معاهد التعليم الخاص وبيوت «المتابعة»… ظاهرة استفحلت أمام تراجع التعليم!!

معاهد التعليم الخاص وبيوت «المتابعة»… ظاهرة استفحلت أمام تراجع التعليم!!

أخبار سورية

الاثنين، ٧ يناير ٢٠١٩

معذى هناوي:
لم يعد يخفى على أحد أن معاهد التعليم الخاص ومراكز المتابعة وحلقات الدروس الخصوصية التي يعقدها المعلمون والمدرسون في بيوتهم باتت ظاهرة استفحلت وتورمت على حساب الأهل الذين يسعون لتعليم أولادهم بكل السبل وبكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة بالاستدانة، بالقروض وبكل ما أمكن، ويحدث ذلك «على عينك يا تاجر» وأمام أعين القائمين والمعنيين بالعملية التربوية ذلك أن أصحاب هذه المعاهد وحلقات الدروس هم من الأسرة التعليمية.
وما لفت انتباهي أن تعليمات ترخيص المعاهد الخاصة تقتصر فقط على الطلاب الأحرار ومن يود تطوير مهاراته في تعلم اللغات، وأن القانون يعاقب المخالف بالإغلاق والغرامة المالية التي قد تصل إلى خمسمئة ألف ليرة، وأن القوانين هي التي تحدد الأسعار وبموافقة وزارة التربية، وكنت أتمنى لو أن مديرية التعليم الخاص زودتنا بأرقام عن المعاهد المخالفة وغير المرخصة وعددها ونوع المخالفات المرتكبة، وبالإجراءات المتبعة منها في الرقابة على هذه المعاهد وملاحقة بيوتات التدريس الخاصة ومعاقبة أصحابها عقوبات رادعة من شأنها أن تردع الكثير من المدرسين الذين حولوا بيوتهم إلى مراكز تعليم خاصة وبأجور باهظة وتكاليف ترهق الأهل وتشديد الرقابة على المدارس ومتابعة المدرس المهمل.. لكن من الواضح أن كل معهد يفرض الأسعار وفق أمزجة أصحابه والقائمين عليه.
ولم يخف على أحد أن هذه الظاهرة باتت مقلقة للمجتمع والأهل بشكل كبير ومرهقة مادياً وحتى جسدياً ومن شأنها أن تضعف العملية التربوية وتخلق جيلاً غير قادر على المتابعة والتحصيل العلمي نتيجة عوامل عدة ومتشابكة بين الأطراف جميعها المدرسة من جهة، وتردي التعليم والضغط الكبير في أعداد الطلاب في الشعبة الصفية الواحدة من جهة أخرى، ما يزيد من مظاهر الأمية وانتشارها من جديد بين الطلبة بعد أن قطعت سورية أشواطاً متقدمة في التعليم الأساسي والمراحل العليا لتأتي هذه الظاهرة وتقضي على هذه المراتب.
 
صورة من الواقع
اكتشفت السيدة (د) أن ابنها الطالب في الصف الخامس الابتدائي مقصر في منهاج مادة الإنكليزي فاحتارت في أمرها في البحث عمن يتابعه في تدريسه المادة إلى أن علمت أن مدرسة اللغة الإنكليزية تعمل على متابعة العديد من الطلاب في بيتها في حصص درسية مسائية ولم تجد بداً من إلحاق ابنها بهذه الدروس مقابل ألف ليرة للحصة الدرسية ظناً منها أن ذلك يساعده في التحصيل والمتابعة على مدار أسبوع قبل الامتحانات وتدبرت أمورها واستدانت، كما تقول، لتفي المدرّسة أجرها ودفعت مقدماً لكن خاب ظنها، فالمدرّسة ماذا يمكن أن تضيف من جديد لابنها مادامت تعمل في مدرسة عامة وتعطي الدروس ذاتها وبالهمة ذاتها؟ وعلى العكس تماماً فإن دوامها الصباحي في مدرسة عامة وعملها الخاص بمتابعة الطلاب في بيتها مساء يزيدها إرهاقاً ولا يمكن أن يقدم أي قيمة مضافة لابنها وغيره من الطلاب.
بينما يقع المهندس (ش) في حيرة من أمره، كما قال، في كيفية مساعدة ابنه المقبل على امتحان شهادة الثانوية العامة بعد أن سأل وتابع العديد من المعاهد وبيوت المتابعة، وأجرى العديد من المفاضلات بين أسعارها ليصطدم بأن أدنى المعاهد مستوى في التعليم والمتابعة يتقاضى 250 ألف ليرة قيمة الدورة إضافة إلى المصاريف الأخرى غير المنظورة التي تصاحب الطالب وتفرض نفسها على رب الأسرة، وراح يضرب الأخماس بالأسداس في كيفية تدبير المبلغ، فالقروض غير متاحة أمامه وقد استنفدها في أمور معيشية، واستدانة مبلغ كهذا مستحيلة ولم يبقَ أمامه سوى «الجمعيات» الأسرية التي يلجأ إليها معظم الموظفين والأسر لتدبير أمورهم المعيشية.
أم سامر ربة منزل تقول: إن ابني يضغط علينا لتسجيله في دورة متابعة ولجهة تأمين مدرسين خصوصيين له لمتابعته في بعض المواد العلمية نظراً لعدم استيعابه بعض المواد من المدرسين في المدرسة بسبب الضغط الحاصل في عدد الطلاب في الشعبة الواحدة، وأحياناً نتيجة عدم مبالاة المعلم أو المعلمة.
وتوضح أم سامر أن إلحاح ابنها يصل أحياناً حد التهديد بترك المدرسة إذا لم يسجل في أحد معاهد المتابعة.
بينما يرى أبو محمد (س) أن تلك الدروس الخصوصية والدورات التي يتبعها الطالب في المعاهد الخصوصية ضرورية ومن شأنها أن تجعل الطالب يتفوق لتحصيل أعلى العلامات لمواجهة المعدلات المرتفعة لدخول الاختصاصات العلمية المختلفة التي باتت حلماً للطلاب وتصيب العديد منهم بالخيبة وربما تؤدي بهم إلى عدم متابعة تحصيلهم العلمي.
أم نضال (م) كانت لها وجهة نظر مغايرة بأن ما شجع على ظاهرة الدروس الخصوصية ودورات المتابعة والمعاهد التعليمية هو صعوبة المناهج وضخامة منهاج التعليم ولاسيما في مرحلة التعليم الأساسي، وعدم قدرة الطلاب على المتابعة وحتى من الطلاب المتفوقين، فهم يجدون صعوبة بالغة، أضف إلى ذلك عدم توافر الكادر التعليمي المؤهل لمتابعة هذه المناهج، وما يزيد الطين بلة عدم قدرة الأهل على متابعة وتدريس أولادهم في البيت ما يدفع إلى البحث عن البدائل أمام الأهل وهي مرهقة مادياً.
المحامي (ف) يذهب أبعد من ذلك في رأيه، ويرى أن هذه المعاهد وبيوتات المتابعة باتت مصدر دخل ثراً للأساتذة والمعلمين ومعظمهم إما متعاقدون مع معاهد خاصة للتدريس بها وإما قاموا بتحويل بيوتهم إلى مراكز للمتابعة.. والمفارقة العجيبة أن المدرس في مدرسة عامة يعمد إلى فتح بيته أمام طلابه مقابل مبالغ كبيرة ما يستنفد طاقة عطائه في المدارس العامة ويفرغها في متابعة الدروس الخصوصية.
تشرين