درع دمشق في مرحلة الحسم

درع دمشق في مرحلة الحسم

أخبار سورية

الخميس، ٢٥ سبتمبر ٢٠١٤

 قبل البدء في استعراض الموضوع، وفي حوارٍ مع أحد الأصدقاء حول تشبيه عناوين مقالاتي بالعناوين الرنّانة على شاكلة أسماء المعارك الرنّانة للجماعات المسلّحة بفارق أنّ معارك الجماعات كلّها فشلت على خلاف عناوين مواضيعي التي تتحقّق دائماً، وما حدا بي لاختيار هذه المقدمة هو دافع مهني للتأكيد على ارتباط المواضيع بالدقّة في استقاء المعلومات واعتماد المنهج العلمي في التحليل القائم على الوقائع وليس العواطف والولاءات السياسية، وهو نهجٌ اعتمدناه في موقع سلاب نيوز لإيصال الحقيقة للجميع.
لا يختلف اثنان أنّ المرحلة الحالية من المعارك في سورية هي مرحلة قطع خطوط الإمداد عن الجماعات المسلّحة في أغلب الجبهات السورية، من ريف حماه حيث تقوم وحدات الجيش العربي السوري هناك بقلب خارطة السيطرة رأساً على عقب، الى بلدة الطيبة المجاورة لمدينة الكسوة المرتبطة بجيوب للجماعات المسلّحة في بلدة زاكية مع تمركزٍ وامتدادٍ لهذه الجماعات في خان الشيخ الواقعة على خط دمشق القنيطرة، وصولاً الى ما جرى اليوم في ريف حمص الشرقي حيث سيطرت وحدات الجيش السوري على منطقة الغيب والمزارع المحيطة بها قاطعةً الإمداد عن تلبيسة، أحد المعاقل الأخيرة للجماعات المسلّحة في ريف حمص الشمالي، الأمر نفسه يحصل في الغوطة الشرقية مع تقدمٍ لافت لوحدات الجيش السوري باتجاه عدرا لقطع خط الإمداد عن دوما عبر الضمير والعمل على تضييق الخناق وتقليص مساحة سيطرة الجماعات المسلّحة في الغوطة الشرقية.
فماذا يحصل في عدرا وما أهمية العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش السوري هناك؟
في العلوم العسكرية تشكّل عمليات قطع الإمداد عن العدو إجراءً يسهّل على القوّة المهاجمة وضع العدو في حالة قتالية مقنّنة لجهة استخدام عتاده وذخائره، ما يحرمه من قدرة استخدام القوّة النارية بشكلٍ فاعل، خصوصاً اذا استمرّ المهاجم في استنزاف العدو بالهجمات المتتالية لإجباره على استخدام ذخائره واستنزافه بشرياً ونارياً مقدمةً لتنفيذ الضربة القاصمة، في ظلّ معايير ميدانية لن تكون لمصلحته.
ومن المعلوم أنّ الجيش السوري بات يعتمد على أنماط مختلفة من التكتيكات القتالية ووسائل عديدة لإستخدام القوّة النارية لديه، بما يتناسب مع طبيعة كل هدف وصولاً الى تحقيق الإنجازات الكبيرة، فمنذ إنتقاله الى الهجوم يتعامل الجيش السوري مع الوقائع الميداني تارةً بالهجمات السريعة والخاطفة، وتارةً بالحصار عبر تطويق الهدف، وتارةً بعمليات خاطفة وغيرها من الأساليب.
في الغوطة الشرقية التي انتشرت فيها الجماعات المسلّحة منذ سنتين تقريباً وحوّلت مدنها وقراها الى قلاع عسكرية، ينفّذ الجيش السوري منذ خمسة أشهرٍ تقريباً عمليات قاصمة أدّت الى تحرير المليحة وجزء كبير من محيطها وصل الى حتيتة الجرش، مع الإشارة الى أنّ هذه المرحلة سبقتها مراحل هامّة لتحصين منطقة المطار وقطع طرق الإمداد عبر الأردن في أكثر من مكان، وخصوصاً منطقة العتيبة التي حصل فيها الكمين الشهير لرتل راجل من المسلحين أدّى الى مقتل 175 مسلّحًا بضربةٍ واحدة.
المرحلة الحالية من العمليات العسكرية تستهدف تضييق الخناق على مدينة دوما مركز قيادة الجماعات المسلّحة في الغوطة الشرقية، خصوصاً لجهة إنهاء معركة جوبر التي قطعت شوطاً كبيراً باتجاه النهاية، وهو أمرٌ سيريح الأحياء القريبة لجوبر من ضغط القذائف وينقل المسلحين الى مرحلة الإنكفاء بإتجاه زملكا وقد يكون الى عربين في حال تمكّنت وحدات الجيش السوري من إنهاء معركة الدخانية للإندفاع الى عين ترما، ما سيجبر الجماعات المسلّحة على الإنكفاء ابعد من زملكا.
في الجانب الشرقي وتحديداً في عدرا، ما كان لوحدات الجيش السوري أن تنفذ عملياتها فيها لولا المراحل التي قطعها القتال، ابتداءً من السيطرة على شبعا وصولًا الى العتيبة وحالياً على مشارف ميدعة، ما يشكّل قوساً قاتلاً للجماعات المسلّحة ويرشّح بلدات عديدة للسقوط بيد الجيش السوري وخصوصاً النشّابية والبلالية والعديد من القرى الواقعة في نطاق القوس.
في عدرا استطاعت وحدات الجيش السوري أن تبسط سيطرتها على مناطق هامَة وخصوصاً سوق الغنم الذي يشكل موقعه نقطة اندفاعٍ في أكثر من اتجاه، وكذلك على معمل الغاز والديكرون وشركة المرسيدس.
تشكل عدرا البلد من الناحية الجغرافية موقعاً هامأ لجهة ترابطها بالضمير التي ترتبط بالبادية والمنطقة الشرقية لسورية، وفي حال تمكنت وحدات الجيش السوري من السيطرة الكاملة على عدرا ومحيطها فإنّ المرحلة الأولى من الهجوم وهي عزل دوما عن الضمير يكون قد تحقّق، وبذلك يتم قطع طريق إمداد رئيسي هام ووضع مسلحي الضمير في وضع صعب لجهة فقدانهم قدرة التواصل مع دوما والمنطقة الشرقية.
وما سهّل على الجيش السوري مهمّته في عدرا هو تقليص الجماعات المسلّحة لأعداد مسلحيها في المنطقة بهدف دعم جبهتي جوبر والمليحة والدخانية.
عاملٌ هام دخل على خط المعركة سيساعد الجيش السوري في تحقيق مهمته، وهو الإعلان عن إنشاء جيش الأمة وقيام جيش الإسلام بقتل بشير الأجوة ومرافقه وهو من لواء اسود الغوطة التابع لجيش الأمة، في ظل حالة توتر كبيرة ستؤدي بالتأكيد الى اشتباكات كبيرة تُضعف قدرات المسلّحين، ما سيجعل الجيش السوري قادراً على استثمار نتيجة الإشتباكات المحتملة.
عسكرياً لا بد من أجل تضييق الطوق على دوما أن تبدأ وحدات الجيش السوري من الإندفاع بإتجاه منطقة الوسط في النشابية والبلالية لإجبار الجماعات المسلّحة على توزيع قواتها على أكثر من محور، ما يسهل عملية حسم المعركة لمصلحة الجيش.
ختاماً: إنّ معركة درع دمشق التي أطلقها الجيش السوري شارفت على الوصول الى مراحلها الأخيرة، وهي عمليات ارتبطت بخطّة كبيرة أنهت الوجود المسلّح في ريف النبك والقلمون وقلّصت قدرات الجماعات المسلّحة المحاصرة في جرود يبرود وقارة والزبداني، وحولتها الى مجموعات مطاردة تتنقل بصعوبة تحت ضربات سلاح الجو والمدفعية والكمائن.
المرحلة الحالية من المعركة ستكون بالتأكيد نقطة تحوّل نوعية وكبيرة تنقل الوضع الى أماكن أخرى وستكون لها نتائج استراتيجية في رسم خرائط المواجهة برمتها.