أسواق دمشق تئن تحت وطأة المخالفات وفساد بعض تجارها وضعف رقابتها… والعلّة في قيمة المخالفة الزهيدة

أسواق دمشق تئن تحت وطأة المخالفات وفساد بعض تجارها وضعف رقابتها… والعلّة في قيمة المخالفة الزهيدة

أخبار سورية

الأحد، ٩ ديسمبر ٢٠١٨

محمد نزار المقداد:
لا تبشر أسواق دمشق المملوءة بالمخالفات على اختلاف أنواعها، بإمكانية القضاء عليها ومحاسبة مرتكبيها، رغم ادعاء الجهات الرقابية بأنها تعمل بأعلى سقف للإمكانات المتاحة للحد من هذه التجاوزات وضبطها بغية تمكن المواطن من شراء سلعة جيدة المواصفة والسعر، لكن حتى الآن حال المواطن والسوق وتحكم التجار في قوانين السوق تجعل المخالفين الطرف الأقوى في ظل ضعف رقابي يشتد عوده في التصريحات الإعلامية فقط.
 
ضعف رقم المخالفة السبب
وبقراءة معادلة المخالفات البسيطة كعدم الالتزام بالتسعيرة أو عدم إعطاء فاتورة للمستهلك أو عدم عرض سعر المنتجات، فالمخالفة الحكومية لهذا النوع فقط ٢٥ ألف ليرة سورية لا غير بعد أن كانت سابقاً ١٠ آلاف، وفي هذا قال تاجر، رفض ذكر اسمه، إن هذه المخالفة ليست منطقية إنه بائع يعرف كيفية معاملة الزبائن والعُرف السائد في السوق أن يطلب البائع زيادة معلومة عن السعر الأدنى لمبيعه (متضمناً رأس ماله وربحه المجمل والصافي بكل قطعة)، وفي هذا الهامش يتلاعب البائع بكلامه ونقاشه مع الزبون على مبدأ «حسم له وراعاه» كما يُقال بالعامية، وفي مثال على ذلك، زبون يريد شراء مدفأة تعمل على الكهرباء، ولدى البائع عدة أنواع وقد وقع اختيار الزبون على نوع متوسط الجودة، فسأل عن سعرها فقال له البائع ١٥ ألف ليرة سورية، وبدأ النقاش حول مواصفات المدفأة وسعرها في السوق، وما إلى هنالك من أحاديث نعرفها جميعاً، ليصبح سعر المدفأة بعد (المفاصلة) ١٢ ألفاً، أي إن البائع حسم للزبون مبلغ ٣ آلاف ليرة، وبكل تأكيد البائع حصل على رأس ماله وربحه المجمل والصافي، ومبلغ الثلاثة آلاف هو هامش الحديث الذي يسعى لوضعه البائع ليصل للسعر الذي يريده وهو بموقف إيجابي لدى الزبون وقد يكسبه زبوناً له طوال العمر، وبلغة منطق التجارة هذه شطارة.
٢٥ ألفاً فقط لا غير
محل لبيع ألبسة في سوق مشهور يرتاده زبائن كثر، وارده اليومي يتجاوز نصف مليون ليرة سورية كحد أدنى، لا يضع تسعيرة على بضائعه، ولا يُعطي للزبون فاتورة نظامية، وغير ملتزم بالتسعيرة المبينة على بيان التكلفة، يخالف لأحد هذه الأسباب بمبلغ ٢٥ ألف ليرة سورية ويعد هذا المبلغ ثمناً لقطعة لباس واحدة، وبلغة الأرقام يُقدر بنسبة ١% من الربح اليومي، ومبلغ ٢٥ ألفاً في حال ضمن التاجر أن يدفعه ثمن مخالفة عدم إعلان سعر بضاعته والتزامه بالسعر الحكومي المبني على قرارات لجان التسعير وفق بيانات التكلفة، وهنا يستطيع البائع أن يلعب بالأسعار كما يريد ومخالفته لا تساوي شيئاً أمام هامش ربحه الكبير وتلاعبه على الزبائن، وفي هذا قال جمال السطل الباحث في جمعية حماية المستهلك إن مبلغ المخالفة قليل ويعطي التاجر سبباً قانونياً ليتلاعب بالأسعار لأن مبلغ ٢٥ ألف ليرة سورية لا يعني شيئاً بالنسبة له، وأكد السطل أن هناك مسودة مشروع قرار لزيادة قيمة المخالفة لتصبح رادعة بكل معنى الكلمة، ولكنها نائمة في دروج الوزارة من دون معرفة السبب.
قرابة الـ ١١ مليون ليرة
محمد باغ- رئيس دائرة حماية المستهلك في دمشق أكد أن المديرية تقوم دورياً بضبط المخالفات، وقد وصل عدد مخالفات شهر تشرين الثاني الفائت إلى ٤٣٢ مخالفة بسيطة، وكل مخالفة يدفع مُخالفها مبلغ ٢٥ ألف ليرة سورية، وبهذا، حسب كلام باغ وبحساباتنا، فإن صندوق الوزارة دخله مبلغ ١٠ ملايين و٨٠٠ ألف ليرة سورية في شهر تشرين الثاني، وبمعدل وسطي سيدخل صندوق الوزارة من المخالفات البسيطة في العام الواحد (٢٠١٨ مثلاً)، ١٣٠ مليوناً تقريباً، مبيِّناً أن المديرية تعمل بكامل طاقتها للحد من مخالفات الأسواق وعدد الضبوط شاهد على ذلك.
بيان التكلفة في حد ذاته رواية
حسب القوانين الناظمة للتسعير أكد محمد البردان رئيس دائرة الأسعار في المديرية أن أي صنف يخضع للتسعير عن طريق بيان تكلفة واضح، حسب لجان مختصة تقوم بدراسته، وهناك ملايين الأصناف في الأسواق ولكل صنف بيان تكلفة مختلف على الآخر، حتى الصنف الواحد له عدة أنواع من حيث الجودة، وهذه تشكل ميزات إضافية للتاجر لكي يتحجج بغلاء سعر التكلفة حسب السوق، ولحين اجتماع لجنة التسعير التي تضم رئيس الجمعية المختص بالسلعة والمديرية والخبراء، وقبل أن يصدر السعر النظامي يكون التاجر قد باع ٩٠% من بضاعته، وإن كان مخالفاً حسب العينة التي يبيعها وصدور تسعيرة حكومية أقل من التي كان يبيعها فإنه سيدفع مبلغ ٢٥ ألف ليرة سورية وكأن شيئاً لم يكن.
دكتور جامعي مختص بشؤون الاقتصاد والتجارة الداخلية رفض ذكر اسمه قال لـ«تشرين» بعد أن سألناه عن قيمة المخالفة البسيطة وذكرنا عدد المخالفات التي يضبطها تموين دمشق كل يوم، إن هذه المبالغ التي تدخل خزينة الوزارة كبيرة وستقل حتماً في حال أصبحت المخالفة البسيطة كعدم إعلان السعر أو الالتزام بها أكبر من ذلك ولنفرض ١٠٠ ألف ليرة سورية، لأن التاجر عندما يعرف أن مخالفته ١٠٠ ألف ليرة في حال عدم التسعير بنسبة ٧٠% من التجار ستعلن عن تسعيرتها وتلتزم بالأسعار، وتالياً سيصبح عدد المخالفات قليلاً والـ ٤٣٢ مخالفة التي ضُبطت في شهر تشرين الثاني ستصبح ٣٠ مخالفة كحد أقصى، وسيصبح مدخول الخزينة من المخالفات البسيطة فقط ثلاثة ملايين ليرة سورية شهرياً، بمعدل وسطي ٣٦ مليون ليرة سنوياً، وما بين ١٣٠ مليوناً وثلاثة ملايين أكثر ١٠٠ مليون ليرة وقصة ورواية.
المخالفات الجسيمة تحكمها المحاكم
في السياق ذاته أكد محمد باغ أن كل المخالفات الجسيمة من انتهاء صلاحية أو بيع بضاعة مهربة أو تضليل الزبون (كبيع لحم عجل على أنه لحم غنم مثلاً)، فكل هذه المخالفات تذهب إلى القضاء للبت فيها.
تشرين