معركة القلمون الاستراتيجيّة خسائر كبيرة «للخصوم» وحزب الله هم «الغالبون»..

معركة القلمون الاستراتيجيّة خسائر كبيرة «للخصوم» وحزب الله هم «الغالبون»..

أخبار سورية

الأربعاء، ١٦ أبريل ٢٠١٤

حزب الله في القلمون عبّد الطريق أمام الجيش السوري لتحقيق نصر استراتيجي في الحرب الدائرة منذ نحو ثلاث سنوات، هذه الخلاصة لا يختلف عليها حلفاء دمشق واعداؤها، لكن ثمة خلاف جوهري في قراءة تلك الابعاد الاستراتيجية بين خصوم محور المقاومة في المنطقة حيث تعرض كل منهم على حدة لهزيمة خاصة به تبعا لاولوياته واجنداته، كما ان للطرف اللبناني المناهض لحزب الله خسائر لا تعد ولا تحصى، فما هي هذه الاخفاقات؟ وما هي انعكاساتها وتداعياتها؟
اذا ما صدقت تقارير الاستخبارات الغربية التي توقعت ان تستمر جولة العنف في سوريا لعشر سنوات أخرى، فان الحزب ينتظر من اللبنانيين الساخطين من تدخله في الحرب السورية على حدّ قول مصادر في 8 آذار ان يتوجهوا اليه في اقرب فرصة لتقديم «الشكر الجزيل» على ما انجزه هناك، لأنه بات على قاب قوسين او ادنى من أخراجهم من التداعيات المباشرة لهذه الحرب، من خلال تأمين كامل الحدود الجغرافية الصعبة بين البلدين، وهذا يعني ان لبنان بات بامكانه ان ينأى بنفسه فعليا هذه المرة عن اتون تلك الحرب المرشحة للاستمرار بأشكال او بأخرى.
المصادر في 8 آذار متابعة لهذا الملف، تكشف عن محاولات غير مباشرة قامت بها بعض الجهات المحسوبة على تيار المستقبل للحصول على اجوبة محددة حول مستقبل استراتيجية حزب الله بعد معركة القلمون، هل سيقلص تواجده في سوريا؟ هل سينسحب من هناك؟ المهم بالنسبة الى هؤلاء كانت الحصول على اجابة واضحة عن سؤال جوهري ، ماذا بعد؟ وبحسب المعلومات المتوافرة فان من حمل تلك الاسئلة، عاد محملا بأسئلة اكثر منها حول ماهية مقاربة الطرف الاخر للوقائع الجديدة، لان الحديث عن موعد انسحاب حزب الله من سوريا بات من الاسئلة الساذجة غير المنسجمة مع التطورات، اما السؤال الملح اليوم فهو كيف سينسحب غلاة المتطرفين من مواقعهم المتقدمة في نصب العداء للنظام السوري؟ وكيف سيتأقلمون مع المرحلة المقبلة وهم جزء من السلطة التنفيذية والامنية المقبلة على رسم خطوط واضحة للتعامل مع الدولة السورية التي استعادت معابرها الخمسة الشرعية والـ 38 غير الشرعية؟
فاذا كان لا بد من المراجعة، تضيف المصادر، فهي تقع على عاتق قوى 14آذار وفي مقدمتهم تيار المستقبل، ففي المستقبل القريب سيكون عليهم ان يحسموا خياراتهم، لان اصرارهم على دعم المعارضة السورية المسلحة سيعيد الى «احضانهم» التهم الموجهة لحزب الله بجر الساحة اللبنانية الى اتون الحرب السورية عبر تدخله هناك، اليوم عادت الدولة السورية لتمسك بزمام الامور على الحدود، فهل من المجدي الاستمرار في «نطح الحائط»؟ واذا ما اصرت تلك القوى على «عنادها» ألن تكون هي الجهة المسؤولة عن توتر العلاقات مع الدولة الجارة وتوريط لبنان بمشاكل امنية وعسكرية؟ الن تكون هي المسؤولة عن ردود الفعل السورية على اختراق الحدود؟ كيف سيتمكن المسؤولون الامنيون المحسوبون على تيار المستقبل من التخلص من الازداوجية في التعامل مع هذا الملف، هل بالامكان عزلهم عن التنسيق الامني مع الجانب السوري وهل يعقل مثلا ان يحصر هذا التعاون بقيادة الجيش وعبر قناة الامن العام، فيما وزارة الداخلية وقوى الامن الداخلي في واد آخر؟ كيف ستتعامل وزارة العدل مع نظيرتها السورية؟ وكيف سيتم التعامل في الملفات الامنية العالقة بين البلدين؟ اسئلة صعبة ولا تبدو ان الاجابات عنها متاحة، لكن الفارق الجوهري بين هؤلاء وحزب الله انه عندما اخذ القرار في المشاركة في القتال في سوريا، كان يعرف من اين يدخل ومن اين سيخرج، وكان يدرك ان لديه قدرات تأهله لتغييرات المعطيات على الارض، بينما لا تملك تلك القوى ما يؤهلها لخوض مغامرات غير محسوبة.
أما اولى التداعيات المباشرة على تيار المستقبل اذا لم يستعجل في اعادة بلورة مواقفه، فستكون ببساطة شديدة تأخير عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة بحسب المصادر فاذا ما انجز الاستحقاق الرئاسي في وقت قريب، فان الحريري سيكون امام تحديات كبيرة ومحرجة في سياق تعامله مع هذا الملف المستجد، وهو كرئيس للحكومة لن يكون قادرا على التعامل بازدواجية في الملف السوري، فلموقعه الرسمي ادوات مختلفة وموجبات لا تسمح له بأن يكون من جهة داعما للمعارضة السورية فيما حدوده البرية الوحيدة تحت سيطرة النظام، وهو سيكون امام الاسئلة الصعبة، واذا لم يحصل على اجابات واضحة من المملكة العربية السعودية فلن يتمكن من تقديمها، واذا لم تكن الاجابات في حوزته، فسيختار تمديد «رحلة» الاغتراب الى أجل غير مسمى بانتظار تبدلات ميدانية واقليمية قد لا تأتي ابدا. ولذلك ثمة من قدم نصائح جدية للحريري بضرورة اجراء مراجعة سريعة للموقف من الازمة السورية والدخول بنقاش معمق مع قيادة المملكة العربية السعودية لتطوير موقفها من هذا الملف في ضوء التطورات الاخيرة وعزله عن عملية التفاوض المعقدة مع ايران. هذا اذا كانت ترغب في عودة الحريري الى السلطة.
وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط الى ان «خسائر» تيار المستقبل ليست الا انعكاسا للنكسة الاستراتيجية السعودية في القلمون فاغلاق هذه المنطقة ألحق اضراراً كبيرة بالسعوديين، فهذه المنطقة كانت الجبهة الوحيدة التي تديرها الاستخبارات السعودية بشكل منفرد، بعد النجاح في تقليص حجم تأثير قطر الى حده الادنى. فالاستخبارات السعودية خسرت «ورقة» مهمة كانت تستخدمها في الصراع على سوريا، بعد ان خسرت سابقا موقعها على الحدود التركية بفعل الخلاف مع انقرة حول ملف مصر والاخوان المسلمين، ولم يعد لديها سوى منفذ جنوبي وحيد عبر الحدود الاردنية، ولكن لديها هناك شركاء فاعلون وفي مقدمهم الاستخبارات الاميركية التي يتمسك بوجودها الاردن كونها تحد من اندفاعة الاستخبارات السعودية التي ضغطت لفتح الحدود في اكثر من مناسبة لكن الاميركيين كبحوا جماحهم. وفي المقلب الآخر من الحدود، فشلت السعودية في محاصرة حزب الله تضيف الاوساط، وكانت تأمل ان يعزل الحزب عن عمقه الاستراتيجي، لكنه فتح المعركة في الوقت المناسب ومنع المجموعات المسلحة من خلق «المنطقة العازلة»، وهكذا خسرت الرياض «ورقة» في المفاوضات مع ايران كانت تأمل في استخدامها للمساومة على ملفات حدودية اخرى في اليمن، وسياسية في العراق والبحرين، لكن الحرب الاستباقية الناجحة قلبت المعادلات ، وبات حلفاء الرياض محاصرين وفي موقع المساومة، وبات عليهم البحث عن مخارج لتقليص الخسائر.
اما اسرائيل فتقف في مقدم الخاسرين، وما يزيد من حراجة موقفها مرتبط بخسائر طويلة الامد يصعب احصاؤها في الوقت الراهن، فهي كانت ترصد «بعينيها» التطورات الميدانية تقول المصادر وتسعى الى إطالة امد الحرب لاضعاف النظام السوري، لكن كامل «حواسها» كانت منشغلة في رصد مسرح العمليات الخاص بحزب الله على الجبهة السورية، وهي تجد نفسها اليوم امام اسوأ «كوابيسها»، فالحزب لم يغرق في «الوحول» كما كانت تعتقد، وهو نجح كثيرا في الحد من خسائره البشرية بعد ان غير تكتيكاته الميدانية، كما نجح في خوض حرب «مختلطة» تجمع بين حروب العصابات والحرب النظامية، وتمكن ضباطه من ادارة مسرح عمليات تشارك فيه مختلف القطاعات العسكرية من مشاة، ومدرعات، وسلاح صواريخ. وفي اي مواجهة مقبلة ستواجه القوات الاسرائيلية جيلا جديدا من المقاتلين اكتسبوا خبرة هائلة في معارك قاسية وصعبة، وفي مساحات شاسعة، وتضاريس مختلفة لا من خلال معارك وهمية تنفذ عادة في التدريبات. والاهم من كل ذلك أن «كادرات» الحزب اختبروا العمليات الهجومية داخل المدن، بالإضافة الى خبرة في التنسيق مع قوى حليفة في المعركة وباتت لديهم القدرة على تأمين إمدادات لوجستية لفترات طويلة. هذا غيض من فيض خسائر لا تحصى ولا تعد لصف طويل من «المهزومين»، وباختصار شديد «فإن حزب الله هم الغالبون».