آمال تحاصرها الصعوبات والتحديات طلاب الدراسات العليا.. أعداد كبيرة ومقاعد محدودة.. والمراجع في ذمة القلة!

آمال تحاصرها الصعوبات والتحديات طلاب الدراسات العليا.. أعداد كبيرة ومقاعد محدودة.. والمراجع في ذمة القلة!

أخبار سورية

الخميس، ٦ ديسمبر ٢٠١٨

اختلفت شخصياتهم، وتوحدت معاناتهم ضمن حرم الجامعة التي احتضنت لسنوات طويلة أحلامهم وطموحاتهم الدراسية التي باتت عبئاً على طلاب الدراسات العليا الذين التقيناهم وهم يجتهدون للوصول إلى نوافذ التسجيل، حيث اجتمعوا حولنا أملاً في إيصال صوتهم الناقل لحال واقعهم الدراسي، “يبدأ الأمر عند الإعلان عن امتحان اللغة، الآلاف يتهافتون من كل صوب إلى معهد اللغات لحجز مقعدهم قبل فوات الأوان، وبعد صدور النتائج ننتقل بالصراع إلى مرحلة أخرى في الوصول إلى المراكز لتسجيل رغباتنا، مع الازدحام الشديد الذي يكون خلال الفترة المحددة، يخيل لنا أننا تجاوزنا الصعب، وكلنا أمل بأن نحقق ما نصبو إليه في الدراسات العليا، غير أن الصدمات تبدأ منذ اللحظات الأولى، لا شيء مختلفاً، وعلينا أن نخلق ما هو جديد دون توفر أبسط المقومات لنستند إليها، وعند انقضاء الأمر نحزن أن ما تعبنا لأجله واجتهدنا لتحقيقه لا يساوي شيئاً يوضع على الرفوف وينسى”!.. باختصار هذه رحلة الدراسات العليا الطويلة والشاقة على لسان العديد من الطلاب باختلاف كلياتهم واختصاصاتهم.
 
تشابه المعاناة
معاناة طلاب الدراسات العليا متشابهة، وتبدأ من التسجيل نظراً لمحدودية استيعاب المراكز المحددة للأعداد الكبيرة من المتقدمين، إذ توجد حوالي خمسة مراكز في جامعة دمشق لحاملي الشهادات الحكومية، وثلاثة فقط لشهادات الجامعات الخاصة، وغير السوريين، والتعليم المفتوح، وأبناء الشهداء، والطلاب العرب والأجانب، ما يسبب ازدحاماً شديداً أمام كمبيوترات التسجيل التي غالباً ما تتوقف عن الخدمة، وتعلق الشبكة عن العمل، وعليهم الانتظار حتى تحل المشكلة، وغالباً ما يطول ذلك حتى يستكملوا الإجراءات اللازمة.
وأضاف الطلاب بأن الأعداد المخصصة للقبول في الماجستير الأكاديمي وماجستيرات التأهيل والتخصص، وحتى في دبلوم التأهيل التربوي، لا تتوازى ولو قليلاً مع عدد المتقدمين.
 
أولى الصدمات
العديد من الطلاب الذين خطوا في طريق الدراسات العليا أكدوا لنا بأن لا شيء مختلفاً في هذه المرحلة المتقدمة من الدراسة، المواد نفسها التي سبق لهم أن أخذوها في السنوات الجامعية الأربع أو الخمس، وبأسلوب التلقين والتعليم نفسه، وتزيد عليها متطلبات وأعباء أخرى.
ومع كثرة المطالب، يصدم الطالب بقلة ما يمكن أن يعتمد عليه لتنفيذه، فالمراجع التي تعد أبسط ما يمكن تقديمه مفقودة، والمتوفر منها يعود لخمس أو ست سنوات مضت، حتى الدراسات في الكلية التي يتبع لها الطالب، وفقاً للطالبة دنيا، لا يمكنه الاطلاع عليها، ليس لأنها غير موجودة، بل لأن القائمين على المكتبات لا يعرفون أين هي، وليس بإمكانه، أيضاً، الحصول على قائمة بعناوين الرسائل التي قدمت إلا بعد التسجيل على موضوع رسالته.
 
نقص في المراجع
الطالب عبد الله أشار إلى أنه خلال السنة التحضيرية للماجستير يتوجب عليهم الاطلاع على كتب وأبحاث ودراسات أخرى في مجال تخصصهم، عربية وأجنبية، غير أن ما يعترضهم أثناء البحث هو عدم القدرة على الوصول إلى تلك الدراسات، وبشكل خاص الأجنبية منها، إذ يتطلب الحصول عليها التسجيل بقواعد للبيانات التي تفرض تكاليف كبيرة للاشتراك بها، فضلاً عن صعوبة ذلك.
وبهذا الخصوص، لفت طالب الماجستير محمد الذي يحضر لرسالته إلى أن طلاب الجامعات السورية لا يمكنهم الدخول لتلك القواعد، حيث إنه حاول الاشتراك بإحداها لتزويده بالمراجع التي تلزمه ويحتاج إليها، إلا أن طلبه قوبل بالرفض.
معاناة الطلاب مع المراجع تزداد سوءاً في حالة الاختصاصات الجديدة، ووفقاً لديمة، طالبة بقسم الإعلام الالكتروني في كلية الإعلام، فإن العثور على مراجع بالمواضيع التي يعنى بها هذا التخصص أكثر صعوبة، إذ إنهم لا يجدون مرجعاً يستطيعون الاستفادة منه حتى في المكتبات التي يقصدها كل طلاب الدراسات العليا، كمكتبة الأسد، وإن عثروا على واحد يكون تاريخ إصداره قديماً، والمعلومات التي يتضمنها لا تناسب متطلبات ومفاهيم الزمن الراهن.
صعوبة الوصول إلى المراجع دفعت العديد من الطلاب للتواصل مع أشخاص من بلدان أخرى لتأمين ما يلزمهم لرسالتهم، وبحسب الطالبة لينا فقد كلفها تأمين مراجع لرسالتها من دولة أخرى أكثر من 200 ألف ليرة سورية، ويفترض أن يكون واجب الجامعة توفير كل ما ينشر من كتب ودراسات بمختلف المجالات، وأحدث الإصدارات، والسعي لتأمين المراجع التي يطلبها أي طالب، مهما كان اختصاصه، حتى لو كان ذلك مقابل اشتراك بسيط بها.
 
قاعدة بيانات
معاون وزير التعليم العالي، الدكتورة سحر الفاهوم، لفتت إلى أن الجامعة تمكنت من تأمين عدد من المجلات العلمية، وفقاً لمبادرة من منظمة “اليونسكو” المقدمة للدول النامية، وعممت رقم الدخول على الجامعات الحكومية والخاصة لتتاح لجميع الطلاب.
الدكتورة الفاهوم أشارت أيضاً إلى أن هناك عرضاً يدرس حالياً من قاعدة بيانات “ابسكو” لإتاحة المجلات العلمية للجامعات السورية على القواعد العالمية، مقابل إمكانية الدخول إلى المجلات العالمية في البحث العلمي المتواجدة عليها.
وبهذا السياق، لفت مدير البحث العلمي الدكتور شادي العظمة إلى أن الوزارة تعمل على عولمة المجلات الجامعية العلمية، إضافة إلى توفير قاعدة بيانات محلية تضم كل رسائل الماجستير والدكتوراه لتصبح “اون لاين” على موقع الوزارة، وهذا يسهل على الطالب الاطلاع على العناوين التي طرحت في الموضوع الذي يرغب بدراسته.
وبشأن مبادرة “ريسرش فور لايف” أو “research 4 life” التي طرحتها اليونسكو، فإنها تتضمن أكثر من 50 ألف مجلة علمية، وأكثر من 100 ألف كتاب من أهم دور النشر العالمية، حيث يمكن للطالب تسجيل الدخول إليها من أجهزة الحاسب ضمن نطاق تعريف الجامعة، وتحميل ما يلزمه ويحتاج إليه من مراجع.
قاعدة أخرى اشتركت معها الوزارة، هي “اوكسفورد”، تؤمن كافة المجلات والمراجع بشكل مجاني، في مبادرتها للدول النامية، وفقاً لمدير البحث العلمي الذي أوضح أن الاشتراكات تكلف مئات الآلاف سنوياً، وتأمين الاشتراك بتكاليف قليلة، وبالجودة العلمية نفسها، ما سيعود بالفائدة على جميع الباحثين في سورية.
من جهته، بيّن عميد كلية الإعلام الدكتور محمد العمر، وهو عضو في لجنة تطوير موقع جامعة دمشق، بأن أحد العناصر التي تدخل ضمن عملية تصنيف الجامعات هو الموقع الالكتروني الخاص بها، وعمليات الدخول والخروج، لافتاً إلى أن تدعيم الموقع من خلال نشر أبحاث ومراجع يمكن للطالب أن يصل إليها بسهولة سيرفع من مرتبة الجامعة التي تراجعت في السنوات الأخيرة.
 
العمل والدراسة!!
مشكلة أخرى تواجه طالب الدراسات العليا، إذ إن بعضهم يعمل إلى جانب دراسته، ومعظم تلك الجهات التي يعملون بها لا تراعي أبداً كون هذا الطالب يدرس، وهو بالمقابل بحاجة إلى العمل، فيقع بين نارين، عمله الذي يجب أن يحافظ عليه ولا يستطيع تركه وإلا ذهبت فرصته ولا يمكنه تعويضها بسهولة من جهة، والتزاماته تجاه دراسته وسعيه لتقديم رسالته وواجباته بالشكل الأمثل من جهة أخرى!.. على سبيل المثال، رسائل قسم البستنة في كلية الزراعة تتطلب تكاليف عالية لإنجازها، حيث أوضحت الطالبة روعة أن البحث يرتكز على دراسة البذور، وأنواع النباتات المختلفة، وعليهم شراؤها بأنفسهم، وعلى الرغم من الميزانية التي تخصصها الجامعة، إلا أنها لا تكفي ولا تغطي كافة المصاريف المطلوبة، لذا يدفع الطالب من “جيبه” لإتمام عملية الدراسة، وقد يزيد ذلك عن تلك التي تخصصها الجامعة معظم الأحيان!.
في قوانين التعليم العالي، “يشترط التسجيل في درجة الدكتوراه بالجامعات والمعاهد أن يكون الطالب متفرغاً خلال السنة الأولى من تاريخ صدور قرار مجلس الجامعة بتسجيله، وإبراز قرار منحة إجازة خاصة بلا راتب أو إجازة دراسية، أو قرار إيفاد بالنسبة للعاملين في الدولة لمدة عام” (القرار رقم 384).
حول هذا الأمر، ذكر شادي، وهو طالب دكتوراه في علم النفس، أنه قبل تقديم الرسالة يجب نشر بحثين محكمين في دوريات الجامعة، وللتسجيل عليهما يجب دفع مبلغ معين قبل ذلك، وبحالة رفض البحث لا يمكن استرداد المبلغ المدفوع، وينبغي دفعه ثانية عند إعادة محاولة نشره.
وعلّق على ذلك بأنه لا يمكن للطالب العادي تحمّل أعباء وتكاليف النشر والبحث دون وجود ما يتكل عليه ويعينه، لذا سيكون الوضع صعباً دون وجود عمل رديف، أو تقديم إجازة بلا راتب، متسائلاً: هل تتكفل الجامعة بتلك المصاريف؟!.
وتابع بأن اختيار عينة الدراسة والتطبيق عليها صعب جداً، إذ لا يوجد تعاون في أغلب الأوقات من الأشخاص الذين ستجرى عليهم الدراسة والبحث، وكذلك من الجهات التي يتطلب التواصل معها والحصول على المعلومات منها، أي أن التطبيق العملي للرسالة أصعب بكثير من إعداد الخطة المنهجية لها.
وبإجماع من الطلاب، وخاصة الحاصلين على درجة الماجستير، فإن وضعهم الوظيفي لا يختلف مع شهادتهم الجديدة، إذ لا امتيازات على ذلك، وفي الغالب لا يُعترف بها، كما أن فرصهم بالعمل تبقى على حالها بدلاً من أن تفتح لهم أبواب أوسع بمختلف مجالات سوق العمل.
 
لا يحسدون
في محصلة الأمر، على الطالب أن يقلع شوكه بيديه، أن يكد ويجتهد لينجز رسالته التي تحمل اسمه، واسم الجامعة والكلية التي يدرس بها، وكله أمل بأن يستفيد من يأتي بعده منها إذا لم توضع على الرف وتنسى كغيرها من الأبحاث، طلاب الدراسات العليا في حال لا يحسدون عليها، حائرين في منتصف الطريق، يكافحون بكل الوسائل والسبل المتاحة لهم، متحدين العقبات التي تعترضهم ليكملوا معركتهم إلى نهايتها.
رغد خضور-البعث