طاقات مهدورة ... وشريحة منسية شباب بشهادات عالية ... وضعت على الرف

طاقات مهدورة ... وشريحة منسية شباب بشهادات عالية ... وضعت على الرف

أخبار سورية

السبت، ٣ نوفمبر ٢٠١٨

 ازدهار صقور :
في العام 2011 كانت أعداد الشباب المسجلين في الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظة حماة وحدها 169890 شخصاً، تم تعيين 6205 من الأشخاص عن طريق ترشيح مكتب التشغيل، في حين تم تعيين 6175 شخصاً عن طريق المسابقات ومن كل الفئات وهذه الأعداد طبعاً عينت منذ إحداث المكتب .
ثم توالت الأرقام والأعداد وتضاعفت بشكل كبير ، لكن أعداد المعينين بقيت خجولة لا بل تناقصت بعض الأحيان، طبعاً هذه الأعداد خاصة بمدينة حماة فما هو الحال بالنسبة للقطر بشكل عام؟
لقد ظلت مساهمة الشباب في الإنجازات الكبرى للأمم حقيقة ثابتة على مر العصور، نظراً لما لهذه الشريحة من ميزات وقدرات تمكنها من بذل أقصى الجهد والوقت للقيام بالمهمات الكبرى. هكذا كان الشباب المحرك الرئيس للتحولات السياسية والعمود الفقري للإقلاع العلمي والاقتصادي والاجتماعي، كما أنها تشكل المخزون الأهم إبان مراحل إعادة البناء.
ويشكل الشباب نسبة مهمة في الهرم السكاني، حيث كشفت إحصائيات حديثة أن نسبة الشباب تتجاوز 40 في المائة من مجموع السكان غير أن هذه الثروة، عوض أن تتاح لها الفرصة للمساهمة الفاعلة في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نجد أنها تعيش الكثير من المشكلات البنيوية التي تعيشها كل فئات المجتمع، إضافة إلى المشكلات الخاصة التي تمس فئة الشباب دون غيرها.
يدفع الشباب اليوم فاتورة غالية من أجل حرية وطنهم وازدهاره ، ويحملون النصيب الأعظم من الهم والمعاناة ، في الوقت الذي تتنكر فيه مؤسسات المجتمع لدورهم في عملية التنمية والبناء ، فالشباب هم من حموا الوطن اليوم، أما إذا رغبنا في ترشيح أحدهم لخوض انتخابات نيابية فإن الدنيا تقوم ولا تقعد ، ويتذرع الجميع بنقص الخبرة وانعدام الكفاءة ، ويتجاوزون كمية الطاقة الملهمة والفكر المبدع التي يحملها الآلاف من الشباب.
 
شبح البطالة
يكتوي الشباب بنار البطالة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وتزداد نسبة العاطلين في صفوف حاملي الشهادات العليا، حيث بلغت نسبة البطالة في صفوف خريجي الجامعات حوالى 45 في المائة. فمعظم المسابقات التي تطال هذه الشريحة العلمية تكون أعداد المتقدمين فيها بالآلاف فيما تكون الأعداد المطلوبة لا تتجاوز أصابع اليد وباختصاصات معينة لا بل إن شروط بعضهم فصل على مقاس أشخاص معينين، أما أغلب المسابقات الأخرى فهي تطلب شهادات علمية متدنية «ابتدائية وإعدادية» وهذه المعضلة الكبيرة تجعل من مستقبل الشباب المتعلم شبحاً مخيفاً يقض مضجعه ويسرق أحلامه ويفقده استقراره النفسي والمادي، مما يولد لديه اليأس والإحباط والسلبية وضعف الثقة في النفس.
أما في القلب الآخر فنجد أن شبابنا ينجحون ويتفوقون في كل مجالات الحياة ولكن خارج حدود الوطن، وهذا دليل أن شبابنا عندما تتاح لهم الفرص وتقدم لهم الإمكانات فإنهم يتفوقون ويبدعون، فلماذا نفشلهم في أوطانهم، ونكرمهم ونفخر بهم خارج حدود الوطن؟
أورام تنتشر
ازدياد نسبة الجريمة والانحلال الأخلاقي والمخدرات وغيرها من مشكلات أخرى هي نتائج متوقعة من الشباب عندما يشتد حوله خناق اليأس والتهميش والتفقير والتجهيل، وعندما تقابل حاجياته بالإهمال ومعاناته بالاستخفاف، وعندما تبث بعض وسائل الإعلام سمومها القاتلة. ويزداد الأمر خطورة عندما يتورط بعض شبابنا المعطل المهمش في امتهان تجارات محظورة ما يجعلهم فريسة بين أيدي شبكات الاتجار في الممنوعات والأعراض. ثم يتحول ذلك عنفاً وجريمة وانحرافاً أخلاقياً، تجاوز كل الحدود ليُسقط كل ما تعلمه الشباب في المدرسة والجامعة اللتين كانتا منبعاً للأخلاق والقيم والمعالي. كل ذلك لم يدفع الدولة بعد لاتخاذ إجراءات عاجلة تحمي جسمنا الشبابي من هذا الورم الآخذ في الانتشار، وتكتفي بتدبيج التشخيصات وتوضيح الواضحات وكأنها ليست هي المعنية باتخاذ القرارات واستباق الانحدارات.
أما نسبة الحضور الضعيفة للشباب في مختلف مجالات الفعل المدني فهي الأخرى نتيجة خنق مجالات هذه النشاطات ومحاصرتها وتأطيرها في مجالات ضيقة بعيدة كل البعد عن المجالات المتوقدة والمتجددة وحصرها ببعض الفعاليات الضيقة والمهمشة وإفراغها من محتواها وتقزيم دورها في تجميع إرادات الشباب وأفكارهم من أجل فعل إيجابي مباشر وسط المجتمع. إنه نوع من تحجيم دور الشباب ومحاصرة مبادراته وقتل روحه التطوعية وقوته الاقتراحية.
نستغرب اليوم وأمام هذه المشكلات والتحديات عدم اكتراث المعنيين وضعف تجاوبها مع كل هذه الأخطار التي تهدد الشباب، لنجد أن النمطية في المعالجة وتكرار نفس الوسائل التي أثبتت فشلها بدعوى التفاعل مع مطالب الشباب، مشاريع متناثرة هنا وهناك، لا شيء يجمع بينها ولا شيء ينتج عنها إلا مزيداً من الفشل والضياع. مسابقات تغني ولا تثمن ولا تحقق جزءاً بسيطاً من أحلام كبيرة للشباب .ولا تحقق لهم الحق في التعليم والصحة والسكن والشغل والإبداع والإعلام والتعبير والترفيه والنشاط السياسي والمدني وهو مالا يمكن تجاهله والاستفادة منه بل هو حقهم الطبيعي، والوضع اليوم لايحتمل سياسات الترقيع والتسكين. لابد من علاج شامل ووعي شبابي بمكامن الداء ونقط العلل.
إن مجتمعنا يتوق لليوم الذي يعاد فيه تفعيل طاقاته ، واستخدام كفاءاته وتوظيفها في الاتجاه الذي يخدم الفكر المتقدم ، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق سوى بإعادة النظر في منظومة القيم الاجتماعية التي تحد من قدرة الشباب على الحصول على أدوار ذات طابع قيادي ، وتخفض سقف توقعات الشباب إلى مستويات يشعرون معها أن عبارة كم من مهمل ملقى في زوايا المجتمع وهوامشه ، وبدون صحوة شاملة ، على كل الصعد ، سنجد أن حاضرنا ، الذي هو الشباب قد ضاع في غيبة الاحساس بوزنهم الاجتماعي والوطني ، وأن مستقبلنا الذي هو الشباب كذلك قد أصبح تحت رحمة الأقدار بعد أن نكون قد هدمنا بأيدينا الصرح الذي كان يمكن له أن يحلق عالياً ويرتفع ليواجه تحديات الحضارة ومتطلبات التنمية الشاملة .
الفداء