من تحالف ضد داعش الى تحالف ضد سورية ؟!

من تحالف ضد داعش الى تحالف ضد سورية ؟!

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٦ سبتمبر ٢٠١٤

 أصبح واضحًا من غير لبسٍ أو إبهام أنّ التحالف الدولي الذي أعلنه أوباما تحت عنوان "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب" ما هو في الحقيقة إلا تحالفًا دوليًا مناهضًا لسوريا.
كيف يمكن لتحالفٍ ضدّ الإرهاب أن ينشأ من غير دورٍ أساسي لسوريا، باعتبارها أهم محارب للإرهاب في المنطقة منذ حوالي 4 سنوات.
هي الخديعة ذاتها التي حصلت مع القرار 1973 الذي صدر بشأن ليبيا وتمّ الإلتفاف على تفسيره، وجرى تحويره ليستخدمه الحلف الأطلسي في تدمير ليبيا وجيشها وبنيتها التحتية ومؤسساتها.
خديعة أوباما وإستراتيجيته السرية تقوم على إعادة إنتاج اللعبة ذاتها حيال سوريا، بحيث يتمّ توجيه ضرباتٍ عسكرية للجيش السوري تحت عنوان محاربة داعش، والى استمرار استنزاف سوريا بحربٍ طويلة الأمد، لا سيما اذا أقمنا ربطًا جدليًا بين إقامة التحالف الدولي بموجب القرار الأممي رقم 2170 والقرار الأميركي بتدريب وتأهيل ما أسموه "المعارضة المعتدلة"، وبين الكلام الذي جاء على لسان الكونغرس عن خطة عمل طويلة الأمد، فيجري في السنة الأولى تأهيل وتدريب خمسة آلاف مقاتل "للمعارضة" السورية في السعودية، إذًا الخطة الأميركية تقضي بتوازي العمل بين "المعارضة" التي يتم تأهيلها ضد الجيش السوري وبين العمليات الحربية التي ستقوم بها الولايات المتحدة داخل الأراضي السورية، فتحت عنوان محاربة داعش تتكامل جهود "المعارضة السورية" مع ضربات الطيران الأميركي، سيما أنّ الولايات المتحدة تعلن صراحةً أنه لا فارق بالنسبة لها بين داعش والنظام السوري؟
من جهةٍ أخرى ستبقى سوريا نقطة تقاطع بين طهران وموسكو، هي جزء من الأمن القومي والإقليمي لكليهما، ما يعني أنهما لن يسمحا بسقوط دمشق مهما كلّف الأمر، ولنا في التجربة السابقة حين لوّحت الولايات المتحدة بتوجيه ضربةٍ لسوريا خير مثال، يومها أبلغت موسكو وطهران من يعنيهم الأمر بأنهما لن تسمحا بذلك وستدافعان عن سوريا، وشكّل إسقاط الصاروخين اللذين أطلقا من قاعدة أميركية في جنوبي إسبانيا في البحر قبل بلوغهما دمشق الرسالة الواضحة للولايات المتحدة، بالإضافة طبعًا الى الكلام الذي صدر عن مسؤولين روس بأنّ الأسطول الروسي وطيرانه وغواصاته موجودة في البحر الأبيض ولا يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بعملٍ عسكري من فوق رؤوس هذه القوات، وهو كلامٌ واضحٌ بدلالاته السياسية والعسكرية.
تعتبر إيران أنّ الولايات المتحدة تقوم بعملٍ استعراضي وغير جدي في محاربة الإرهاب الذي استخدمته في استراتيجياتها لخدمة مصالحها الخاصة، وإنها تعتمد ازدواجية المعايير، فتعلن عن محاربة الإرهاب في العراق بينما تدعمه في سوريا، كذلك تدعم وتسلح "المعارضة" السورية التي تصفها بـ"المعتدلة" وفي نفس الوقت تدعم جبهة النصرة المدرجة على لائحة الإرهاب، إنها ازدواجية في المعايير من جهة، وعدم مصداقية من جهة أخرى.
رفضت إيران الإنضمام الى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، رغم الإلحاح الأميركي والوساطات التي قامت بها عبر وزير خارجية الدانمارك وأطراف أخرى أبلغت طهران رغبة الولايات المتحدة في أن تكون طهران جزءًا من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، لكن طهران رفضت بسبب قناعتها بعدم جدية ومصداقية الولايات المتحدة وإزدواجية معاييرها.
ثمة خلل في بنية القرار الدولي نفسه، فهو لم يحدّد مؤسساتٍ أو دول بعينها للقيام بمهمة محاربة الإرهاب، ترك الأمر مفتوحًا للإجتهدات التي تفسح بدورها للإجتهاد في التفسير والتصرف، فهل تلجأ روسيا وسوريا وايران والصين الى تشكيل تحالفٍ موازٍ للتحالف الأميركي لتنفيذ القرار الدولي؟؟ وذلك انطلاقًا من قراءتهم الخاصة من جهة، ولمنع سوء استخدام القرار الأممي من جهة أخرى؟
التحالف الدولي الذي شكّلته الولايات المتحدة يعاني من إشكالاتٍ عدة، منها رفض العديد من الأعضاء الإلتزام بمساهمة عسكرية، (تركيا، مصر، المانيا، بريطانيا وقطر) وربما دول أخرى، الدولتان الوحيدتان اللتان أعربتا عن استعدادهما للقيام بعملٍ عسكري هما الولايات المتحدة وفرنسا، يشير ذلك الى أحد أمرين:
1ـ إنعدام الثقة أنّ العمل مقصود به الإرهاب بعينه.
2ـ إستثمار القرار الدولي لاستعادة المصالح السياسية والإقتصادية لكلا الدولتين. يفسر ذلك زيارة الرئيس الفرنسي الى كل من بغداد واربيل في محاولةٍ لإستعادة المصالح الفرنسية مع العراق التي كانت سائدة قبل إحتلاله عام 2003، وإنكفاء بقية الدول الغربية لشعورها بعدم الجدية في مكافحة الإرهاب وهي العارفة أنّ من يتنطح لمحاربة الإرهاب هو من صنعه وموّله ودربه ورعاه.
تلعب الولايات المتحدة على مائة حبل وحبل، فمن جهة يقول أوباما بأنّ داعش لا تهدد الأمن القومي الأميركي، ومن جهةٍ أخرى يعمل على تكوين حلفٍ دولي لمقاتلة داعش، ومن جهةٍ يعلن وزير خارجيته أنّ إيران خارج المعادلة، بينما يرسل رئيسه الوسطاء لإقناع ايران بدخول التحالف، من جهة يتحدث اوباما وكيري بلغة طائفية ومذهبية فيصبحا ناطقين رسميين بإسم السنة في المنطقة، ويقيمون تحالفًا سنيًا من شأنه تأجيج الصراع المذهبي السني الشيعي في المنطقة بوجه إيران لإضعاف دورها وموقعها، ومن جهةٍ أخرى يحاولون من تحت الطاولة إغراءها بأن تكون جزءًا من التحالف في محاولةٍ لإحتواءها وفصلها عن سوريا وروسيا.
الولايات المتحدة تعرف جيدًا ماذا تريد، تمارس الألاعيب السياسية التي توهم البعض بأنها تعمل لمصلحة أمن المنطقة، وفي الحقيقة هي تعمل لتفكيك المنطقة واحتواء النفوذ المناهض لها ولـ"إسرائيل"، لا سيما إيران وسوريا، ولتقليص النفوذ الروسي إذا ما تعذّر ضربه وإنهاؤه، وهي لن تألو جهدًا إذا ما استطاعت أن تحوّر القرار الدولي رقم 2170 ليطال حزب الله الذي يقاتل داعش في عرسال بإعتباره "منظمة إرهابية" بحسب منظورها، وتضغط لمنع تسليح الجيش اللبناني لمقاتلة داعش ومنع الفوضى التي تهدد لبنان، إنها الفوضى الخلاقة التي ابتكرها دوغلاس فايث بأدق صورها.
تدرك الولايات المتحدة المخاطر الفعلية لما تخطط له على مستوى المنطقة ككل، لا سيما محاولة حرف القرار الدولي عن مساره ليصبح تحالفًا دوليًا ضد سوريا، وفي نفس الوقت تدرك مخاطر الإرتدادات المحتملة، وأنّ سوريا ليست لقمة سائغة، فهي ليست ليبيا، وتدرك أنها لن تستطيع إعادة إنتاج اللعبة ذاتها التي استخدمتها ضد نظام القذافي، فالظروف مختلفة تمامًا، وما مرّر في مجلس الأمن حيال ليبيا لن تستطيع أن تمرّره حيال سوريا، وتجربة الفيتوات الأربعة السابقة خير دليل. ربما تنجح في إطالة أمد الحرب في سوريا لإستنزافها، وربما تنجح في إدخال "إسرائيل" في التحالف أقله استخباراتيًا، لكنها بالتأكيد ستكون عاجزة عن إعادة رسم خرائط المنطقة وفقًا لمصالحها الإقتصادية والسياسية وفي طليعتها أمن ومستقبل "إسرائيل"، فالزمن لا يعود الى الوراء.