جـوبر..معركـة الثالث والعشرين من رمضان

جـوبر..معركـة الثالث والعشرين من رمضان

أخبار سورية

الخميس، ٢٤ يوليو ٢٠١٤

 ليل الثاني والعشرين من رمضان، على خط التماس الأول مع حي جوبر شرق العاصمة دمشق أصوات رصاص بعيد متقطع يخترق صمت المكان، هو مقر لقوات الجيش السوري، العناصر في مواقعهم يرصدون من خلف السواتر تحركات الخصم بمناظيرهم الليلية.
ساعات فقط تفصلنا عن بدء المعركة. بضع درجات واصبحنا داخل غرفة قيادة العمليات، في الداخل كان العناصر مشغولين بتفاصيل ليل عادي لا يختلف عن غيره في شيء، جنود سوريون يتوزعون على غرف المقر , أحدهـم ينظف سلاحه, الاخر يتبادل النكات مع صديقة, فراس يتحدث مع خطيبته على الـ "واتس اب" حتى التحضير لوجبة السحور لم يغب عن سواد ذاك الليل.
"شهاب" قائد العملية جلس في غرفته متابعاً عبر جهاز "التيترا"، خط سير عناصره اللذين ينتظر وصولهم برفقة الذخيرة وعناصر الإسناد التي طلبها. قبل ساعات الفجر طلب القائد رؤساء المجموعات وبدأ الاجتماع الذي غاب عنه نور الكهرباء "طلبتكم اليوم لننفذ عملية برية بحي جوبر بعد ساعات"، يخرج من حقيبته ظرفاً مختوماً، يفتحه ويوزع على الحاضرين اوراقاً تحوي تفاصيل خطة الهجوم، يتشاور الحاضرون ويتبادلون الاقتراحات حول أفضل المحاور والنقاط التي سيبدأون منها الهجوم. متى سنبدأ؟ يسأل أبو ربيع قائد إحدى المجموعات، فيأتي الرد حاسماً: "عندما يأذن الله". يدخل عمار حاملاً ابريق الشاي ,حرارة المكان لا توحي أبداً انني بحاجة لكأس ساخن ,شربته على مضض فلا مجال ان تطلب خيارات في ارض المعارك .
الساعة الثالثة من فجر 23 رمضان :
جنود الجيش السوري مع قائد العملية يجتمعون على مائدة السحور، اغلبهـم يشعر ان هنالك حرباً ستشتعل بعد ساعات. ينهض "شهاب " قائد العملية، ضارباً كفـاً بكف " هيا ياشباب اسرعوا لدينا عمل ".
انقلب المشهد، جنود يدخلون المقر مسرعين ينقلون صناديق الذخيره، فيما يقوم اخرون داخل المقر بفتح الصناديق و"تذخير" أسلحتهـم الرشاشة.
مرت ساعة تقريباً, خرج "شهاب" من غرفته يتبعه قادة المجموعات , يلتف الجنود حولـه يتفحص وجوههـم مستذكراً المعارك التي خاضها مع بعضهم في مناطق متفرقة من سوريا يبدأ حديثه "تحدثوا عن معركة دمشق الكبرى , وحَلـموا بالوصول الى ساحة العباسيين وسيبقى الحلم حلماً أما الارض فهي لنا, استطاعوا التقدم خلال الاسبوع الماضي لكن هذا لايعني تغيراً في القوى, نحن الاقوى وأصحاب الارض". يتابع "حماية أهلنا أمانه في رقاب كل منكم وعملية اليوم سنهديها لكل ام فقدت طفلها - شهيداً - بقذائفهم. ارتدوا لباس الحَرب معكـم نصف ساعه لا أكثر. "
الساعه الرابعة والنصف من فجر 23 رمضان :
وصلت السيارات التي ستقل الجنود الى اقرب نقطة للاقتحام, معنويات الجنود كانت مرتفعه, لمحت أحد الجنود يخلع اسوارة يلبسها بيده ويعطيهـا لاحد حراس المقر متمتاً سالته عن الامر ليجيب "طلبت منه ان يعطيهـا لزوجتي ان كتب الله لي الشهادة". ابتسم وغادر رملاً الى احدى السيارات صعدت مع الجنود, كان الجَو نَديـاً والغبار الذي يلف المكان جَعـل رؤوس اغلبنا بيضاء.
بعد دقائق طويلـة وصلنا المكان حيث رُكنت السيارات وبدأ الجنود يضربون الارض الترابية بخطوات عسكرية مُتسارعه. قُسم الجنود الى مجموعات اقتحام ومجموعات مسانده على أن ترافقنا سيارة اسعاف يسمونهـا في لغه العَسكر "صحيـة", تمركز المقاتلون في نقاط متقاربة ضمن الحي ينتظرون الاذن لبدء الاقتحـام.
الخامسة فجراً :
حين كنا في المقر ليلاً سالت قائد العملية عن "محمود"، وهو مقاتل مختص باطلاق الصواريخ التقيته مرات كثيرة أثناء تغطيتي للمعارك في عدة محافظات سورية منها ريف دمشق. لم يأتني الجواب الذي اريد الى ان وصلـنا الى دقائق ماتسبق المعركة، "محمود توكل على الله " كانت هذه الكلمات كفيله باشعال السماء، فالصواريخ تنطلق من البناء المقابل لنا , تمر فوق رؤسنا لتنسف تباعاً مقرات لمقاتلي النصرة. على الطرف الاخر ثلاث صواريخ اطلقت , تقدمت دبابات الجيش السوري للنقطة الاقرب و بدأت تطلق قذائفهـا تجاه عدة مواقع ضمن الحي.
كنا مازلنا في مراكزنا , بدأ الفضول يدفعني لارصد ماذا يقول ساكنو دمشق هذه اللحظات, الانترنت تعمل بشكل مقبول, بدأت اتصفح على عجل واقرأ بعض المنشورات من اصدقائي بعضهـم تحدث عن هجـوم والاخرعن هجوم مضاد, حاولت ان انتقي المفردات وكتبت خبراً "الجيش السوري ينسف بالتتالي مواقع لمقاتلي المعارضة في عمق حي جوبر". جاء صوت "شهاب" عالياً داعيا الى الهجوم "توكلوا على الله".
بدأ الاقتحام البري، كل ثلاث جنود يدخلون تباعاً، أصوات قصف ورصاص, هتافات وتكبيرات والدخان يملا المكان. استطاع جنود الجيش السيطرة على منزل في نقطة متقدمة يصلح لأن يكون نقطة اتركاز في العملية.
"ضَحّاك " لقب يطلقه الجنود على زميلهـم نظراً لابتسامته الدائمة, امسك بمطرقة كبيره يضرب بها الحائط ليفتح "طلاقيات" فيما يقوم ثلاثة جنود اخرون بتجهيز أكياس رمل للـ "تدشيم" البيت.
الثاني أصبح معنا "يصرخ أحد الجنود على جهاز الـ "تيترا " , ساعه من الاشتباك كان أخطر مافيها هو قذائف الهاون التي تنهال علينا بكثافة، وبعضهـا يصل ساحه العباسيين والقصاع.
مقاتلوا النصرة استطاعوا رَصد الطريق الخلفي الذي يؤمن الامداد لجنود الجيش بواسطة قناصين اثنين, لنصبح محاصرين في مكان ملاصق تقريباً للمسلحين, كنا نسمع "تكبيراتهم" بوضوح وجنود الجيش يستعدون لصد اي هجوم معاكس.
كان على الجنود تحديد مصدر القنص ليتم التعامل معه وفك الحصار. "أنا من جوبر واحفظ تضاريس المنطقة جيداً"، نطق أحد الجنود مقترباً من قائد العملية .
على الارض الترابية رسم الجندي الجوبراني تصويراً للبناء المقابل لنا محدداً مداخلة الاربعه، مؤكداً ان احتمال القنص من مكانين في احد الطوابق. ثلاث طلقات صدرت من القناص كانت كفيله بتحديد موقعه.
العاشرة الا ربع صباحاً :
الطيران الحربي يقصف البناء الذي يتمركز به القناصه , فُك الحصار عن الجنود الذين احكموا سيطرتهـم على البيوت التي كانت مركزاً للنصرة , فيمـا بقي بناءٌ ضخم في الشمال الغربي من الحي تحت سيطرة النصرة. إستشهد في المعركة اربعة جنود من الجيش السوري، واصيب ثمانية اخرين.
على الطرف الاخر كانت دمشق تعيش حياة روتينية على وقع قذائف الهاون التي حَصدت ارواح ثلاث مدنيين واصابت 18 أخرين .. وحكـايا جوبر مازالت مستمره ,,