مابين مؤيد ومعارض.. مواقع التواصل الاجتماعي.. كسرت الحدود المكانية والزمانية.. ودخلت البيوت بلا استئذان

مابين مؤيد ومعارض.. مواقع التواصل الاجتماعي.. كسرت الحدود المكانية والزمانية.. ودخلت البيوت بلا استئذان

أخبار سورية

الجمعة، ٢٥ أبريل ٢٠١٤

لم يعد الكتاب في أيامنا خير جليس، ولاحتى الصديق المقرّب، وليس حال الأهل والأقرباء بأفضل، فمواقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك والتويتر والواتس أب” وغيرها، بشهرتها الواسعة التي اجتاحت العالم وحولته إلى قرية صغيرة، جعلت من الكتاب “دقة قديمة” وأخذت من حيز التواصل الإنساني التقليدي حيزاً كبيراً وهاماً، وبات اللقاء وجهاً لوجه أمراً مملاً للكثير من مرتاديها، فهو يبعدهم عن بساط الريح ومصباح علاء الدين وشاشة الأحلام النرجسية ..
مواقع التواصل الاجتماعي التي كسرت الحدود الجغرافية للعالم، بلا استئذان، دخلت كل بيت وشغلت كل فرد في الأسرة وغدت من ضروريات الحياة الأساسية، وارتقت لتصبح بمنزلة الهواء والماء .” تسونامي التواصل” هذا، اجتاح أيضاً عالم الشباب وحصد درجة الامتياز في قوة تأثيره واحتل عرش اهتماماتهم وأصبح شغلهم الشاغل والطبق الأشهى على مائدة وقتهم، محققاً بذلك أعلى درجات التفوق في كسب قلوبهم وعقولهم، فأكثر من 70% من مستخدمي مواقع التواصل هم من فئة الشباب حسب إحصائيات ودراسات مختصة.
ورغم أهمية مواقع التواصل الاجتماعي إلا أن الآراء والمواقف تتعارض بين من يراها نعمة فريدة وبين من يراها نقمة ويحذر من مخاطرها التي لا حصر لها خاصة على الشباب واللافت أننا خلال استطلاعنا لآراء الناس قطعنا على بعض الأسر في البيوت تواصلها الالكتروني، وعلى شبابنا الجامعي قليلاً من عزلته الافتراضية  …
تواصل مع الأهل في الغربة
الناس الذين التقيناهم أكدوا على أن لمواقع التواصل الاجتماعي أهمية كبيرة في حياتهم وأصبحت  مثل الماء والهواء وحتى الكهرباء، فهي قاهرة للملل وممتعة الاستخدام، حيث بات”الواتس أب” وسيلة للاطمئنان على الأهل  وتبادل الرسائل النصية والصور العائلية ومقاطع الفيديو للنسوة ونتبادل التهاني في المناسبات والأعياد معهم. و بالنسبة للنسوة فقد ساهم الواتس أب والفيس بوك في تغيير نمط “الصبحية التقليدي” حيث إنهن  يتبادلن أحاديث الموضة والأزياء وآخر الأخبار الاجتماعية، وأحاديث “الطبخ” وأخبار الأولاد خاصة في المدرسة ، ولايخلو الحديث من تناول ما يعرض من مسلسلات درامية وبرامج ترفيهية على شاشات التلفزة .

عالم متمرد على الانضباط ..
مواقع التواصل الاجتماعي تروّح عن النفس وتكسر الشعور بالوحدة والخجل، فهي تسمح للمستخدم بالبوح بكل ما لديه دون خجل أو خوف يقول بعض شبابنا الجامعي، وفي جانب آخر تدعم التواصل وجهاً لوجه مع الأهل والأقرباء والأصدقاء الحقيقيين، خصوصاً في ظل الأزمة الراهنة التي فرضت صعوبة في التواصل المباشر مع من نحبّ لاعتبارات البعد والسلامة.
جانب مشرق آخر دوّنه جامعيون في سجلّ مواقع التواصل الاجتماعي، فهي وسيلة لتناقل وتداول المعلومات والاتصال بالعالم الخارجي وتبادل الآراء والأفكار ومعرفة ثقافات الشعوب ويمكن الاستعانة بهذه البرامج في إعداد الأبحاث والمشاريع الجامعية، وقد يتم تحقيق إنجازات علمية ثقافية وغيرها نتيجة الترابط الحاصل بين مستخدمي المواقع  كما هي الحال في صفحات التعليم والتواصل التقني والعلمي على “الفيس بوك”.
في حين رأى آخرون في هذه البرامج عالماً متمرداً على الانضباط ، مبدداً للقيم والعادات ويمكن لقيم مثل الصدق والأمانة أن تضمحلّ وسطه فهو تربة خصبة لنشر الأكاذيب والتعدي على خصوصية المستخدمين ووجد بعضهم أن هذه المواقع تغرق مرتاديها في عزلة عن العالم الواقعي من شأنها خلق فراغ حقيقي بينهم وبين الواقع، حيث يعيشون في عالم غير ملموس ويخاطبون أشخاصاً وهميين غرباء من مختلف الثقافات والأعمار ويتبادلون معهم تفاصيل حياتهم ويصلون حد الاسترسال في الكلام عن أمورهم الشخصية، وقد يتبادلون صوراً ومقاطع “فيديو” قد تكون غير لائقة. وأشار آخرون إلى أن مواقع التواصل خلقت جفاء ملموساً في العلاقات ضمن الأسرة والعمل والجامعة وحتى المدرسة، ووصل الأمر إلى حد إصابة المستخدم المدمن لها بالملل من حالة التواصل الإنساني المباشر كونه أبعده عن شاشة جواله أو حاسوبه، وهذا من شأنه خلق جو من اللامبالاة وعدم الارتياح وإطلاق أعذار كاذبة لضمان عودة سريعة إلى الشاشة الساحرة. في حين ركّز البعض على  ظهور لغة جديدة بين اللغة العربية والانكليزية من شأنها إضعاف لغتنا العربية وإضاعة هويتها.
وكما في كل ثورة رقمية هناك ناجون، فقد وجدنا بعضهم في الجامعة وليس في “ضيعة ضايعة”، هؤلاء لم يكترثوا لمواقع التواصل الاجتماعي  إذ ليس لديهم صفحة على “الفيس بوك” ولم يسجلوا أية تغريدة على “التويتر” ولا تزيّن أيقونة الواتس أب الخضراء شاشة جوالهم، وهذه البرامج برأيهم تهدر الوقت والمال وتبعد الطالب عن كتبه وجامعته.

بيئة افتراضية
الدكتور أحمد الشعراوي، عضو هيئة تدريسية في كلية الإعلام ورئيس قسم في قسم الإعلام الالكتروني، أكد على أهمية مواقع التواصل الاجتماعي التي غيرت العالم من الناحية الاجتماعية وكان لها تأثير كبير في كل المجالات، لاسيّما في المجال الإعلامي، وقال: عملت مواقع التواصل الاجتماعي بيئة افتراضية ومجتمعاً افتراضياً كاملاً يكاد أن يغير حتى أنماط الحياة الاجتماعية العادية، وأشار إلى أن عدد مستخدمي الفيس بوك وصل مع بداية العام 2014 إلى مليار ومئتين وثلاثين مليون مستخدم وأن الشريحة الأساسية لمرتادي هذه المواقع هي الشباب.
وفيما يتعلق بسلبيات وإيجابيات مواقع التواصل بيّن الشعراوي أن هذا الأمر يتعلق بطريقة استخدامها، مؤكداً في الوقت ذاته على التأثير الإيجابي لهذه المواقع بغض النظر عن بعض المشكلات التي تسببها فهي ـ برأيه ـ وسيلة لفتح نقاش علمي متطور ويمكن من خلالها الاطلاع على كل دراسة جديدة في مجال الإعلام، وأضاف :نحن في قسم الإعلام الالكتروني نستخدم “الفيس بوك ” في نشر المحاضرات وإجراء مناقشات مع الطلاب وتقديم الوظائف وتحميل المنهاج على صفحاتهم كمجموعة علمية مغلقة، كما نتواصل مع مراكز بحثية تنشر أبحاثها عبر مواقع التواصل، ونوّه الشعراوي إلى إمكانية تحقيق إنجازات علمية باستخدام هذه  المواقع . وعلى صعيد توصيات ومقترحات تحقق استخداماً أكثر إيجابية وفائدة،أكد الدكتور شعراوي على دور الإعلام في نشر ثقافة الوعي للاستخدام الأفضل والأمثل من خلال الإشارة إلى النواحي الإيجابية التي يجب أن يتعامل معها الشباب عبر هذه المواقع، ومنها تعميم المعرفة وتداول المعلومات العلمية وتقديم التجارب وتطوير الإمكانيات والمهارات والابتعاد ما أمكن عن الكلام السلبي وعدم هدر الوقت بطريقة سلبية.
تعزيز نمط الفردية
“أن تضيف شخصاً إلى “الفيس بوك” فهذا يعني أنك تقدم صديقاً لأعدائك” بهذه العبارة بدأ علي البيرق، طالب دكتوراه ومعيد في قسم الاجتماع حديثه وأضاف: إن مواقع التواصل الاجتماعي وأشهرها الفيس بوك، بلغة المنظومة الافتراضية الكونية عبارة عن برامج جعلت العقول منمطة بنمط عقل واحد، عقل جمعي مرتبط بعقل فردي مركزي ثابت يقودنا قيادة الرأس الجّار للذيل المجرور حسب تعبيره.وأشار البيرق إلى أن هذه المواقع تستخدم كوسيلة تفريغ سياسي وديني وجنسي. كما أشار إلى الدور الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي فيما يسمى “الربيع العربي” وقال: إن ما حدث في الوطن العربي وفي سورية خلال ثلاث سنوات كان فيه لقناة التواصل “الفيس بوك ” دور لا يمكن تجاهله.
وأوضح البيرق أن مغريات هذه المواقع تشكل قوة ضاغطة، أما أيّة  توصيات لاستخدام أفضل، وشبابنا الذين يتواصلون مع هذه المواقع هم عبارة عن أرقام مرتبطة بمنظومة رقمية هدفها تعزيز نمط الفردية والعزلة وهي آلية مكملة ومشابهة لمنظومة تربية تلفزيونية منفلتة من عقالها الآن ندفع نتائجها. وأكد على ضرورة خلق آلية ضبط حكومية مركزية لتنظيم الدخول إلى مواقع التواصل، مشيراً إلى دور وزارة الإعلام في إيجاد نظام تواصل يقوم على مبدأ الاشتراك وتحديد المستفيدين ضمن زمر وفئات عمرية “من 18 سنة فما فوق” فهذه المواقع فضاء مفتوح على كل شيء، منفلت العنان بلا ضوابط حسب رأيه.

عبير زرافة - البعث