حلب: حصاد عامين من الحرب

حلب: حصاد عامين من الحرب

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٣ يوليو ٢٠١٤

في آب من العام 2012، أي قبل نحو عامين من الآن، استيقظ سكان الأحياء الشرقية في حلب على تغييرات جذرية طرأت على أحيائهم الآمنة: حواجز عديدة منتشرة في الأحياء نصبها مسلحون غرباء عنها، يرفعون رايات عديدة، كان سكان هذه الأحياء يشاهدونها عبر شاشات التلفزة فقط، وفي مناطق بعيدة نسبياً عن حلب، ليوقنوا أن الحرب دخلت بيوتهم، ويبدأ عدّاد القتلى بالدوران، بشكل متسارع.
الآن وبعد عامين على دخول الحرب مدينة حلب، التي نأت بنفسها عنها لنحو عام ونيف، قد تظهر الأرقام عمق الجرح الذي تعانيه عاصمة سوريا الاقتصادية، التي نزفت وما زالت تنزف أبناءها.
تشير إحصاءات الطبابة الشرعية في حلب، التي تعنى فقط بالمدنيين، حيث تعنى الطبابة الشرعية العسكرية بمعاينة العسكريين، إلى أن حلب فقدت رسمياً منذ بداية الحرب وحتى الآن نحو أربعة آلاف مواطن، معظمهم قضوا إثر تعرضهم لشظايا انفجارات أنهت حياتهم، لتشكل العيارات النارية (رصاص القناص، والرصاص الطائش وغيرها) السبب الثاني في حصد أرواح المدنيين.
وبحسب دراسة قامت بها الطبابة الشرعية في حلب، وحصلت «السفير» على نسخة منها، فإن المجموع الكلي لعدد القتلى المدنيين، الذين تم تسجيلهم لدى الطبابة الشرعية حتى 19 تموز الحالي، بلغ 4090 شهيداً، منهم 2891 قضوا جراء تعرضهم لشظايا انفجارية (شظايا قذائف الهاون، والتفجيرات الانتحارية، والقذائف المتفجرة)، في حين قتل 2891 مدنياً بسبب العيارات النارية.
رئيس الطبابة الشرعية في حلب الدكتور زاهر حجو أشار، خلال حديثه إلى «السفير»، إلى أن «الشهداء الذين شملتهم الدراسة هم فقط مدنيون تم تسجيلهم لدى الطبابة، في وقت يصعب فيه تسجيل الضحايا المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة»، وهو ما يتقاطع مع ما ذكره مصدر معارض بأنه «يتم دفن غالبية الشهداء المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة من دون توثيق الوفاة، الأمر الذي يجعلهم بعد انتهاء الحرب في عداد المفقودين، ما سيتطلب عملية توثيقية كبيرة لإحصاء القتلى وتوثيقهم من جديد».
وبالعودة للقتلى المدنيين الذين تم توثيقهم لدى الطبابة الشرعية في حلب، أوضح حجو أن عدد الوفيات التي تم تسجيلها في الأشهر الخمسة الأولى لدخول المعارك مدينة حلب (من آب العام 2012 وحتى مطلع العام 2013) بلغ 860 مدنياً، توفي 542 منهم بعيارات نارية، مبيناً أن عدد ضحايا العيارات النارية انخفض مقارنة بارتفاع كبير في عدد ضحايا التفجيرات خلال العام 2013، الذي شهد عدة تفجيرات انتحارية، وتفجير عبوات، حيث بلغ عدد الضحايا الكلي 2582 مدنياً في العام 2013، منهم 1957 قضوا بشظايا انفجارية، وهي نسبة تشابه إلى حد ما ضحايا الأشهر السبعة الماضية من العام 2014، حيث كانت شظايا التفجيرات السبب الأكبر لسقوط ضحايا، رغم انخفاض عدد الضحايا الكلي مقارنة بالعام 2013، حيث تم تسجيل 785 ضحية، منهم 616 قضوا بشظايا.
ومتابعة للغة الأرقام الإحصائية، تشير إحصاءات الطبابة الشرعية إلى أن عدد الجثث مجهولة الهوية منذ آب العام 2012 وحتى الآن بلغ 2507 جثث، تم التعرف على 900 منها، لتبقى الجثث المتبقية بانتظار من يتعرف عليها.
وقال رئيس الطبابة الشرعية في حلب إن «التعامل مع الجثث يقسم إلى قسمين، واضحة المعالم ومشوهة، ولا وجود لأي تصنيف سياسي أو اعتباري آخر، حيث يتم معاينتها لتحديد الإصابات وأسباب الوفاة. وبالنسبة إلى الجثث واضحة المعالم، فإنه يتم تصويرها ومنح الصور أرقاماً تتطابق وأرقام القبور التي تمنح لأصحاب الجثث في مقبرة مجهولي الهوية، ما يسهل عملية التعرف»، مضيفاً «بالنسبة إلى الجثث مشوهة المعالم أو الأشلاء، فإنه يتم أخذ عينات دي إن اي من الجثة، وتمنح رقماً يتطابق ورقم القبر الممنوح لها، ويتم إرسال العينات للتحليل في دمشق». وتابع «منذ آب العام 2012 وحتى اليوم يتم الاحتفاظ بجثث القتلى ليومين أو ثلاثة كحد أقصى نتيجة لقلة البرادات اللازمة لتخزينها، ويحتفظ بأرشيف التعريف من صور وأرقام في الأمن الجنائي بحلب، وتسلم الجثث لدفن الموتى حيث تدفن أصولا في قبور فردية لا جماعية» كما يشاع.
وتقوم مديرية دفن الموتى بدفن الجثث في الوقت الحالي في منطقة بنيامين الواقعة على طريق حلب الجديدة بالقرب من مقر البحوث العلمية، في حال لم يتم التعرف على صاحب الجثة، أو في حين تعذر على ذوي الضحية استلام الجثة ودفنها في المكان الذي يرغبون بدفن فقيدهم فيه، أو لعدم قدرتهم المادية على دفن موتاهم، وذلك بعد أن كانت تدفن الجثث في منطقة خان العسل، قبل أن يتردى الوضع الأمني فيها.
ولا يستطيع رئيس الطبابة الشرعية إعطاء رقم دقيق لعدد الجثث التي تعود لمسلحين أو غير سوريين لعدة أسباب، موضحاً أن الكشف على الجثة يوضح إن كان صاحب الجثة سوريا أم لا، إلا أن بعض الجثث وصلت إلى الطبابة وهي مشوهة أو مقطعة الأوصال، أو حتى ممن تم انتشالهم من مقابر جماعية، الأمر الذي يجعل إحصاء عددهم «صعباً»، مشيراً إلى أن المسلحين يقومون عادة بدفن قتلاهم في مقابر بعيدة غير خاضعة لسيطرة الحكومة في الوقت الحالي.
وفي ذات السياق، تشير إحصاءات الطبابة الشرعية في حلب إلى أن 17 نيسان الماضي (اليوم الذي تحتفل فيه سوريا بذكرى جلاء المحتل الفرنسي)، يعتبر اليوم الأكثر دموية في المدينة، حيث شهدت مقتل 55 مدنياً، إضافة إلى إصابة نحو 200، وذلك بسبب قيام المسلحين بإمطار أحياء المدينة بالقذائف المتفجرة، بالتزامن حينها مع هجوم عنيف على ثكنة هنانو العسكرية، قبل أن ينتهي الهجوم بفشل المسلحين، الذين استخدموا في هجومهم نفقاً قاموا بتفخيخه وتفجيره في محيط الثكنة.
وخلال حديثه عن إحصاءات الطبابة الشرعية في حلب، أشار حجو إلى أن الطبابة استقبلت 4 جثث تم انتشالها من مقبرة جماعية في ريف حلب الشرقي، عثر الجيش السوري عليها بعد سيطرته على المنطقة، أوضح الكشف الطبي عليها أن أصحابها تعرضوا لسرقة بعض الأعضاء، ما يشكل وثيقة جديدة لعمليات سرقة الأعضاء التي تنفذ بحق السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة.
وتأتي هذه الإحصاءات لتكمل الصورة التي رسمتها الحرب، التي تعيشها حلب منذ نحو عامين، ليبدو الواقع دموياً، يشكل الدمار إطاراً له، وتسيل من جوانبه الدماء. وكانت المدينة سعت جاهدة للذود بنفسها عن الحرب، إلا أنها أبت واقتحمت منازلها، وأتت على الكثير من تاريخها، ودمرت مصانعها، وحولت عدداً كبيراً من أبنائها إلى «جثث مجهولة» الهوية، تنتظر من يتعرف عليها.