إرث المرأة.. حقّ كفلته الشرائع والقوانين وضيّعته العادات والتقاليد.. العديدات يتنازلن عنه من دون قناعة وكثيرات يخفن المطالبة به

إرث المرأة.. حقّ كفلته الشرائع والقوانين وضيّعته العادات والتقاليد.. العديدات يتنازلن عنه من دون قناعة وكثيرات يخفن المطالبة به

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٦ فبراير ٢٠١٩

إلهام العطار:
دموعها التي لم تتوقف لحظة عن التدفق بغزارة على قسمات وجهها، فضحت حزناً كبيراً حملته في صدرها وارتسم في عيونها، فهي الضحية بين زوج طلب منها وفرض عليها رفع دعوى أمام القضاء، وإخوة تقاسمت معهم تفاصيل الحياة وأيام الطفولة والصبا بحلوها ومرها، وعند وفاة والدهم اكتفوا بتقديم مبلغ خمسمئة ألف ليرة سورية من ميراثه الذي يقدر بملايين الليرات، حسب قولها.
تحت عبارة فرضتها العادات والتقاليد مفادها أن «الأنثى لا تورث.. وعيب أن تطالب بحقها» وبطرق التفافية تحرم تلك السيدة، وتنبذ من قبل عائلتها، كما غيرها الكثيرات من حق تكفلته التشريعات والقوانين ضمن منظومة متكاملة حفظت حق المرأة وصانته وحاربت من أجله العادات والتقاليد، حسبما أوضح القاضي الدكتور عمار مرشحة- نائب عميد المعهد العالي للقضاء للشؤون العلمية، والقاضي الشرعي المؤازر، خلال حديث لـ«تشرين» التي حاولت، من خلال ملفها هذا بشأن إرث المرأة، وكيفية تعامل الشريعة والقانون معه، تسليط الضوء على قضية كانت ولا تزال ونحن في القرن الحادي والعشرين تشكل أرقاً للمرأة من جهة، وتسبب شرخاً بين الإخوة وخلافات وتفككاً في الأسرة من جهة ثانية.
 
«ما تركه أبوك لك ولأخيك وليس لأختك»
في جلسة صباحية مع العجوز أم مالك التي لفت حرصها على الحضور يومياً والنظر بحقد إلى الكتل الإسمنتية انتباه كل سكان الحي، قالت بأسى: كنت صاحبة هذه الأراضي الممتدة هناك، عملت مع زوجي وبناتي وأولادي يداً بيد، نزرع ونحصد ونبيع المحصول تزوجت البنات وكذلك الأولاد وكل ذهب في سبيله يبني مستقبله بالطريقة التي يحب فالخير كثير، دارت الأيام وتوفي زوجي، وعند إجراء معاملة حصر الإرث، طلبت من بناتي التنازل عن نصيبهن في الميراث لإخوتهن الذكور بحجة أن الصهر لا يورث، ونزولاً عند رغبتي تنازلت البنات عن حقهن وكذلك أنا، وياليتني لم أفعل! فلقد قام الأولاد ببيع الأراضي وإنشاء البنايات، وأنا حصدت الندم والحسرة على تعبي وتعب زوجي، والأهم من ذلك نظرة اللوم والعتب من بناتي.
أما سها وأخواتها اللواتي سكتن لأن العادات فوق كل اعتبار «فما تركه أبوك لك ولأخيك وليس لأختك»، كما قالت لهن والدتهن، فقصتهن فيها غصة وحسرة، لأن والدهن قسّم الميراث قبل وفاته بين أبنائه الذكور الذين يعملون في الخارج حتى لا يحصل خلاف بينهم، أما حصة البنات فكما جرت العادة «قطعة من الذهب»، فهل هناك ظلم أكثر من ذلك؟ تقول سها.
تعريف الميراث
تساؤل كان محور لقائنا مع القاضي الدكتور عمار مرشحة الذي استهل حديثه بتعريف الميراث، ففي اللغة: هو ما يخلفه الشخص لورثته من أموال أو حقوق، واصطلاحياً: فهو ما يتركه الميت بعد موته من أموال وحقوق مادية أو عينية سواء تعلقت بحق التركة كالرهن بذمة الميت أو بالقروض الخاصة وهو علم يعرف به من يرث ومن لايرث ومقدار لكل وارث حق معين من التركة، أما قانونياً: فلا يوجد تعريف محدد في قانون الأحوال الشخصية للميراث وإنما هناك تعريف عام اتفقت عليه القوانين تحت مسمى علم الميراث وهو مجموعة القواعد الشرعية والقوانين الوضعية، إذ إن هناك أموراً مقننة بالقانون وليس فقط في الشريعة يميز بها المستحقون للتركة ويقضى بموجبها بمقدار ونصيب لكل وراث، وهناك اختلاف بين الدول في هذه القضية الإشكالية في طريقة توزيع الميراث، ولكن الشريعة الإسلامية جاءت كنظام متكامل، حددت الحالات وفصلتها وبينت الحكمة منها، وبما إن قانون الأحوال الشخصية مستمد منها فقد توافق معها وترك بعض التفصيلات والأمور الخاصة لكل طائفة، حيث يرجع فيها للقواعد الخاصة بهم بموجب المادتين 307 و308 منه اللتين أرجعتا الأحكام الخاصة بكل موضوع لكل طائفة أو ديانة، فسورية دولة تسامح وتعايش.
حالات متعددة
ويضيف د. مرشحة: إن من يقرأ نصوص قانون الأحوال الشخصية سوف يجد أن هناك تفاوتاً وتراوحاً في نصيب الذكر بالنسبة للأنثى، فقد يكون نصيبه أكثر أحياناً وقد يكون مساوياً لنصيب الأنثى في بعض الحالات، وقد تحظى الأنثى بنصيب أكبر من الذكر «ليس الأخ»، وهذه حالة قد تكون غائبة عن أذهان الكثير من الناس، وبالطبع لكل حالة قاعدة وحكمة، فعندما يكون في الورثة ذكور وإناث تطبق عليهم قاعدة «للذكر مثل حظ الأنثيين» ولكن ليس بسبب تمييز الذكر عن الأنثى وإنما تجلى ذلك في حكمة الخالق، فالذكر هو المكلف شرعاً بالإنفاق المالي من مهر الذي يتألف من مؤجل ومعجل وبالإنفاق على الأسرة ، وعلى والديه حتى بعد زواجه، أما المرأة فهي غير مكلفة بذلك، ومن هنا جاء هذا التفضيل ليس انتقاصاً من قيمة المرأة ولكن لأن الحقوق والواجبات الشرعية ملقاة على عاتق الذكر، أما متى يتساوى نصيب الأنثى مع نصيب الذكر، فهذه الحالة تكون في العقارات الأميرية أي الواقعة خارج المخطط التنظيمي، فإن حصة الأنثى في حالة الإرث تساوي حصة الذكر وهذه القاعدة تطبيق قانوني وليس شرعياً، كما أن قانون الأحوال الشخصية الجديد أتى بحكم جديد، حيث منح الوصية الواجبة لأبناء البنت إضافة لأولاد الابن وساوى بين حصة الذكر والأنثى بحسبانها وصية وليس إرثاً، أضف إلى أن هذه الحالة تتحقق عندما يكون المتوفى هو الابن ولا يزال أبوه وأمه على قيد الحياة، فهنا يأخذ كل منهما السدس مما ترك، حيث تقول الآية الكريمة: «ولأبويه، لكل واحد منهما السدس مما ترك» وفي حال كان لذلك الولد المتوفى وريثاً بنتاً فإنها ترث النصف أي أكثر من حصة جدها، وهنا ندخل في الحالة الثالثة أي عندما ترث الأنثى أكثر من الذكر، ويستطرد الدكتور مرشحة: يخطئ من يعتقد أن الشريعة هضمت من حقوق المرأة فهي على العكس من ذلك لأنها أنصفت المرأة تماماً، وكذلك قانون الأحوال السوري لأنه مستمد من الشريعة وهو سايرها في كل الأحكام المتعلقة بالميراث وساير المذاهب المتعددة منها، ففي حال شغور النص هناك المادة 305 من قانون الأحوال الشخصية تقول ( في حال عدم وجود نص نرجع للقول الأرجح في المذهب الحنفي) وهذه نصوص قانونية تم إقرارها دستورياً وتشريعياً، فالدستور السوري أكد على أن الفقه الإسلامي هو مصدر من مصادر التشريع.
طلاق الفرار أو طلاق الفار
ورداً على سؤاله هل يمكن أن تظلم المرأة وتحرم من إرثها بالقانون؟ قال د.عمار: هناك حالات تتخذ ويكون القصد منها حرمان الزوجة من الميراث وهذه الحالات حقيقة هي التي تعد انتقاصاً من حق المرأة ونذكر منها: حالاتان: الأولى: تسمى «طلاق الفرار أو طلاق الفار» حيث يتعسف الزوج في لفظ الطلاق على زوجته حتى يحرمها من الميراث، فالمرأة المطلقة لاترث من زوجها في حال البينونة أي أن المرأة إذا طلقت وخلصت عدتها فعندها يصبح الطلاق بائناً، وتالياً فهي تُحرم من الميراث في حال وفاة زوجها، وهذا الأمر يجب أن يكون فيه إثبات، وبرغم وجود هذه الحالات فقد سعى القانون إلى حماية المرأة حينما ذكر في المادة / 116 /: أن من باشر سبباً من أسباب البينونة في مرض الموت أو في حالة يغلب في مثلها الهلاك، ومات في ذلك المرض أو في تلك الحالة، والمرأة في العدة، فإنها ترث شرط أن تستمر أهليتها للإرث من وقت الإبانة إلى الموت، أما الحالة الثانية: فهي في تعدد الزوجات، فالزوجة ترث الربع إذا لم يكن لها أولاد والثمن في حال كان لها أولاد وإذا كان هناك أكثر من زوجة فهذا النصيب سوف يقسم عليهن.
إرث شعبي
ويتابع: قد تلعب التقاليد دوراً أيضاً في حرمان المرأة من حقها، وهو أمر مهم جداً، فهناك إرث شعبي ولاسيما في المناطق الريفية، مفاده أن البنت تحرم من الميراث عندما تتزوج كي لا ينتقل مال العائلة إلى الصهر وهذا الأمر مرفوض شرعاً وقانوناً، ولكنه يحصل من خلال لجوء المورث إلى القانون للتحايل والالتفاف على الأحكام الشرعية، كأن يقوم بتسجيل العقارات باسم الذكور أو يقدمها لهم كهبة، فكلنا يعلم بأنه لا وصية لوارث، وهنا لايمكن للشريعة والقانون حماية المرأة مادام العقد سليماً وكتبه وهو بكامل أهليته وإرادته، ولكن يكون الأب هو المسؤول أمام الله لأنه خالف بذلك أحكام الشريعة في الإرث، فالأنثى لها حظ مكفول شرعاً وهي من أصحاب الفروض وحصتها ثابتة ولا يمكن المساس بها نهائياً، وهذا تصرف موجود في الدول العربية وفي سورية أيضاً، وفيما يتعلق بموقف القاضي في حال تنازلت المرأة عن حقها لإخوتها! نوه القاضي الدكتور عمار بأن هناك في القضاء الشرعي والولاية ما يسمى التخارج بمعنى أن يخرج الشخص من الميراث بمحض الإرادة والقاضي عليه أن يتأكد، فإذا كانت الإجراءات سليمة والمرأة بكامل أهليتها يقوم بإكمال المعاملة، أما إذا كان هناك ضغط أو إكراه فالقاضي يستطيع وقف المعاملة.
خروج المورث عن الأحكام
إن الخلاف على الميراث صار أمراً شائعاً والسبب في ذلك هو خروج المورث عن الأحكام وتالياً وقوعه في الخطأ ومن العادات أحياناً أن الأم تقول: «الذهب للبنات» وهذه تقاليد ليس لها أصل في الشريعة ولا في القانون وليست ملزمة ويجب رفع الوعي في الموضوع، فسورة النساء جاءت لتنظم أحكام الميراث، وعندما يريد المورث أن يخالف الأحكام الشرعية عن سوء نية أو حسن نية فعليه أن يأخذ ذلك القرار بموافقة الورثة وحضورهم تخفيفاً للمشكلات، حيث إن الخلاف على الميراث يحدث شرخاً بين الإخوة.
الجهل والتهاون يفسحان المجال لغلبة العادات
وفي السياق ذاته يشرح الدكتور عبد السلام راجح نائب رئيس جامعة بلاد الشام فرع مجمع الشيخ أحمد كفتارو بأنه لم يكن للمرأة في الجاهلية حق ترث بموجبه من أبيها أو زوجها أو أخيها، بل كانت هي في حد ذاتها جزءاً من الميراث شأنها في ذلك شأن بقية المتاع، وبقي الأمر كذلك حتى جاء الإسلام فحرّم ذلك وأباح للمرأة حقها في الميراث بقوله تعالى: «وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، مما قلّ منه أو أكثر نصيباً مفروضاً»، واللام هنا تفيد التمليك، ولكن برغم ذلك تأتي العادات والتقاليد لتتغلب على التشريعات ونجد من يحرم بنته من الميراث، وهذه العادات للعلم لم تعد تقتصر على الحواضر فحسب، بل أصبحت تنتشر في عمق المدائن.
هل العرف الاجتماعي أقوى من الشرع والقانون؟
ويفيد د. راجح عند سؤاله فيما إذا كان العرف الاجتماعي أقوى من الشرع والقانون على أرض الواقع، بأنه من حيث المبدأ يجب أن يكون الشرع والقانون المستمد منه أقوى من الأعراف والتقاليد التي تخالفه، ولكن الجهل والتهاون وغياب الوازع الداخلي، تفسح المجال في بعض الأحيان لتتغلب العادات والتقاليد على بعض أحكام الشريعة ومواد القانون ومن ذلك قضية الإرث فمن حق البنت أن تحظى بحصة تكون عوناً لها ولأسرتها على مشقات الحياة، وحرمانها من ذلك الحق حرام، وقد صنفت «الكبيرة» الصفحة 87 من كتاب «الزواجر على اقتراف الكبائر» أكل مال الورثة من البنات بأنه كبيرة من الكبائر، ولفت د. راجح إلى أن شعور المرأة بالظلم يزرع في قلبها الألم ويساهم في قطع صلة الرحم بينها وبين أعزاء لها، ويقود في بعض الأحيان إلى الوقوف في المحاكم ويفضي إلى نتائج اجتماعية سلبية لا تخفى على أحد، لذا فإن على الآباء ترك المحبة والألفة بين الإخوة وهذا هو أغلى وأكبر ميراث.
العمل على العادات لجعلها مرنة
وعندما توجهنا بالسؤال ذاته إلى الاختصاصية النفسية- مرسلينا شعبان حسن رأت أن حرمان أو عدم توازي حق المرأة من الميراث أحياناً لدى بعض الأسر أو المناطق أو بعض الطوائف الدينية، يعد مظهراً من مظاهر العنف ضد المرأة القائم على النوع الاجتماعي، و هو عنف مقنّع لعادات بالية ومعتقدات لا تتماشى مع روح العصر المتمثلة بشرعة حقوق الإنسان وأشارت إلى أن القانون المتحضر في أي بلد هو الضامن للخلاص من شعور الدونية، وإن فعالية القانون تبدأ من تطبيق قانون الأب بمعناه الرمزي ووضع الحدود الثقافية التي تحمي العائلة بتحقيق الاحترام بين الجميع والعمل على أداء الحقوق والواجبات كل ذلك مبتدؤه الأب ومن ثم الأم التي تسانده، وللخروج من غلبة العادات والتقاليد على قضايا المجتمع ومنها إرث المرأة، تؤكد الاختصاصية النفسية حسن ضرورة إعادة العمل على العادات لجعلها مرنة تلبي احتياجات الإنسان (المرأة والرجل) في بلادنا، ولاسيما في ظل تأزم الواقع وتبعات الحرب، حيث الكثير من النساء عانين خسارات كثيرة في أبنائهن وإخوتهن وأزواجهن، وتختم بالقول: لكي يستعيد المجتمع عافيته ويتماشى مع التطلعات العصرية في النظرة الإيجابية للمرأة، لابد من وضع العادات البالية جانباً وإحياء الدين في النفوس كضابط للأخلاق الاجتماعية والقيم الروحية، وتحجيم دوره كقانون للمعاملات والحقوق لأن القوانين تتغير بتبدل الظروف والأزمات.
خوفاً من تشتت الثروة
من جهتها الدكتورة في علم الاجتماع- سمر علي بينت أن التقاليد والأعراف حتى في أكثر الدول تقدماً وحضارة تأخذ دوراً كبيراً قد يفوق سلطة القوانين كما في بريطانيا مثلاً، وعندما يرتبط العرف بالمصلحة تزداد الأمور سوءاً كما في حالة ميراث المرأة، الذي أعطته وقفت العادات في الكثير من المجتمعات في وجهه، خوفاً من تشتت الثروة على اعتبار أن الصهر لا ينتمي للأسرة نفسها، وتالياً توريث المرأة يعني توريث زوجها إضافة إلى تأثير الثقافة الذكورية التي تعد أن الذكر هو الذي سيحمل اسم الأسرة وتاريخها مع إهمال وتصغير دور المرأة، وحتى لا نعمم فهذا الأمر فيه اختلاف وتفاوت بين المجتمعات فتكاد تكون هذه المسألة قضية عائلية أحياناً أو مسألة إحساس بالمسؤولية والضمير الحي، ولكن وحتى نكون متفائلين، فإننا نجد وعلى الرغم من حرمان الأغلبية المرأة من الميراث، أن هناك العديد من العائلات في مجتمعات مختلفة قد منحت المرأة حقها كاملاً في الأحكام تطبيقاً للتشريع والقانون، وهنا نعول على الوعي الاجتماعي والثقافي والإنساني الذي يميز الأفراد في تلك الأسر.
القبول بما قسم
‏ ولمعرفة الأسباب التي تجعل المرأة تفرط في حقها في الميراث وتتنازل عنه، توقفت «تشرين» مع نجوى الدهان- مدربة تنمية بشرية التي عدّت أن جهل المرأة بحقوقها، وضعف شخصيتها أمام الظلم والاستبداد الذكوري الذي يسيطر على المجتمعات، وسوء فهمها للدين الذي يجعلها تظن أن رضوخها لذلك الاستبداد أمر مطلوب في الشرع وأن تسامحها مع عائلتها أمر مفروض عليها، من الأسباب والعوامل التي يقف إلى جانبها ويزيد عليها أحياناً المجتمع وما يحمله من ضغوطات ومؤثرات تدفعها للقبول «بما قسم» كما يقال، والتنازل عن حقها في الميراث، حتى من دون أي مقابل في معظم الأحيان كعرف متوارث بين الأجيال كرّسته عقلية سائدة تلغي المنطق والقانون والأحكام الشرعية، فمن خلال عملنا وطرحنا لهذه القضية في الورشات والندوات نجد أن هناك الكثير من الأصوات النسائية التي تعترف بتنازلها عن حقها ولكن ليس لقناعة منها، بل لأن الواقع فرض عليها ذلك، وليس ذلك فحسب، فهناك الكثيرات ممن دفعهن الخوف من البيئة والمحيط والمجتمع إلى السكوت حتى عن الاعتراف بذلك الحق أو التحدث عنه، وهنا علينا ألا نلقي اللوم على المرأة ونقف مكتوفي الأيدي أمام هذه القضية المجتمعية و الدينية والقانونية التي تحتاج إلى إعادة النظر فيها والاهتمام بجوانبها كلها وأهمها الجانب التوعوي للمرأة والرجل معاً من خلال عقد الورشات وإقامة الندوات التي تبين آثار وتبعات هذه المسألة وما تخلّفه من آثار نفسية واجتماعية على المرأة وعلى المجتمع، ولا نغفل بالطبع ما للإعلام من دور مهم في تحريك موضوع إرث المرأة بوسائله المختلفة ومنها الدراما التي تقع عليها مسؤولية تغيير عقلية المجتمع ونظرته، ووضع المرأة أمام مسؤولياتها وحثها على عدم قبول ظلم العادات والتقاليد التي جعلتها تتصور أن حصولها على حقها في الميراث حلم صعب المنال، والمطالبة بحقها انطلاقاً من فكرة وقاعدة تقول: إن التسامح لا يعني الرضى بالظلم وتضييع الحقوق، بل يعني الترفع عن الحقد والكراهية، وعلى المظلوم أن يسعى لرفع الظلم عنه بشتى الوسائل والسبل، وأن التمسك بالحق وبالقانون والدفاع عنهما واجب عليه من أجله أولاً ومن أجل أسرته ومجتمعه ثانياً.
تشرين