خطط “داعش” الجديدة للثراء والتهام الأخضر واليابس

خطط “داعش” الجديدة للثراء والتهام الأخضر واليابس

أخبار سورية

الأحد، ١٤ أكتوبر ٢٠١٨

فَقَدَ تنظيم “داعش” تقريباً جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها، غير أنه وجد طرقاً جديدةً لجمع الأموال الطائلة.
رغم أن “داعش” فقد ما يقرب 98% من الأراضي التي كان يسيطر عليها، أصبح التنظيم ناضجاً بما يكفي للعودة إلى الظهور في المناطق ذات الأغلبية”السنية” في العراق وسورية. والسبب الرئيس هو وجود لعبة حرب قائمة في المنطقة، إلى جانب مهارته في تطوير تدفقات جديدة من الإيرادات. اعتمد تنظيم “داعش” في الغالب على الأراضي التي يسيطر عليها، بما في ذلك المدن والمعاقل الحضرية، لجمع مليارات الدولارات من خلال عمليات الابتزاز وفرض الضرائب والسطو وبيع النفط المسروق. لكن هذا التنظيم أثبت قدرته على جني المال حتى من دون السيطرة على المراكز السكانية الكبيرة.
خلال أوج سيطرته على الأراضي في عام 2015، قام “داعش” بجمع ما يقرب من 6 مليارات دولار، ما يجعله أغنى جماعة إرهابية في التاريخ حتى الآن. كيف يمكن لجماعة متشددة أن تجمع ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لدولة بحد ذاتها؟ عندما استولى على الأراضي، قام “داعش” في المقام الأول بجمع ثروته من ثلاثة مصادر رئيسة: النفط والغاز، والتي بلغ مجموعها نحو 500 مليون دولار في عام 2015، ومعظمها من خلال المبيعات الداخلية؛ الضرائب وعمليات الابتزاز، التي وصلت لحوالي 360 مليون دولار في عام 2015؛ ونهب الموصل في عام 2014، حيث قام “داعش” بسرقة حوالي 500 مليون دولار من خزائن مصرفية.
لقد فَقَدَ “داعش” الآن معظم أراضيه، وتراجع هذا التنظيم الإرهابي بعد أن كان يسيطر على مساحات من الأراضي تعادل حجم بريطانيا العظمى تقريباً في محاولة للبقاء على قيد الحياة، بينما كان تحت الحصار في معقله في وادي نهر الفرات الذي أضفى صبغته عليه. لقد قام التحالف العالمي الذي تشكّل لهزيمة “داعش” بتدمير “الدولة” الإرهابية الناشئة في الشرق الأوسط، ومنع زعيمها أبو بكر البغدادي، من تحقيق أحلامه بإقامة “خلافة” إسلامية في قلب المنطقة. وقد تسبَّبَ التحالف بخسارة “داعش” لخط الإمداد إلى أراضيه، وبالتالي انخفض تدفق الإيرادات بشكل كبير من الضرائب وعمليات الابتزاز وبيع النفط، وانخفض تمويل “الدولة الإسلامية” بشكل كبير.
ومع ذلك، لم تعد المجموعة تعتمد على الأراضي لصمودها اقتصادياً. وذلك، جزئياً، لأن قياداتها التي نجت ربما قامت بتهريب ما يصل إلى 400 مليون دولار من العراق وسورية. ستسعى شبكة التنظيم المنتشرة إلى غسل هذه الأموال من خلال شركات وهمية في المنطقة، وخاصة في تركيا. يمكن كذلك تحويل بعض النقود إلى ذهب وتخزينه ليتم بيعه في المستقبل.
في الوقت نفسه، حتى مع انخفاض دخل “داعش”، فإن نفقات التنظيم ضئيلة مقارنة بما كانت عليه منذ أكثر من عام. لا توجد حكومة زائفة مسؤولة عن الرعاية الصحية، والتعليم، ودفع رواتب البلديات، وتوفير الأشغال العامة؛ بما في ذلك خدمات القمامة والصرف الصحي. ومع وجود مثل هذه الميزانية التشغيلية المُخفَّضة بشكل كبير، فإن الأموال التي تم تكديسها ستوفر لـ “داعش” ما يكفي من المال للبقاء كحركة إرهابية سرية لديها القدرة على شن حملة مطولة من حرب العصابات في جميع أنحاء العراق وسورية.
كما تم دعم “داعش” بالمخزونات المالية بمَحافِظَ تمويلٍ متنوعة. وقام بتطوير مهاراته في مضاعفة الأموال من خلال مجموعة من الأنشطة الإجرامية الجديدة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الابتزاز والاختطاف من أجل الحصول على فدية، السطو والسرقة، تهريب المخدرات والاتجار في الآثار. لا تتطلب هذه الأنشطة الاحتفاظ بالأراضي، ولكن هناك مخاطر مرتبطةٌ بالمتمردين الأفراد، الذين يمكن، من الناحية النظرية على الأقل، أن يتم القبض عليهم.
ومع ذلك، تظلُّ فرص التعرض للاعتقال ضئيلة، حتى في هذا التاريخ المتأخر، إذ لا يوجد حتى الآن أي من قوات الأمن أو قوات الشرطة في العراق أو سورية قادرة على تنفيذ أنشطة الشرطة التي من شأنها ردع الجريمة على نطاق واسع. يمكن للمجموعة في المستقبل القريب، أيضاً، إعادة تنشيط قنوات تدفق الدخل التي أصبحت راكدة وذلك عن طريق ابتزاز السكان الذين يعيشون على أطراف امتداد سيطرة الحكومة [بعيداً].
خلال السنوات التي كانت تخضع الأراضي لسيطرة “داعش”، جَمَعَ أعضاؤه بياناتٍ شخصيةٍ من السكان بشكل دقيق والتي تتضمن معلومات مُفصّلة عن الأصول المملوكة والدخل، بالإضافة إلى عناوين أفراد العائلة المتفرقة. هذا العمل الاستخباراتي الهام الذي مارسه “داعش” على السكان يمد التنظيم بالمزيد من النفوذ من خلال ترهيب المدنيين وابتزازهم، ما يسمح له بجمع المزيد من الاحتياطي النقدي.
بالإضافة إلى الابتزاز، هناك طريقة أخرى يمكن أن يستمر بها “داعش” في كسب المال دون الاحتفاظ بالأراضي بشكل فعلي، وذلك عن طريق عمليات الابتزاز خلال أعمال إعادة إعمار الموصل وغيرها من المدن المدمرة. لقد أتقنت التنظيمات التي سبقت “داعش”، مثل تنظيم “القاعدة” في العراق و”دولة العراق الإسلامية”، فنّ ابتزاز شركات البناء والمؤسسات الأخرى التي تحاول المساعدة في إعادة بناء المدن والبلدات والقرى التي تحاول التعافي من سنوات من الصراع الطائفي الوحشي في العراق. ولم تتمكن أي من هذه الجماعات الإرهابية من السيطرة أو حتى الاقتراب من حجم مساحة الأراضي التي كان يسيطر “داعش” عليها. ومع ذلك بين عامي 2006 و2009، كان “داعش” لا يزال قادراً على جمع مبالغ كبيرة من الأموال عن طريق ابتزاز شبكات توزيع النفط المحلية والإقليمية.
من المحتمل جداً أن تتكرر هذه العملية نفسها خلال السنوات القليلة القادمة، إذ يسعى المجتمع الدولي لمساعدة العراق وسورية على التعافي من عشر سنوات من “الحرب “. إن إعادة الإعمار في الأجزاء التي مزقتها الحرب في العراق وسورية، رغم حسن نواياها [إعادة الإعمار]، يمكن أن توفر هدفاً جذاباً لـ “داعش”، وربما تساعد في تمويل عودته، وهو أمر يمكن أن تحققه المجموعات حتى بدون احتلال مساحات واسعة من الأراضي.
سيكون من السهل على “داعش” البدء في إفساد عقود إعادة الإعمار. فالمتمردون سيحتاجون ببساطة إلى إقامة علاقات مع المسؤولين المحليين المرتبطين بمشاريع إعادة الإعمار وإدخال عناصرهم الخاصة في خطوط الإمدادات، مع الحصول على مبالغ مالية مختلفة في كل خطوة من خطوات العملية. وسيعمل مقاتلو “داعش” على ضمان اكتمال المشروع في نهاية المطاف، وإن كان ذلك بسعر مبالغ فيه بسبب الأموال التي تم صبّها في جيوبهم.
لم يتوقف “داعش” عن السعي للسيطرة على الأراضي. إذ يسعى التنظيم إلى استعادة السيطرة على الأصول النفطية حول دير الزور، قبل الهجوم المرتقب من قبل “قوات سوريا الديمقراطية”. ووفقاً لتقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تموز/يوليو، استعاد التنظيم سيطرته على حقول النفط في شمال شرق سورية ويستمر باستخراج النفط واستغلاله من قبل مقاتلي “داعش”، وبيعه للسكان المحليين. ولكن حتى بعد استعادة هذه الحقول حتماً، بمساعدة القوات الأمريكية، سيعود التنظيم ببساطة إلى الأنشطة الإجرامية التي لا تتطلب الحفاظ على الأراضي بشكل فعلي.
إن الجمع بين الأصول الحالية والقدرة المستقبلية على كسب المال سيسمح لـ “داعش” بإعادة تشكيل وتنظيم صفوفه، وهذ ما بدأ يحدث فعلياً في أجزاء مختلفة من العراق وسورية. في جميع أنحاء كركوك شمال العراق، قام المسلحون ببناء نقاط تفتيش وهمية لنصب كمائن لقوات الأمن العراقية العاملة في المنطقة في وقت سابق من هذا العام. وفي أجزاء أخرى من العراق، بما في ذلك ديالى وصلاح الدين، تقوم خلايا “داعش” النشطة بمراقبة واستطلاع هذه المناطق لتحديد أفضل السبل للعمل قبل إعادة تنظيم تشكيلات صغيرة من المقاتلين. ورغم الغارات الجوية الهجومية الأمريكية، لا تزال جيوب “المتمردين” متحصنة في منطقة حجين، شمال البوكمال، ودشيشة، في سورية.
يميل الغرب إلى رؤية الحرب ضد “الدولة الإسلامية” في مراحل منفصلة كل مرحلة على حداها، وذلك بحسب الإدارات الرئاسية أو التغييرات الطفيفة في السياسة. لكن بالنسبة للجهاديين، هذه الحرب هي حملة واحدة طويلة الأمد منذ الأيام الأولى لمؤسسها أبو مصعب الزرقاوي.
وإلى أن تعترف الولايات المتحدة وحلفاؤها بذلك، من المرجح أن تعيد “الدولة الإسلامية” تكرار استراتيجيتها في اللجوء إلى الخفاء قبل العودة إلى الظهور وفرض قوتها بشكل دائم إلى أن تسحب الولايات المتحدة قواتها العسكرية بالكامل، أو أن تتمكن المجموعة الإرهابية مرة أخرى من استعادة السيطرة على ما يكفي من الأراضي لإعادة هندسة المرحلة المقبلة من مشروع بناء “الخلافة”.

مداد – مركز دمشق للابحاث والدراسات