فوضـى وعشوائيـة فـــي خطابـات الشكـاوى.. عــدم فهــم المواطــن للقوانيــن يُلحــق بــه ضــرراً معنوياً ومادياً

فوضـى وعشوائيـة فـــي خطابـات الشكـاوى.. عــدم فهــم المواطــن للقوانيــن يُلحــق بــه ضــرراً معنوياً ومادياً

أخبار سورية

الاثنين، ٢٢ أبريل ٢٠١٩

يفتقد كثير من أفراد المجتمع مفاهيم الحقوق بشكل عام، ولعل من أبرزها فن تقديم الشكوى، الذي يضمن للشخص استرداد حقه من دون ظلم أو تعدٍّ، خصوصاً في المشكلات الكبيرة، وفي ظل غياب الإلمام باللوائح التي توضح حقوق الأفراد وتحدد العلاقة بينهم والمؤسسات الحكومية والأهلية، تبقى هناك فوضى وعشوائية في خطابات الشكاوى، فتلمس خللاً في طريقة التعامل مع المشكلات، سواء من طرف الشاكي أو الجهة المشكية، وربما يعرض الشاكي مشكلته بأسلوب غير لائق، بل إن بعضهم يرى أن الانتقام أفضل طريقة، خصوصاً إذا كان على ثقة من شكواه، وهنا قد يعرض نفسه وغيره للعقوبة.
ويتخذ المواطن أو المسؤول – في بعض الأحيان – تصعيد الشكوى، ما ينشأ عنها تضخيم للمشكلة، وعدم احتواء الأمر من بدايته ومعالجته، قبل أن يخرج من دائرتهم، وهو ما يتسبب في وقوع قضية أكبر من المتوقع.
ويرى عضو مجلس الشعب أكرم العجلاني أن الأغلبية يتساهلون في حقوقهم مع تدني المستوى في الخدمات بصمت، مع اليأس بالحصول على الحق في ظل غياب الوعي بالأنظمة، وكذلك غياب ثقافة الحقوق والواجبات، الأمر الذي يتطلب إيجاد التوعية الجماهيرية في الإعلام بأنواعه بنشر الثقافة القانونية بين شرائح المجتمع وتعليم الاحترام الطوعي للقانون، وهذا من الأساسيات التي على المواطن في أي مجتمع أن يعيها جيداً، لتتحقق العدالة والثقافة بالمطالبة بالحقوق ضمن القانون وضمن ما تقتضيه الشكوى.
 
ثقافة قانونية
وتقول رشا الصواف – محامية: من أبسط حقوق المواطن أن يعرف ما له وما عليه، وأن يتمتع بالوعي، وأن يكون على علم تام بالقوانين، مضيفة: إن لكل فرد حقه الذي يُعلي كرامته، ويسترد له حقه، لكن مقابل هذا لابد من أن يكون لديه إدراك تام وإحاطة بفن تقديم الشكوى، حتى لا يقع في حرج وأخطاء قد تكلفه الكثير، مبينةً أن عدم فهم المواطن للقوانين قد يُلحق به ضرراً معنوياً ومادياً، ويُصادر كثيراً من حقوقه الشرعية، ذاكرةً أن الثقافة القانونية عند تقديم الشكاوى تعني التزامات التي تُوجب احترام السياسة القانونية، فهي توصل إلى مبدأ المعرفة القانونية بمحتواها وأصولها، لأن الحياة بلا قوانين تكون فوضى، مشيرةً إلى أن توعية المواطن بحقوقه تعد أمراً مهماً لكي يُدرك ماهية حقوقه، ومن ثم لا يفرط بها، مشددةً على أن لوسائل الإعلام دوراً كبيراً في إشاعة المفاهيم القانونية، وتعريف المواطنين بحقوقهم وواجباته، لافتةً إلى أن الدورات التدريبية مهمة لرفع الوعي بثقافة الحقوق، إضافة إلى إقامة ورش عمل للمواطنين ليُسلط فيها الضوء على طريقة تقديم الشكوى، ولمن تقدم وعلى من تقدم، وما هي حقوق الشاكي والمشتكي والجهة التي تُقدم لها؟
 
توعية مجتمعية
وأوضح الأستاذ محمد العلبي موظف أن المسؤولية تقع على المواطن نفسه فيما يتعلَّق بتوعية ذاته وتثقيف نفسه بنفسه، خصوصاً حينما يكون المواطن متعلماً وموظفاً، فالأجدر أن يكون أعلم وأخبر بفنون تقديم الشكوى، مضيفاً: إن خجل وخوف المواطن وجهله في كثير من الأحيان بطريقة المطالبة بحقوقه والشكوى المشروعة قد يُفقده كثيراً، مبيناً أن للشكوى حقوقاً وواجبات، ويجب من خلالها احترام النظام والقواعد والأسس.
وتشير نور السراج نقابية – إلى أن الجهل وعدم التثقيف والتوعية بالحقوق في الأنظمة القضائية عند التوكيل مثلاً وعند التحقيق وعند الترافع في جميع المجالات يجعل المتقدم بالشكوى فريسة سهلة، بل وفرداً خاملاً لا دور له في كثير من الأحيان، مضيفةً: إنَّ بعض العادات والموروثات الثقافية والاجتماعية لها دور كبير في فنون التقدم بالشكوى، كأن يكون هناك خجل اجتماعي من أن ينسب الشاكي بأنه أهل للمشكلات، أو أن يكون المرؤوس قريباً له، أو أن يكون صديقاً أو غيره، مبينةً أنه يجب على كل فرد من أفراد المجتمع أن يكون واعياً بثقافة تقديم شكواه ومحتواها، ولمن قدمت، والوقت المناسب لتقديمها.
وأكدت السراج أن الخوف من تقديم الشكوى قد يجعل الفرد يتردد في ذلك، خصوصاً فيما يتعلَّق بتوقيع الشيكات وإبرام العقود والوكالات، إلى جانب التوقيع بحسن ظن أو جهل منه، موضحةً أنَّه يكون في النهاية هو المجني عليه، مضيفةً أنه فيما لو كان أفراد المجتمع – خصوصاً ممن يكتسبون سمة الخوف- لديهم الشجاعة والثقة التامة فيما يقدمونه لقام العدل بين المجتمعات وسادت المساواة، مبينةً أن بعض النساء يجهلن كيفية تقديم الشكوى والخروج لها والمطالبة بها، ولأيّ جهة تتقدم.
 
نقد هادف
وتحدث المهندس هشام الخياط – مدير المشاريع الصغيرة والمتوسطة في حاضنة الأعمال موضحاً أن أي مسؤول يحرص على تقديم أي خدمة للمواطن بأيسر الطرائق والتجهيز بأفضل الأساليب، حتى تسهل على المستفيد الخدمة بإنجاز أي عمل بأقل التكاليف وأفضلها، مضيفاً: من الطبيعي أن تكون هناك عوائق سواء من بيئة العمل أو ضعف الإمكانات المتوافرة لدى الجهاز، مؤكداً أن المواطن الحقيقي الذي يسعى لتقديم شكوى بتجرد من دون مصالح شخصية له سوف تسر المسؤول لكي يقف بشكل مباشر على حل تلك المشكلة، وإيجاد حلول لتطوير العمل، مبيناً أن من يعمل بمبدأ «لا علاقة لي»، أو الخوف من تقديم شكوى، فهذا خطأ كبير، حيث إن أي مسؤول يسعده النقد الهادف البناء المتجرد من المصالح، وأن الهدف هو المصلحة العامة وليست الشخصية، علماً أن موضوع استقبال الشكاوى بلا معرفة المتقدم بها شخصياً – وهذا يحدث كثيراً في أغلب القطاعات – له سلبيات كثيرة، مشيراً إلى أن أفضل وسيلة هي المقابلة الشخصية للمسؤول وتوضيح الملاحظات له، حيث يسعده ذلك، ما يجعله يسعى إلى حلها، ذاكراً أنه يمكن التواصل بالهاتف أو إرسال خطاب بالفاكس، لأن كل جهة لديها فاكس رسمي يستقبل الأوراق الرسمية، أمّا لأن المتقدم باسم مستعار ويهدف للإساءة لموظف لأنه لم يسهل له طلبه الشخصي فهذه من أهم المعوقات للنقد البناء.
 
آلية الشكوى
ويرى المحامي أيمن زند الحديد أن حقوق كثير من أفراد المجتمع قد تضيع أو يتم إهمال شكواهم نتيجة عدم قدرتهم على التعبير، أو بسبب نقص الوعي بالآلية المناسبة لعرض الشكوى وصياغتها بالشكل المناسب، مستشهداً بوجود عدد من الأفراد الذين يجلسون بالقرب من المحاكم أو إدارات الجوازات وبعض الإدارات الحكومية الأخرى ممن امتهنوا كتابة «المعاريض» وصياغة الشكاوى ليتم تقديمها للمسؤولين، في ظل عدم قدرة كثيراً من أصحاب الشأن على صياغة شكواهم بأنفسهم، مضيفاً: إن ثقافة الشكوى أصبحت مطلباً ملحاً، خصوصاً أن كثيرا من أمور الحياة اليومية لا يمكن أن تكون على الوجه المطلوب، في ظل الزيادة المطردة في عدد السكان ونقص الخدمات أو إشكالات الغش والتدليس، وبالتالي برزت الحاجة للتعبير عن مشكلاتهم، مبيناً أنه بات من الضروري أن تهتم وسائل الإعلام بتعريف أفراد المجتمع بآلية الشكوى والثقافة الحقوقية.
 
محامون متطوعون
ولفت زند الحديد إلى أهمية التركيز في نشر هذه الثقافة في أوساط التعليم العام والجامعي، إلى جانب الحرص على الإلمام بالثقافة الحقوقية، متأسفاً أنه لا يتم تدريب خريجي الكليات المتخصصة بالشكل المطلوب على نظام المرافعات أو الحقوق الجزائية، كما أنه لا يتم تزويدهم بالجرعات المناسبة من هذه الثقافة، في ظل التركيز في إمدادهم بالمواد النظرية فحسب، داعياً الجهات المعنية إلى ضرورة إيجاد محامين متطوعين في القضايا التي لا يستطيع أصحابها الاستعانة بمحامين للدفاع عنهم، ذاكراً أن المحاكم في العديد من دول العالم تنتدب محامين متطوعين للدفاع عن المواطنين لتسهيل الشكوى والمطالبة بالحقوق الضائعة، مؤكداً أهمية عدم السكوت عن الشكوى أو الاتكال على الآخرين في المطالبة بالحقوق، واللجوء دوماً إلى النظام للمطالبة بالحقوق، لافتاً إلى أن فن تقديم الشكوى وأساسياتها يضمن للمواطن حقه بلا جدال.
وهنا يجب على الفرد أن يكون ملماً بما تقتضيه فحوى الشكوى وشروطها وكيفية تقديمها.
تشرين