درعا: شبه حياة.. ومعارك متنقلة

درعا: شبه حياة.. ومعارك متنقلة

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٤

 كل شيء تغير في حوران جنوب سوريا. المحافظة التي لعبت دوراً أساسياً في تاريخ سوريا وحاضرها، أصبحت منسية، لا يتذكرها أحد إلا للسؤال عن مواجهة هنا أو هناك، بينما يتمسك سكانها بالعيش برغم كل ظروف الحياة القاسية التي تعيشها المنطقة.
أما عسكرياً فتقف حوران على أعتاب مرحلة جديدة مع تغير المعطيات الدولية حيال البلاد.
الطريق مليء بالحواجز
مع إشارة الحاجز العسكري تنطلق السيارة باتجاه درعا. رحلة لن تمر بسلام، لكنه الطريق الأكثر سلامة من باقي الطرق، حيث يسلكه موظفو الدولة بشكل يومي، بالإضافة إلى طلبة الجامعات. وبالرغم من كل هذا، فإن ثمة خطراً من اشتباكات قد تندلع في أية لحظة، أو قناص يستهدف الحركة على الخط السريع.
تدريجياً تضيع معالم المدينة، ويأخذ جانبا الطريق بالتمدد نحو مساحات خضراء، تضفي سحراً استثنائياً على المكان. وبين سهول وتلال متموجة مع الشجر والبساتين، سننسى لدقائق أننا في رحلة إلى أحد أكثر المواقع خطورة في سوريا، قبل أن توقظنا مشاهد لبعض القرى المدمرة أو محطات للكهرباء كانت ضحية الاشتباكات. نكتشف حينها معادلة الصراع في درعا، فالجيش يسيطر على الطريق الدولي والبلدات المطلة عليه، خاصة خربة غزالة وغباغب، وهما هدف لمعارك كثيرة دارت وتدور للتقدم نحوهما، وما زالتا تحت سيطرة الدولة، ليتكرر المشهد في الصنمين.
أما على جانبي الطريق، والممرات الفرعية، فبلدات خاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، من الحراك إلى طفس وداعل وجاسم وأنخل وحتى النعيمة، وكل هذا قبل الوصول إلى مدينة درعا، حيث ينتظرنا عدد من حواجز تابعة لمجموعات مسلحة، بينها "جبهة النصرة".
مهلاً على جميع من في السيارة الالتزام بقواعد "الجبهة": على النساء ارتداء الخمار وملابس سوداء ومعهن المحرم. سيسأل العنصر عن البطاقات الشخصية. يقلبها بسرعة ثم يطلب المرور على عجل، قبل أن تستقبلنا المدينة أخيراً بعد 90 دقيقة سفر.
اعتدنا على كل شيء
داخل المدينة، يمكن وصف يوميات الناس مجازاً بأنها "حياة". صحيح أن جزءاً من المدينة، وكذلك الريف يخضع لسيطرة المجموعات المسلحة، لكن حركة تنقل دائمة تتم بين الطرفين، مع خطر القنص أو المعارك المستمرة. والكثير من الموظفين والتلامذة يتنقلون بين الطرفين للدوام في المدارس والعمل في المؤسسات الحكومية التي ما زالت تعمل في الأحياء الخاضعة لسلطة الدولة. الكهرباء، في المقابل، لا تزور بيوت أبناء حوران إلا ساعة واحدة فقط، والمياه ليست أفضل حالاً، برغم من أن الموارد المائية في السهل تكفي حاجة المحافظة وتزيد عنها. ومع كل هذا يقول الناس إنهم اعتادوا على هذه الظروف.
في الريف، المشهد أكثر مأساوية، بحسب روايات النازحين إلى المدينة. فبعض القرى قد سويت بالأرض بسبب المعارك، وبعضها الآخر شبه فارغ من سكانه للسبب ذاته. ثمة من غادر باتجاه مناطق أكثر أمناً في الريف، مثل الصنمين وإزرع أو حتى درعا المدينة، وثمة من اتجه صوب الأردن، سواء عبر المعبر النظامي في نصيب أو عبر التهريب.
ويبقى الهاجس المشترك بين الجميع هو الخوف، سواء من القصف بالهاون أو أسلحة أخرى، أو اقتحامات مفاجئة مع عمليات خطف، واستمرار عمليات الاغتيال، خاصة في مناطق سيطرة المجموعات المسلحة.
من يسيطر على حوران اليوم؟
برغم السيطرة على مساحات واسعة في الريف من قبل المجموعات المسلحة، وبينها "النصرة"، إلا أن مراكز ثقل عسكرية كبيرة للدولة لا تزال تعمل، وتحكم قبضتها على عدد من المواقع، بداية من المدينة التي تقسم الى درعا البلد ودرعا المحطة، حيث تخضع البلد لسيطرة المسلحين، باستثناء أحياء المنشية وسجنة التي تعتبر خط تماس مع القوات السورية التي تسيطر على درعا المحطة، والتي تضم العديد من المؤسسات الحكومية والمقار الأمنية والعسكرية، مثل "اللواء 132" عند مدخل المدينة، وثكنة مدفعية قرب ملعب "البانوراما"، فيما تسيطر الجماعات المسلحة على طريق السد ومخيم درعا.
أما في ريف درعا الغربي، وبرغم انتشار "الجيش الحر" في مدينة نوى، إلا أن القوات السورية لا تزال تتمركز في سلسلة محاور حول المدينة، خاصة الجهة الشرقية حيث يقع المربع الأمني الذي يضم كتيبة عسكرية ومقر الأمن العسكري، كما تتمركز في الجهة الشمالية الشرقية عند تل أم حوران وتل الهش وكذلك في تل الخضر قرب بلدة عتمان.
وفي ريف درعا أيضاً تسيطر القوات السورية على الشيخ مسكين، التي تتوسط سهل حوران حيث يقع مقر "اللواء 82"، وعلى مدينة الحارة وبلدة زمرين، وتحكم قبضتها على "اللواء 15" شرقي إنخل في الجهة الشمالية الغربية لريف درعا.
وفي الريف الشمالي، تعتبر الصنمين وغباغب وجباب مراكز ثقل أساسية للجيش، حيث تنتشر تحصينات عسكرية تمنع تقدم المسلحين، وترسل التعزيزات إلى مداخل المحافظة وحتى إلى القنيطرة.
وتعد إزرع إحدى أكبر مدن الريف في الجهة الشمالية الشرقية، وهي لا تزال تحت سيطرة الدولة، وينتشر حولها عدة قطع عسكرية، أهمها "اللواء 12" وقيادة الفرقة الخامسة و"الفوج 175 مدفعية"، بالإضافة إلى عدة قطع عسكرية بين إزرع وبصر الحرير شرقاً وصولاً إلى المسمية ومدينة بصرى الشام ذات الثقل الأكبر في الريف الشرقي.
في المقابل، لدى المجموعات المسلحة نقاط عدة تميزها عن باقي المناطق السورية، أبرزها أن خطر تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"-"داعش" لم يصل إلى هذه المنطقة بعد، إضافة إلى أن حضور "جبهة النصرة" ليس بالثقل الذي تنتشر فيه في باقي المواقع في البلاد، لدرجة أن فصائل "الجيش الحر" تمكنت من خوض معارك عدّة، بغياب الجبهة، التي لا تبدو علاقتها إيجابية مع عدد من مجموعات "الجيش الحر"، ولعل هذا هو سبب الاقتتال في بعض الأوقات بين الفصيلين.