
شهور طويلة تخللها عمليات تصفية جسدية للعديد من القادة كان في كل مرة تعزز النقمة عليه خصوصاً في مدينته “دوما” التي باتت تعيش ناراً تحت رماد خصوصاً مع ظهور تكتلين عسكريين جديدين، يتألفان من 20 فصيلاً مسلحاً، وما تبع الاعلان عنهما من إغتيال أحد القياديين (جيش الأمة)، السبب الذي إتخذه الاخير كذريعة لاعلان القتال ضد “علوش”.
عقب ذلك، شهدت الغوطة الشرقية خصوصاً “دوما” وقرى سيطرة المسلحين تسخيناً لافتاً مع إنقسام البيئة إلى قسمين. قسم يؤيد علّوش ويعتبر ما يقوم به مشروعاً في ظل تآمر فصائل، وجزء أخرى يرى في “علوش” طاغية يريد فرض مشيئته، وعليه يجب قتاله. التشنج لم يتوقف هنا، بل زاده محاولة إغتيال قائد “جيش الأمة” أحمد طه أمس الأثنين، وقبله إطلاق النار على تظاهرات معارضة لـ “علوش” في دوما، كما الإرتكابات والتصرفات العسكرية لجماعة “الجبهة الاسلامية” بحق المعارضين لهم من أبناء المدينة، التي ايضاً عزّزت حالة السخط.
محاولة إغتيال قائد “جيش الأمة” التي تعتبر بكورة مسلّسل البطش، رفعت من حدة التوتر مع أنباء عن إنشقاقات في “الجبهة الإسلامية” على مستوى العناصر، وبوادر حرب بين التنظيمات المسلحة المناوئة لها والاخذة بالنمو على حساب “علوش” الذي ينفض الكثيرون من حوله، فضلاً عن حالة السخط في قرى الغوطة التي تقبع تحت سيطرة المعارضة خصوصاً “دوما”. الأمور هذه مجتمعة باتت تُعزّز فرضية الثورة الداخلية التي يستغل البعض أفعال علوش لتعزيزها وإستخدامها ضده، حيث بات يشار إلى “علوش” لدى كثر بكلمة “سفاح الغوطة”. هذا التسخين سيترتكب عليه إنقلاباً على “علوش” ربما في الاسابيع القليلة القادة في حال بقاء مستوى التسخين على هذا القدر.
وفق الوقائع، فإن “علوش” بهذه التصرفات بات يحفر قبره بيده، ومسألة إقتلاعه من قلب الغوطة باتت مسألة وقت بناءً على الحالة الموجودة في الغوطة، فسحب فتيل الإنفجار من المنطقة لم يعد بيد “علوش” ابداً، كما أنه ليس بيد فصائل المعارضة الاخرى، فقد خرج الموضوع من يد الفصائل نحو ايد المواطنين المستشعرين خطر علوش عليهم.
على صعيد الجيش السوري فهو يراقب عن كثب تطورات الأخبار في “دوما” خصوصاً، منتظراً الفرصة التي يمكن إستغلالها للتنقضاض على “الثعلب العجوز”. هو يبنى فرضياته العسكرية على وقع الإنقسام الداخلي للمسلحين الذين يعانون من خطوط تماس داخلية وإنعدام سقف التنسيق والحوار بينهم، ما سيترتب عليه نتائج عسكرية في ميدان القتال الذي، ووفق المعطيات الميدانية، لم يعد يميل إلى صف المعارضة بل خرج من يدها، وبات الجيش يمسك به.. على وقع حفر “علوش” لقبره.