أين وصل ؟! مشروع الإصلاح الإداري .. مسؤولية مشتركة ومحاور متشعبة وانتظار طويل  للنتائج

أين وصل ؟! مشروع الإصلاح الإداري .. مسؤولية مشتركة ومحاور متشعبة وانتظار طويل للنتائج

أخبار سورية

الاثنين، ١٤ يناير ٢٠١٩

أكثر من عام ونصف مر على تطبيق مشروع الإصلاح الإداري إلا أنه مازال في بعض جوانبه غائباً عنا بقدر كاف إما بسبب التفاصيل الدقيقة أو لعدم التقاط  الرسالة من هذا المشروع والهادفة  إلى الإبداع والمبادرة بجرأة .
فالاهتمام بالإصلاح الإداري كان ولا زال الشغل الشاغل للقائمين عليه و بات اليوم مطلباً شعبياً وفي الوقت ذاته من أولويات العمل لأجل هذا لم يعد مقبولاً أن ندخل هذا المشروع ضمن ميراث التجربة والخطأ أو أن يتحول إلى حكاية تحدد ملامحه آراء المرددين له.
انتقادات
تساؤلات كثيرة وانتقادات كبيرة وجهت إلى وزارة التنمية الإدارية التي أحيل إليها مشروع الإصلاح الإداري، الذي ومن وجهة نظر الكثيرين لم يخط حتى اليوم خطوة باتجاه الأمام بل على العكس لا زال الفساد والترهل سيّد الموقف في مؤسساتنا وشركاتنا، لتؤكد وزارة التنمية خلال أعمال المجلس العام لاتحاد نقابات العمال أنها عكفت بعد صدور القانون /28/ وإطلاق السيد الرئيس بشار الأسد بتاريخ 20/6 للمشروع الوطني للإصلاح الإداري على وضع الأسس الناظمة لعمل المشروع، مشيرة إلى أن منظومة قياس الأداء الإدارية  على رأس البرامج التي تعمل عليها الوزارة وهي جاهزة للتشغيل، و أن منظومة خدمة الموارد البشرية تتضمن مجموعة من المحاور على رأسها الأرشفة الالكترونية للذاتيات والثبوتيات وهذا المحور يحتاج فترة زمنية للإنجاز لأن هناك ملايين الأوراق التي تحتاج للأرشفة، وسيتم  خلال شهر افتتاح نوافذ للسجل العام للعاملين في الدولة في مديريات التنمية الإدارية في الأمانات العامة للمحافظات، وأنه من ضمن محاور منظومة خدمة الموارد البشرية محور التوظيف الالكتروني والذي سيحول كافة الأوراق المطلوبة للتوظيف إلى شرطية وهذا سيخفف عملية الدوران ويقضي على الفساد، كما تتجه الوزارة إلى التدريب الالكتروني، حيث بدأت بتدريب القيادات الإدارية لتنتقل بعدها إلى كافة الفئات، كذلك التوصيف الالكتروني وهو أحد المشاريع التي ستعمل عليها الوزارة خلال عام 2019، إذ لن يتم ترشيح أي شخص إلى شاغر وظيفي دون توفر الشروط الموجودة في التوصيف الالكتروني مع إعادة ضبط عملية التوصيف على المستوى الوطني.
تغيير الذهنية
مخطئ من يظن أن الإدارة العامة الحكومية كلّ متجانس حيث أكد محمد كوسا “خبير في الإدارة العامة”  أن هذه الإدارة تحوي على عناصر ومكونات متعارضة فيما بينها وفروقاً كثيرة بين مؤسساتها وسواء قسنا الفروق بمصطلحات النشاط أو البناء أو بقرائن النمو أو بمستويات  الاستخدام أو بالشروط الاجتماعية فإننا سنرى أنها لن تضعف بل ستتعمق بتأثير الواقع الذي يدير ظهره ويخالف مسألة ضرورة التماثل والتجانس في البنى التنظيمية ومنظومة الغايات لهذه الإدارة، إذاً لنطبق مشروع الإصلاح الإداري ولنعمل على مخالفة الطرق القديمة في محاولة للحفاظ على الإنجازات السابقة، فمشروع الإصلاح الإداري ليس طرحاً نظرياً وليس ترفاً إداريا لأنه في النهاية هو نسق ومنهج لكسر المألوف وتعديل الواقع وسعياً للتخلص من معوقات الماضي، ولقد تجاوزت رغبة الشارع مجرد الحديث عن الإصلاح أو الإدمان على النقد والتفسير ورفع شعارات عائمة، وإذا أردنا العمل بمشروع الإصلاح علينا أن نتجاوز أولئك  الذين ألفوا العيش برتابة ويخشون القفز إلى المجهول، مشيراً إلى أن الإصلاح الإداري هو منظومة تفكير لا ترتبط بالإمكانات والقدرات بقدر ارتباطها باليقين بأن ما لا نعرفه أفضل بكثير مما نعرفه، بالتالي يجب تغيير الذهنية ونمطية الحلول و عموميتها والكف عن التجريب والخطأ، وحتى لا تواجهنا الخيبة فيمسك بنا التراجع ويغرينا الانسحاب علينا أن نرسم خريطة الطريق لهذا المشروع منطلقين من توجيهات السيد الرئيس وحدود هذه الخارطة هي تعليق القواعد الخاصة للأحكام القانونية  لفترة خمس سنوات، ووضع إطار أو نسق من القيم الاجتماعية والاقتصادية التي تدعم مفهوم النظام العام لا مفهوم الذات وذلك لخلق بيئة تستبعد الفساد، و اعتماد مبدأ المحاسبة على النتائج لا على الأنشطة، كذلك الاعتماد على التوثيق والتدوين لا على التذكر، إضافة إلى إحداث بنك الأفكار المبدعة والأعمال الخلاقة.
مشاكل في الإصلاح
وفي سؤالنا للدكتور علي الخضر “دكتور في الاقتصاد” لتحديد الجهة المسؤولة عن الإصلاح الإداري أكد أن التجارب العالمية الناجحة تشير إلى أن المسؤولية مشتركة بين الجهة المركزية والجهات المستهدفة بالتطوير وخاصة قياداتها العليا، كما أن الجهة المركزية للإصلاح تقوم بتحديد الاتجاهات وتنسق الجهود وترفد الأجهزة المستهدفة بالتطوير بالعون البشري والفني والمعلوماتي، مبيناً بعض المشاكل في الإصلاح الإداري أهمها القصور في التحليل الفني الذي يخدم صناع القرار ونقص وتضارب المعلومات اللازمة لصنع القرار الخاص بالسياسات الاقتصادية وضعف التنسيق بين أطراف عملية الإصلاح ووجود التناقض أحياناً وضعف مؤسسات التنفيذ ومقاومتها للتغيير، كذلك تداخل العمليات والمراحل المرتبطة بإدارة السياسات وخاصة في مراحل: التخطيط – صنع واتخاذ القرار – التنفيذ التي تحتاج لتعاون وتنسيق وتقييم وتعديل إذا لزم الأمر، فمن الضروري اعتماد منهجية علمية في الدراسة والتحليل والتشخيص لإعداد سيناريوهات وخطط الإصلاح المستقبلية بشكل متكامل وشامل وتحقيق التوازن مع بقية عناصر الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي واعتماد وإقرار الوعاء التنظيمي- المؤسسي الخاص بإعداد استراتيجيات الإصلاح ومتابعة تنفيذها مع التركيز على تنمية الموارد البشرية بكافة أشكالها (اختيار وتعيين، تأهيل وتدريب، تعليم، تخصصات جديدة، عمالة فائضة)، إضافة إلى تطوير الهياكل، تعزيز اللامركزية، التوصيف الوظيفي، تشريعات وقوانين محفزة، استخدام أدوات تقنية متطورة، واعتماد مبدأ المشاركة الوطنية في صياغة برامج الإصلاح وتعزيز دور أجهزة الرقابة الخارجية، بدوره وجد الدكتور سامر المصطفى “دكتور في الاقتصاد” أن هناك معاناة حقيقة من مشكلة العنصر البشري وخاصة في تقيد بعض الموظفين بما يسمى العرف الإداري القديم، فالقوانين والأنظمة المطبقة تقيد عمل مؤسساتنا بشكل كبير، فالكثير من الموظفين الموضوعين في مراكز إدارية لا يملكون أفق عمل ولا يتمتعون بروح المبادرة والتطوير الإداري بعيدا عن تطبيق القانون بحذافيره ، ما يؤدي إلى تجميد العمل الإداري، بل لا بد من أن نكون مرنين في تطبيق القانون مع عدم النظر إلى نصوصه من منظار وأفق ضيق لنحصل على إدارة ناجحة في المستقبل، فنحن لم نستفد من فكرة النافذة الواحدة ولا حتى قمنا بتطبيق مشروع الحكومة الالكترونية وغير ذلك من المشاريع والقوانين المتطورة التي عرفناها لكن للأسف لم تجد النور على أرض الواقع علما أنها تؤدي لنجاح العمل الإداري.
آلية عمل جديدة
وزارة التنمية الإدارية  وفي معرض إجابتها عن تساؤلاتنا حول الخطوات التي حققتها الوزارة في تنفيذ المشروع الوطني للإصلاح الإداري و إلى أين وصل في تنفيذه ، أكدت وعلى لسان وزيرتها سلام سفاف أن الوزارة قطعت مسافات كبيرة على صعيد تنفيذ المشروع الوطني للإصلاح الإداري، وحققت خطوات هامة خلال زمن لا يستهان به على صعيد إنجاز أغلب البنية التشريعية والتنظيمية التي تكفل إطلاق المشروع عبر مراحله الأربعة، ففي المرحلة الأولى تم الانتهاء من مرحلة التأسيس عبر إقرار النصوص التشريعية الأساسية، أما المرحلة الثانية مرحلة الحضانة والتي تشمل جمع البيانات والمعلومات الأولية وإطلاق العمل عن طريق وضع واعتماد الإجراءات التنفيذية لعملية قياس الأداء الإداري وتنظيم آليات جمع البيانات والمعلومات، فقد تم  في هذه المرحلة  إحداث مركز دعم وقياس الأداء الإداري للجهات العامة وإحداث مركز خدمة الكوادر البشرية في الدولة وتصميم نافذة الكترونية بعنوان ” منبر صلة وصل “، وبناء قاعدة معلومات مركزية لمعالجة عملية احتساب نقاط شرائح قياس المعايير بانتظار فقط إطلاق المرحلة التجريبية لمنبر صلة وصل، وفي هذه المرحلة أيضاً تم دمج كل من لجنة الأنظمة الداخلية ولجنة الملاكات العددية في لجنة واحدة تسمى لجنة ” إقرار البنى التنظيمية للجهات العامة “، ونقل اختصاصاتها إلى وزارة التنمية الإدارية، حيث تقوم اللجنة بدراسة الهيكل التنظيمي ( حيث تم إقرار الهيكل التنظيمي الجديد لوزارة التنمية الإدارية بعد إقراره من قبل هذه اللجنة )، والوظيفي والموافقة عليه بما يتلاءم مع المهام والاختصاصات للجهة العامة، ودراسة النظام الداخلي والموافقة عليه وفق القواعد التنظيمية السليمة، وكذلك دراسة بطاقات الوصف الوظيفي والموافقة عليها بما يخص تحديد المتطلبات الرئيسية لإشغال الوظائف من المؤهلات العلمية والمهارات وشروط الإشغال الأخرى، ومراجعة البنية التنظيمية للجهة العامة، إضافة إلى دراسة طلبات الجهات العامة بإحداث وظائف جديدة في الهيكل الوظيفي..
أما آلية العمل الجديدة لوزارة التنمية الإدارية في القريب العاجل، والتي تخدم عملية الإصلاح الإداري، فهي تقوم وحسب سفاف على الاعتماد على الربط الشبكي مع مديري إدارات الموارد البشرية والتنمية الإدارية في الجهات العامة ومديريات التنمية الإدارية التابعة للوزارة في المحافظات، ما يؤمن سرية العمل ودقة الإنجاز، وبناء إدارة الكترونية لإدارة الموارد البشرية على المستوى الوطني بما يسمح بمتابعة المسارات الوظيفية للكفاءات النوعية، وتفعيل منظومة قياس الأداء الإداري، والتي تؤمن القدرة على سبر الواقع الراهن، وكشف نقاط الخلل الإداري، وتزويد الجهة العامة بالإرشادات اللازمة لتطوير الإدارة ومتابعة عملها من خلال خطة التنمية الإدارية التي ستمثل استجابة لنتائج القياس ومدى الالتزام بها.
ميس بركات