الغوطة الشرقية تنهي أحلام الأمير سلمان بن سلطان

الغوطة الشرقية تنهي أحلام الأمير سلمان بن سلطان

أخبار سورية

الأربعاء، ٤ ديسمبر ٢٠١٣

مرت أكثر من عشرة أيام على بدء هجوم الغوطة الشرقية وفصائل المسلحين لم تستخدم حتى الآن تعبير “الانسحاب التكتيكي” الذي اعتادت إعلانه كلما منيت بخسارة في مواجهة ميدانية على امتداد مساحة الصراع السوري.
وإذا كانت فصائل المسلحين صارت تعتقد أن انجاز نصر شامل على النظام، لم يعد يقينا سماويا، من دون معجزة ما، فإنها لم تفقد الأمل بإمكانية تعديل ميزان المشهد العسكري على الأقل، أينما سنحت الفرصة على الأرض لذلك، وهو خيار، آخذ بالتقلص كما توحي التطورات العسكرية في الأسابيع الأخيرة، على أكثر من جبهة سورية.
ما زال المسلحون، بتنوعاتهم التنظيمية، يتمتعون بقدرة على إحداث اختراقات عسكرية هنا وهناك، لكن تعديل ميزان القوى بشكل كبير، لم يعد متاحا في المدى المنظور. فقد المسلحون القدرة على “المبادرات العسكرية” الكبرى.
لا ما جرى في الهجوم المضاد الذي شنوه في الغوطة الشرقية مؤخرا، وما زالت معاركه مستمرة، ولا الاقتحام المفاجئ لمدينة معلولا قبل ثلاثة أيام، يؤشران إلى قدرة واضحة على التفوق العسكري الحاسم. “اختراق” يبدو الكلمة الأكثر تعبيرا عن حال هذين الهجومين اليائسين.
وبخلاف ما أشيع في مواقع المعارضة وبعض التنسيقيات في منطقة الغوطة قبل نحو أسبوع، فان مسلحي المعارضة و”الجهاديين”، لم يتمكنوا من دخول العتيبة، المدينة الإستراتيجية في أقصى الغوطة الشرقية، على بعد 30 كيلومترا من العاصمة دمشق، والتي تعتبر البوابة على البادية السورية، ومنها إلى الحدود الأردنية، والخاضعة لحصار خانق على الآلاف من “الجهاديين”.
يقول مصدر امني مطلع على تفاصيل معارك الغوطة وتعقيداتها، ان المسلحين، نجحوا في الوصول الى مشارف العتيبة التي يبدو انها كانت الهدف الاستراتيجي الرئيسي من الهجوم المضاد الكبير الذي شنوه قبل عشرة أيام.
كانت الصرخة الأخيرة من جانب القيادات الميدانية للمسلحين بشأن العتيبة قبل أن يستردها الجيش السوري في نيسان الماضي، انه “إذا سقطت العتيبة، تسقط الغوطة كلها”. وهو ما كان فعلا.
وقتها، توغل الجيش وفق سياسة “القضم التدريجي” مستعيدا الزمانية والقاسمية وجربا ودير سلمان والعبادي وحران العواميد، وصولا الى العتيبة.
وهذه المرة، يقول المصدر إن المسلحين فشلوا في اقتحام العتيبة، الواقعة على بعد نحو عشرة كيلومترات عن مطار دمشق الدولي، وان المعارك دارت على مشارفها، لكنهم لم يدخلوها. “الهجوم أجهض”، كما يؤكد المصدر، وكما أكدت أمس وكالة “سانا” نقلا عن مصدر عسكري سوري.
تتموضع العتيبة بين نهاية الغوطة الشرقية والبادية وتعتبر بمثابة نقطة الالتقاء لكل محاور الغوطة الشرقية من المليحة إلى النشابيه، ومن جوبر وزملكا وكفر بطنا والشيفونية، ومن حرستا ودوما وعدرا وميدعا. وبالتالي، فان العتيبة قادرة على التحكم بمرور التعزيزات العسكرية القادمة إلى وسط الغوطة الشرقية وأطرافها، بما في ذلك إلى المحاور المتاخمة للعاصمة دمشق. وهي بذلك، نقطة محورية للاتصال بين مناطق الغوطة والحدود الأردنية، حيث يعتقد أن النشاط الاستخباراتي السعودي ينصب، على أمل تعديل موازين القوى، قبل البدء بالحسابات السياسية الأخيرة في ما قبل “جنيف الثاني”.
وإذا كانت القدرة على الحسم لم تتهيأ للقوى المهاجمة في الغوطة، فان “اختراقات” مهمة حصلت، لكنها لم تمس العتيبة في الوقت نفسه.
ويشرح مصدر مطلع لـ”السفير” ان خمسة عوامل ساهمت في تحقيق المسلحين اختراقاتهم المتعددة في معركة الغوطة، أولها استغلال الضباب الذي لف المنطقة عند بداية الهجوم قبل عشرة أيام، وثانيا، اعتماد عنصر المفاجأة، وثالثا، وجود ثغرة إستراتيجية في خط الدفاع في دير سلمان وسكة الحديد، ورابعا الاعتماد على أسلوب الموجات البشرية المهاجمة، وخامسا افتقار القوات المدافعة للجيش السوري والقوات الحليفة له، إلى انسجام التنسيق التكتيكي لحظة الهجوم، فاقمته عمليات التشويش الفاعلة التي تعرضت لها أجهزة الاتصال لدى القوات المدافعة.
وبالإجمال، يقول المصدر انه جرى امتصاص الهجوم الكبير في الغوطة ومنعه من بلوغ العتيبة، بعدما جرى استيعاب موجتي الاندفاعة الأولى والثانية، مضيفا أن جزءا أساسيا مما تمكن المسلحون من الوصول إليه في القاسمية والبحارية ودير سلمان وغيرها، قد جرى استرجاعه.
وإذ يؤكد مصدران لـ”السفير” أن 400 قتيل سقطوا في صفوف المسلحين، في الأيام الأولى من الاشتباك الكبير، يشرح احدهما كيفية إحباط الهجوم الذي رددت تقارير أن ما بين الفين الى خمسة آلاف مسلح شاركوا فيه.
ويقول المصدر إن كسر الاندفاعة الميدانية للمهاجمين تمت من خلال الغطاء الناري المكثف الذي شاركت فيه مقاتلات “سوخوي” الجديدة التي نادرا ما شاركت في الحرب السورية حتى الآن، بالإضافة إلى انضمام ألوية من قوات النخبة في “الفرقة الرابعة”، والى جانبها “حزب الله” والألوية العراقية.
وبالإضافة إلى مشاركة “سوخوي”، جرى التركيز على قصف خطوط الإمداد للمسلحين، وإقامة حاجز ناري بين القواعد الخلفية للدعم اللوجستي وبين المسلحين المشاركين في الاندفاعة الأولى، ما تسبب في عزل القوات المهاجمة بعتادها الفردي في المناطق التي توغلت فيها، ما سهل القضاء عليها تدريجيا.
وبهذا المعنى، فان “معركة العتيبة” قسمت الارتباط بين الغوطة الشرقية و”عاصمتها” دوما، والربط مع الجنوب السوري والأردن… حيث الأمير سلمان بن سلطان.
واذا كانت معركة القلمون التي من بين تداعياتها الاختراق العسكري “الإعلامي” لمدينة معلولا كتعبير عن خسارة القدرة على المبادرة الحاسمة في ميدان المعارك، محاولة استباقية للهجوم المتوقع للجيش على يبرود، والدفع باتجاه استمرار انهيار تجمعات المسلحين تباعا في أكثر من محور، فان الطريق السريع لانكسار التنظيمات المسلحة كما يقول مصدر مطلع، قد يكون عبر حسم معركة درعا والجنوب، حيث “الورقة السعودية” الأساسية الآن، بانتظار اتضاح طبيعة زيارة الأمير بندر بن سلطان أمس إلى الكرملين.