مورك... مقاتلون يتقاسمون الموت والفستق الحلبي

مورك... مقاتلون يتقاسمون الموت والفستق الحلبي

أخبار سورية

السبت، ٢٣ أغسطس ٢٠١٤

 «عبر طرق إمداد خان شيخون وكفرزيتا واللطامنة وصل الثوار إلى البلدة الموالية»، يقول أبي أحمد. ابن مورك، الذي قُتل ابنه بتهمة موالاة النظام السوري، يستذكر أيام النزوح عن البلدة حال تسلّم المسلحين زمام الأمور فيها، وصولاً إلى تشكيل غرفة عمليات، أخيراً، يقودها ابن البلدة الدكتور جابر الخالد، زعيم تنظيم «أجناد الشام» في المنطقة. وتتكون غرفة العمليات من «كتائب العزة» الذين «فزعوا» من قرية اللطامنة، و«لواء أبي العلمين» القادم من حلفايا شرق محرّدة، إضافة إلى «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة».

يرى ابن البلدة الواقعة في أقصى شمال الريف الحموي أنّ مورك لم تكن من أوائل المناطق المنادية بشعارات «الثورة». يروي أنّه ممّن نظموا «مسيرات مؤيدة» في البلدة مع بداية التظاهرات عام 2011. وإن كانت مورك قد خيّبت آمال «الثوار السلميين»، فإنها لم تخيّب المد المسلح حين وصل، إذ انتشر التسلح فيها كالنار في الهشيم.«أولى بركات التسلح في مورك، إضافة إلى قتل ابني، سرقة أطنان من محصولي من الفستق الحلبي الذي يعادل ثمنه ملايين الليرات، ما أدى إلى هربي مع عائلتي للإقامة في مدينة حماه»، يضيف أبو أحمد. بدوره، يذكر زياد، نازح آخر من مورك، أن «الأوضاع المادية لأبناء البلدة كانت ممتازة». ويضيف: «يمكن التأمل في البيوت المتفرقة التي لطالما زرع أصحابها الفستق الحلبي، وعاشوا برخاء من بيع المحصول الوفير، غير أن المسلحين اجتاحوا القرية بمساعدة بعض أبنائها، وتغيّرت الأحوال». اليوم، أكثرية سكان البلدة خارجها.
نحو 15 ألف مواطن «تبخّروا» من المدينة الحموية

المعارضون منهم نزحوا نحو ريف إدلب. حوالى 15 ألف مواطن «تبخّروا». دخول مورك لا يبدو سهلاً، إذ يتوغل الجيش ضمن مسافة لا تتجاوز 100 متر داخل الحارة الجنوبية، ضمن كتل ومبانٍ متفرقة تدعى «حارة أبو اللبن»، فيما تعتبر الجهة الشمالية من البلدة مفتوحة بالكامل على خان شيخون في ريف إدلب الخارج عن سيطرة الدولة. كذلك تشرف مورك من الشمال على امتداد طريق عام حلب شرقاً. البلدة الممتدة على طول الطريق مسافة 3.5 كلم بين الشمال والجنوب، تمتد عرضاً على مسافة 1 كلم غربي الطريق. يشرح أحد العسكريين الميدانيين أنّ تل الحلبي وسط البلدة، باتجاه الغرب، يعتبر مرتفعاً محورياً في حسم المعركة، باعتباره أعلى مواقع الريف الشمالي، إذ يشرف على طريقي الإمداد الوحيدين، ولا يبعد عن الطريق الرئيسي أكثر من 800 متر. وبحسب المصدر، فإن السيطرة على هذا التل تعني قطع طريق الإمداد من خان شيخون وكفرزيتا، وفرض حصار مطبق على البلدة. «لماذا لا تسيطرون عليه إذاً؟» يأتي الجواب بصوت خفيض: «حاولنا السيطرة عليه مرات عدة، وباءت المحاولات بالإخفاق».
في مورك لا يمكن معرفة أسباب تأخر حسم العملية العسكرية، إلا أن قوات الجيش ترابط على مسافة 1200 متر غرباً، في حين تتموضع القوات شرق الطريق بمسافة 1 كلم، شرقاً، ضمن بساتين مزارع شاسعة من الفستق الحلبي. ويستمر الوضع على حاله، بعد محاولات القوات المتمركزة في الجهة الغربية التقدم للسيطرة على التلتين الاستراتيجيتين. ورغم التأخر الواضح في تحقيق تقدم على الأرض، إلا أن معظم العسكريين والمدنيين المنتظرين عملية الحسم، يعون جيداً أن وجود القوات المحتشدة لتحرير رحبة خطاب، يمكن أن يشحذ همم المقاتلين في معظم الريف الحموي المشتعل.
أحد الجنود يشرح الأمر بقوله ساخراً: «لعل انتهاء موسم الفستق الحلبي قد يحمل فأل خير على سير المعارك في مورك، إذ تراجعت وتيرة المعارك مع بدء الموسم السنوي».
على مشارف خطاب
لم يكن تقدم الجيش باتجاه رحبة خطاب العسكرية، المحتلة من قبل المسلحين، بهذه السهولة. أيام طويلة مرت قبل سيطرة القوات السورية على تلة ضهرة شيحا، جنوب خطاب، التي استخدمها المسلحون كنقطة انطلاق لقصف مطار حماه العسكري بعشرات الصواريخ يومياً. صعود مقاتلي الجيش إلى التلة أخيراً، سمح بتقدم إضافي مسافة 1 كلم، نحو خطاب، غرب حماه. التوغل البري المذكور تزامن مع تقدم آخر شرق الرحبة، باتجاه خربة الحجامة، التي يسيطر عليها المسلحون. سقوط قرية أرزة القريبة من خطاب، منذ أيام، خلّف كآبة في نفوس الجنود. غير أن قوة أُخرى سرعان ما تقدمت منذ أيام من بلدة قمحانة شرقاً، وسيطرت على مجموعة من المداجن شرقي خطاب، بانتظار ساعة اقتحام البلدة.

الفستق الحلبي... كان يا ما كان
أشجار الفستق الحلبي شرق مورك تعطي انطباعاً بالرخاء. تظهر بعض البيوت وقد زيّنت حدائقها شجيرات الفستق الحلبي، الخالية من الثمار. وفيما يتهم كل طرف عدوّه بالسيطرة على ثمار الموسم في الأراضي التي يسيطر عليها، يقول أبو محمد: «هُنا يمكنك أن تلحظي عدد الأشجار الهائل حول البيوت. الأمر يشبه زراعة أشجار الحمضيات حول المنازل في الساحل السوري».
وصل سعر الفستق الحلبي اليوم في الأسواق السورية إلى ألفي ليرة للكيلوغرام الواحد.
لكن هنا الموسم منتهٍ تماماً، والأشجار خالية من أي ثمر.
خير الدين، المقاتل في قوات «الدفاع الوطني» في المنطقة، يعزو الأمر إلى ما يسميه الفلاحون «المعاومة»، الذي يعني إنتاج الشجرة مرة كل عامين. وهو أمر لا يصدقه الجميع، حيث أصبح الحجة السنوية عند السؤال عن الموسم، فيما الأسواق تغرق بالمحصول بأغلى الأسعار.
مساحات هائلة من المزارع الشرقية، بعض أشجارها محترقة. وهذه نكبة أُخرى لأصحاب المزارع المتحسرين على مزارعهم الخيّرة، إذ وصل إنتاج بعض الأشجار إلى 150 كلغ سنوياً. وكانت التقارير الرسمية قبل الأزمة السورية قد أحصت 850 ألف شجرة فستق حلبي في مورك، موزعة على 53 ألف دونم، ما يكفل دخول 2500 طن يومياً إلى سوق البلدة. حقائق تثبت أن سوق مورك المسؤول عن إنتاج وتصريف 40 ألف طن سنوياً من أصل 63 ألفاً إجمالي ناتج الفستق الحلبي في سوريا كلها. ناتج ضخم كان يستخدم في التصدير إلى إيطاليا وقبرص وفرنسا ولبنان قبل زيارة «الربيع العربي».