الأغنياء كما الفقراء ينعمون بدعم الحكومة الاجتماعي فمن المسؤول عن عدم وصوله إلى مستحقيه؟!

الأغنياء كما الفقراء ينعمون بدعم الحكومة الاجتماعي فمن المسؤول عن عدم وصوله إلى مستحقيه؟!

أخبار سورية

الأحد، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٨

مادلين جليس:
لا تزال قضية إيصال الدعم إلى مستحقيه مثار جدل وخاصة أن الدعم الموعود يصل للغني قبل الفقير، وللأجنبي كما السوري، ما يجعله دعماً عشوائياً يحتاج إلى إعادة هيكلة مجدداً لتحقيق غايته المنشودة في دعم الفقراء وذوي الدخل المحدود وليس توزيعه خبط عشواء، مسهماً في زيادة نزيف الخزينة العامة، علماً أن الحكومة- وتحديداً في موازنة عام 2019 -عدت نفسها تدعم المواطن الموعود بزيادة الرواتب منذ فترة من دون التنعم بخيرات هذا القرار وحتى الآن تسعى إلى تحسين مستوى المعيشة لدى المواطن، من خلال البند الذي يتضمن مبلغ 811 مليار ليرة قيمة الدعم الاجتماعي الذي يقدم للمواطنين على اختلاف مستوياتهم المادية والمعيشية، لكن باعتراف وزير المالية أن الدعم لا يصل إلى مستحقيه، فلماذا لا يبادر إلى اتخاذ آليات تضمن حصول الفقير على حقه من الدعم الذي يمنن به يومياً .
3 آلاف ليرة شهرياً
إنّ مبلغ الدعم الاجتماعي الذي خصص بـ 811 مليار ليرة سورية، يعد قليلاً ببعض العمليات الحسابية التي تظهر قصره عن الدعم الحقيقي للمواطن, كما ترى الخبيرة والأكاديمية الاقتصادية الدكتورة نسرين زريق، فإنه لو اعتبرنا أن عدد السكان 20 مليون نسمة سيكون بالناتج أن ما يقارب الـ 40 ألف ليرة سورية, هو قيمة الدعم السنوي المقدم للمواطن، من خبز ووقود تدفئة وتنقلات، وهو مايعادل تقريباً 3000 ليرة سورية، وهو -كما ترى زريق- مبلغ قليل جداً لدعم شعب ناهض من حرب بالأمور الأساسية في حياته.
ومن ناحية أخرى فإن هذا الدعم الذي أسلفنا أنّه يقدّم للجميع يحتوي ثغرة مهمّة، ففي هذا الوقت من يمتلك سيارة أو اشترى سيارة فارهة يحصل على بنزين مدعوم بسعر أقل من السعر العالمي مثله مثل من لا يملك سيارة أساساً وهم الأغلبية العظمى.
حصّة الفقراء للأغنياء
وترى زريق أنّه بالضّرورة فإنّ حصّة كل الفقراء من دعم الوقود يجيّر لحساب الأغنياء الذين، لا يصح اقتصادياً أساساً أن يصلهم الدعم الاجتماعي، وهذا أمر يحتاج تخطيطاً وتنفيذاً عالي المستوى ليتم توجيه الدعم لمن يحتاجه فقط، حينها فإّن قيمة الدعم التي احتسبناها بـ 3 آلاف ليرة شهريا، قد تصل للفقير إلى 4000 ليرة، وهذا مايمكن عدّه أنه أفضل من السابق ولكن ليس ممتازاً. وتضيف زريق: عندما يتم التوسّع بدعم المازوت وتصفير دعم البنزين نستطيع أن نقول حينها: إنّ الدعم بدأ يصل لمستحقيه، سواء بتخفيض أجرة وسائط النقل العامّة التي تعتمد على المازوت أو حتى بشكل خاص بأن يكون بنزينها مدعوماً.
براهين مادية.. لا شعارات
إذاً فحصّة الفقير تصل إلى 3000 ليرة سورية شهرياً، أي مايعادل 6 دولارات أمريكية، على الرغم من تصريحات سابقة لوزير المالية الدكتور مأمون حمدان الذي قال إننا دولة قوية اقتصادياً، فكيف نكون أقوياء اقتصادياً إن كان المواطن لا يحصل على دعم لا يتجاوز الـ 3000 ليرة شهرياً، وهو كما تراه زريق لا يمكن أن يشكل درعاً لحماية المواطن من موجات الغلاء العالمية، أو تغيرات سعر الصرف فكيف وهي موجهة لخبز ووقود فقط، وتضيف الخبيرة الاقتصادية أن المبلغ رمزي جداً وهذا آخر ماتبقى بعد التعليم والطبابة المجانية من سورية أم الفقراء التي كنا نعرفها سابقاً.
معزوفة مشروخة!!
الباحث الاقتصادي- الدكتور حيان سلمان يرى أن الدعم يقلل من التكلفة الفعلية للنفقات كنفقات البنزين والكهرباء وغيرها، وتالياً قد يؤدي إلى الإغراق الاقتصادي، أي بيع السلع بأقل من تكلفتها، الأمر الذي يشوه موضع التنافس والتنافسية. وبالعودة إلى أحد تصريحات وزير المالية مأمون حمدان مسبقاً فإننا نرى أن هذا الدعم لايصل إلى مستحقيه، الأمر الذي يراه الدكتور حيان سلمان «معزوفة مشروخة»، فالاقتصاديون مازالوا منذ أكثر من عشرين عاماً يتجادلون في هذه القضية، ويرى سلمان أنه بالرغم من وجوب عدم اعتمادنا على الدّعم الانتقائي إلّا أنه موجود، فعلى سبيل المثال إن المعامل والمنشآت الصناعية تستهلك من المشتقات النفطية أكثر ما يستهلك المواطن العادي، وهنا يكون الدعم للصناعة.
من دون تمييز
ولكن ومن جانب آخر فيمكن أن يستمر الدعم لجميع المواطنين، مع تمييز ذوي الدخل المحدود بدعم أكبر من غيرهم من ذوي الدخول المرتفعة، وهذا مالا يراه الدكتور سلمان صحيحاً، فيقول: إن هذه الدولة التي تعمل وفق دستور لا يميّز بين غني وفقير، وتبنى كل القرارات فيها على أساس المواطنة، ولذلك فالدعم جزء من موازنة الدولة، ولكن علينا ألا ننسى أن الدعم موجود لذوي الدخل المحدود أكثر، وذلك من خلال التعليم المجاني والطبابة المجانية، فمن يتجه للمدارس والجامعات الحكومية، وحتى المشافي، هم من ذوي الدخل المحدود، وفي المقابل من ينعم بدخل مرتفع، يتجه حتماً إلى القطاع الخاص.
عدالة
الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية يرى أن الرقم الذي حدّد للدعم الاجتماعي مناسب، فهو يثبت أن الدعم الاجتماعي أولوية حكومية، لكن الـ 800 مليار التي تذهب بمعظمها للمحروقات والخبز والكهرباء، تذهب فعلاً إلى كل المواطنين ويستفيد منها كل سوري، وحقيقة كل مواطن سوري يستحق الدعم، لكن يتساوى الغني والفقير مثلاً في سعر ربطة الخبز وسعر البنزين والمازوت، لذلك يرى فضلية أنه لتكون هناك عدالة حقيقة في توزيع الدعم, فيمكن للدولة أن تدعم الشرائح الضعيفة وأصحاب الدخل المحدود والضعيف، بدعم آخر، من خلال سلال غذائية على سبيل المثال أو بونات، وذلك فقط يكون لأصحاب الدخل المحدود والعاطلين عن العمل.
حلول جديدة
ويقترح فضلية حلاً يمكن أن يكون مناسباً للدعم، بحيث لايتم تمييز مواطن عن آخر بالدعم، لكن يمكن التمييز بينهم بقيمة هذا الدعم، فمثلاً على اعتبار أن المبلغ المخصص للدعم هو 800 مليار ليرة سورية، يمكن للدولة أن تبقي منه 600 مليار لجميع المواطنين، وتخصص 200 مليار لدعم الشرائح الضعيفة فقط، وذلك من خلال سلال غذائية أو مبالغ تقدم لهم مباشرة، وبذلك يكون قد حصل جميع المواطنين على دعم الدولة.
رفع سعر البنزين
أما من ناحية الطرح فإن المشتقات النفطية تصل مدعومة إلى جميع المواطنين، ويدفع الجميع سعر المازوت والبنزين والكهرباء نفسه، فإن فضلية يقترح أيضاً حلاً آخر يعوّل عليه إذا ما طبّق ليكون سبيلاً إلى دعم الفقراء وذوي الدخل المحدود، فيقول: إذا ضاعفت الحكومة سعر البنزين، وقامت بإعطاء ذوي الدخل المحدود والفقراء مايتم تحصيله من رفع السّعر، بذلك يكون الدعم وصل لمستحقيه حقا.
أيضاً وبحسب الدكتور فضلية, فلو قامت الحكومة بتوفير باصات النقل الداخلي العامة في الأماكن التي تحتاجها، مع وضع تعرفة مدروسة، هذا يعد دعماً لجميع المواطنين لكنه يصل فقط إلى من يستخدم وسائل النقل العامة أي ذوو الدخل المحدود، أو أن يتم توفيرها بشكل تنافسي، أي هناك آليات مباشرة وغير مباشرة لتقديم الدعم الاجتماعي.